الرهينة اليمنى.. يهرب إلى المستقبل

■ منير عتيبة ٭



اليمن من البلاد العريقة في الحضارة وهي موطن العرب العاربة الذين هم أصل العرب بعدما يسمى بالعرب البائدة وقد جاء ذكرها في القرآن في قوله تعالى “بلúدة طيöبة ورب غفوúر”. تمتد اليمن من حدود الحجاز ونجد شمالا حتى البحر العربي جنوبا والبحر الأحمر غربا حتى الخليج العربي شرقا وقد سميت يمنا لأنها تقع على يمين الكعبة أو من اليمن والبركة وذلك لخصب تربتها ووفرة خيراتها وكثرة منابعها ووديانها. كانت اليمن منطقة صراع دائم بين القبائل التي تعيش فيها حتى بعد أن أسست الإمامة فيها وأول إمام لها وهو يحيى بن الحسين الرسي (الرس: قرية بين الحجاز ونجد) وقد دخل اليمن لأول مرة سنة 280هـ بل ويرى عبد الله الثور في كتابه “هذه هي اليمن” إن حدة الصراع بين الأئمة أنفسهم كانت أشد عنفا وأكثر ضحايا من الصراعات التي كانت تقوم بينهم وبين منافسيهم سواء كانوا من الحكام المحليين أو من الدول التي تأتى من الخارج كالأيوبيين والعثمانيين إذ كان يظهر أحيانا أكثر من إمام يدعي أحقيته بالخلافة مما يؤدي إلى صراع دموي وهكذا “غرقت اليمن أثناء حكم الإمامة في بحر من الدماء والمشاكل وخسرت ألف عام من التاريخ في صراع كان من الممكن أن يقودها إلى البناء والعمران والإصلاح لولا مطامع الحاكمين واستهانتهم بالأرواح والأمجاد”. فإذا كان هناك شبه إجماع بين المؤرخين أن تاريخ اليمن توقف لمدة تقرب من ألف عام فإن ذلك الإحساس الذي يأتيك وأنت تقرأ رواية “الرهينة” بأن أحداثها تدور في القرن الثالث عشر أو الرابع عشر رغم أن أحداثها تدور في النصف الأول من القرن العشرين ذلك الإحساس لا يبدو غريبا فقد كانت اليمن قطعة من القرون الوسطى تعيش في قلب القرن العشرين معزولة تماما يؤهلها لذلك طبيعتها الجغرافية الجبلية والستار الحديدي الكثيف الذي وضعها الأئمة خلفه!!. مؤلف رواية الرهينة هو الأديب اليمنى “زيد مطيع دماج” المولود سنة 1943م.. بدأ تعليمه في “الكتاب” بحفظ القرآن الكريم.. درس الحقوق في جامعة القاهرة ودرس الصحافة في جامعة صنعاء.. وانتخب عضوا في أول برلمان يمنى سنة 1970م ورئيسا للجنة الثقافة فيه.. من مؤلفاته: طاهش الحوبان – العقرب – أحزان البنت مايسة.. أما رواية الرهينة فقد صدرت سنة 1984م. يقول الناقد اليمني محمد علي اللوزي: “زيد مطيع دماج واحد من الذين أثúروا المكتبة اليمنية بدراية واقتدار وبامتلاك ناصية العمل الفني الذي يتطلب قدرة على ضبط الإحساس النفسي بما يلائم الحدث وفق لغة خاصة تشد القارئ إلى متابعتها”. والرهينة هو غلام صغير ينتسب إلى زعيم قبيلة أو أسرة ثائرة أو يخشى خطرها يأخذه إمام اليمن أو نائبه ليسجنه في قلعة محصنة ليكون ورقة تهديد في يده إذا ما فكر أهله القيام بما يغضب الإمام. بعض هؤلاء الرهائن يتم اختيارهم للعمل كـ “دويدار” في قصر الإمام أو نائبه أما عمل الـ “دويدار” وماهية وظيفته فهذا ما لم يكن يعرفه بطل الرواية عندما تم إبلاغه باختياره للعمل كدويدار.. يقول: “الشيء الذي لم أكن أعرفه هو معنى (الدويدار) وما هو عمله¿ ولم أكن أعي أي تفسير يقال ربما لصغر سني. – من شروط الدويدار أن يكون صبيا لم يبلغ الحلم. هكذا كان يقول أستاذنا (الفقيه) السجين أيضا معنا والمكلف بتعليمنا القرآن والفروض والطاعة في قلعة القاهرة معقل الرهائن. – يقوم الدويدار حاليا بعمل الطواشي. وعندما تبدو علينا الحيرة يقول: – والطواشي هم العبيد المخصيون. فنزداد حيرة أكثر. – والخصي هو من تضúرب خصيته. ونحتار أيضا من جديد متألمين لهذا العمل القاسي فيقول: – لكي لا يمارس عملا مشينا جنسيا كمضاجعة نساء القصور أي بمعنى آخر يجب أن يكون فاقدا لرجولته أي بمعنى آخر عاجزا. ونحتار أكثر فيقول: – هذا يكفى مفهوم¿ – غير مفهوم يا (سنا) الفقيه. [أي يا سيدنا الفقيه]. يقوم غاضبا لردنا الجماعي الذي كان يعتبره وقحا أو وقاحة ونصيح بنشيدنا المعتاد: – غفر الله لك يا سيدنا ولوالديك مع والدينا”. يذهب الغلام ليعمل كدويدار في بيت النائب وهناك يصادق غلاما آخر سبقه إلى العمل بهذه المهمة ويسمونه “الدويدار الحالي” أي الحلو أو الجميل.. ويصبح الدويدار الحالي مرشدا له يخبره بكل أسرار القصر النائب الذي لا يفعل في حياته سوى الجلوس على أريكته والاستماع إلى جهاز عجيب تصدر منه أغان وموسيقى اسمه “الراديو” ويرسل جنوده لجمع الضرائب الباهظة من الفقراء الذين لا يملكون طعام يومهم – هؤلاء الجنود الذين ينتشر بينهم الشذوذ حتى مع الحيوانات – ولا يترك مبسم النارجيلة من يده أو فمه.. وصورة هير (لقب بمعنى السيد) هتلر وموسلليني ملك الطليان والشيخ الوقور عمر المختار.. وحفصة أخت النائب من أبيه القوية الجميلة المطلقة من ابن عمها لعدم قدرته على نيلها بسبب عجز متأصل فيه

قد يعجبك ايضا