السيسي ورهانات التقسيم
أحمد الشرعبي
مختلف تجاربنا السابقة مع الديمقراطيات الناشئة في الوطن العربي لم تمنحنا فرصة الاختلاف حول الأوفر حظا في منافساتها الانتخابية.
مرت عشرات الاستحقاقات البرلمانية والرئاسية واقتطعت مجتمعاتنا الفقيرة كلفة التمحك بالعصر على حساب الحد الأدنى من أسباب التنمية البشرية.. وكان علينا عمل كل ذلك لتأمين مساحة من ضوضاء ترفية يحتاجها الغرب لتسويق نفاقه السياسي في صناعة النظم وتنصيب الوكلاء وتدوير حركة وطغيان الرأسمال العالمي.
لم تعطنا صناديق الاقتراع ماء نقيا ولا تعليما محترما ولم نتبين موقع صندوق الاقتراع داخل عربات الإسعاف الخالية من الأكسجين.
هل هذا ما يحدث في مصر مجددا لتستغرقنا الفعاليات الانتخابية في التجديف الفراغي مع التسليم بماهية النتيجة المعلومة سلفا..
أهي واحدة من فرقعات التمحك ومحاولات إظهار مجتمعاتنا المتخلفة على غير حقيقتها..
لماذا لا يكون عبدالفتاح السيسي واحدا من أولئك الحكام المدججين بالشعارات الاستهلاكية الديمقراطية¿ ولماذا لا نحتسبه إضافة جديدة على قائمة الرؤساء العرب المسؤولين عن تحويل الصبغة المطبوعة على إبهام الناخب إلى عقوبات تقوض فرص السعادة الجماعية وتغمر نباهتنا بفائض صراع الحملات الترويجية وأكوام الملصقات المخصصة لإغراق الذائقة الجمالية.
كان بوسع لفيف من دعاة المدنية المعترضين على خلفية السيسي القادم من صدارة المؤسسة العسكرية تقديم رؤية نقدية عميقة تستكشف نموذجا مقبولا لديمقراطية حقيقية تنتج متغيرات ثقافية واجتماعية وسياسية تتسق مع قوانين التطور التاريخي وتعالج الخلل في وظائف ومفاهيم وعلاقات البنى الاجتماعية لكنهم علقوا بقشرة الحدث اليومي لتغدو بدلة الجنرال ضمن تجاذبات عبثية لا تميز بين دور المؤسسة العسكرية في حماية الوطن ونزولها عند إرادة الشعب كما فعل السيسي وبين الصورة الذهنية لممارسات الدولة البوليسية وسلطة الاستبداد على عهد الحكام الذين خلعتهم الانتفاضات الشعبية 2011م.
ثمة مرشحان يتنافسان على معنى الدولة.. كلاهما قدم طروحاته النظرية بشأنها.. حسنا ليس هذا ما يشغلنا الآن ولكن أيهما أقدر على تحقيق وعده!! أقصد دورها الضامن استقرار مصر الداخلي وتحدي الخلاص من التزامات الإخوان لإحلال مشروع الشرق أوسط الجديد¿
أيهما يمكننا اعتباره خط الدفاع الأول عن الأمة العربية المهددة بالتمزق والضياع والمفجوعة بجاهزيات القوى الظلامية للتفريط والاستخذاء مقابل وهم الخلافة ومرجعيات التدحرج إلى قاع التاريخ بحثا عن قرقوش القائمقام!¿
المغردون خارج سرب التحديات التاريخية المعاصرة ينطلقون من تصور انطوائي محدود – يخدم بقصد أو بدونه تلك الجحور – ولم يخطر على بالهم شيئا يخص الهوية أو يتصل بموضوعات السيادة ولا يشغلهم دور مصر القومي والإسلامي والعالمي.
لست تدري وشعار الدولة المدنية يرتفع كما ارتفعت المصاحف يوم السقيفة كيف تقنع بعض الشباب المندفع بسلبية الانجراف وراء الشعارات المجردة¿!
هم أنقياء بما فيه الكفاية وما تزال تتلبسهم دوغما الشعارات المجردة حتى وإن كان مثالها تجربتهم المريرة مع محمد مرسي بوصفه مدنيا ومليشياته (إسلامية)!!
كلما أنجزه هؤلاء الفتية الطيبون إرغام السيسي على صياغة مشروعه المدني بما يشبه الثوب السوداني الفضفاض دون تبصر كاف بانعكاسات تلك الصياغة على أولوياته المستقبلية وبطليعتها استعادة مصر من الفخ أولا ثم التفكير في أي وضعيات الدولة المدنية تكون ناهيك عن التفاصيل البرامجية المطلبية المفترض ارتباطها بالحكومة والبرلمان القادمين.
الانتخابات المصرية أفضت للحديث عن كل تمنيات وأحلام المصريين في المدنية والرفاه والتنمية والإدارة.. هذا حقهم المشروع والعادل بل هو ما يتمناه أشقاؤهم في أرجاء المعمورة ولا غرو أن طروحات الرجل كشفت في معظمها عن وعود مدروسة يمكن الاطمئنان لإمكانية بلورتها إلى انتقالات نوعية في حياة مصر وخاصة وأن لديه جسور علاقات متينة بأشقائه في الخليج تؤهله لاجتياز تحدي (بارليف) التنمية لكن إدارة المصالح العامة ليست شأنا يخص رجلا بمفرده أيا كانت قدراته.. بيد أن عاما واحدا من عمر الدولة الإخوانية أنجز من الوعود والتعهدات الخارجية ما يعادل تاريخ الكنانة ورصيدها الكفاحي من أجل الحرية والاستقلال.
تفوق مرسي على التجربة الإخوانية السودانية وبصم بالعشر على خارطة البنتاغون بتقسيم مصر إلى أربع دويلات أولاها تخضع للنفوذ الإسرائيلي على سينا والدلتا تجسيدا للحلم السامي (من النيل إلى الفرات) والثانية ذات هوية مس