الرئيس .. والحرب على الإرهاب
عبدالرحمن مراد

مقالة

يخوض الرئيس حربا على الإرهاب واستنفر القوات المسلحة للقيام بهذه المهمة وهي مهمة صعبة وشاقة في ظل أوضاع سياسية بالغة التعقيد ومشاعر وطنية متشظية ونشاط استخباراتي إقليمي وعالمي في ذروة تفاعلاته واشتغالاته السياسية المحمومة وفي ظل واقع وطني منقسم على ذاته أفضت به حالة التقاسم التي يعيشها إلى إضعاف روح المواطنة وانقسام الهوية والتباس الوعي الاجتماعي ولم يكن هذا الحال وليد لحظته التي بزغ من بين ظهرانينها وإنما كان نتيجة منطقية لأعراض متراكمة لواقع موضوعي يمتد عميقا في التاريخ امتزجت فيه عوامل المكان مع عوامل الزمان المتأرجح بين القطيعة الحضارية ومحاولة الوصل الفاشلة في فترات التاريخ المتعاقبة.
وأمام كل ذلك ثمة ضرورة تبرز كسؤال حقيقي وجوهري في هذا الراهن وهو سؤال اليقين بضرورة الوعي بالذات بل ونقدها وهي ذات كما نعلم مزقتها المحن والمآسي والحروب نتيجة الصراع المذهبي والعشائري والحزبي على امتداد التاريخ وما هو يقين أنه تحت ظلال 2011م برز مبدأ المصلحة الفردية (تضخم الأنا) وتماهي أحلام المجموع (النحن) في الفرد وقد صاحب ذلك ظهور التناقضات الاجتماعية والسياسية وظهور صراع القيم كما أفصحت عن ذلك جل الأحداث ومتوالياتها وبالتالي فالقول بالخيار العسكري لمواجهة التحديات الأمنية التي تمر بها اليمن في ظل غياب الوعي الكامل بالخطر الذي يتهدد اليمن قد يصبح خيارا غير محمود العواقب فالإرهاب منظومة متكاملة لا يمكن اجتثاثها بالخيار العسكري المباشر في حال لم يسبق الخيار العسكري حزمة من الإجراءات والقرارات التي تحد من هذه الظاهرة وتعمل على تجفيف منابعها وتحاول في السياق ذاته أن تعترف بالقيمة والمعنى للجماعات الدينية التي تذهب في معتقدها إلى القول بجاهلية المجتمع وبضرورة إعلان الجهاد ضده حتى يعود إلى الفطرة السليمة من العقيدة الصافية فهي تظن أن المجتمعات تعيش بجاهلية تشبه الجاهلية الأولى قبل الإسلام وقضيتها مع هذا الواقع قضية ثقافية وقضية غياب دولة أكثر منها قضية عسكرية.
فالحرب –أي حرب- ليست هي الحل الأمثل لأنها تخلق روحا مقاومة وقادرة على الصراع والوجود ولذلك فهي لا تزيد الفكرة –أي فكرة- إلا اشتعالا وبروزا.
وفي يقيني أن الحرب على الإرهاب تبدأ من فكرة إعادة ترتيب النسق البنائي والتفاعلي للمؤسسة الدينية وإشراكها في الصيغة الاجتماعية التفاعلية من خلال استحداث مؤسسة تعنى بالشأن الديني وتدير أموال الأوقاف والزكاة ويكون تمثيل كل الطيف المذهبي المتعدد تمثيلا متساويا وبحيث تدير المؤسسة جوارا لتصحيح التصورات الخاطئة لكل طرف عن الآخر وبحيث نتمكن من السيطرة على الصراع ونحاول تخفيفه من خلال إحداث الانتقال من الصراع المادي الدامي إلى الذهني والفكري الذي ينشد الحق والخير والعدل ونعمل على إعادة الاعتبار للعوامل التاريخية وترشيد الظواهر الطارئة والسيطرة على موجهاتها ومدخلاتها باعتبار هذه الظواهر الطارئة هي الحواضن الأولى للإرهاب والمنتجة له وحين تعمل المؤسسة على الحد من الظواهر الجديدة وتسيطر على الموجهات والمناهج وبصيغة توافقية يكون قبول الظاهرة الدينية والقرار السياسي بعد ذلك أمرا ميسرا ولا يشكل قلقا أمنيا ولا يهدد موضوع الاستقرار ويمكن القول هنا أن فشل وزارة الأوقاف في إدارة المؤسسة الدينية وإدارة مواردها وبما يهزز من القيمة والمعنى للبعدين الثقافي والحضاري والعامل التاريخي الذي يضمن خاصية الامتداد وخاصية التحديث والتفاعل مع العصر قد أسهم بجهد وافر في النمو المضطرد لظاهرة الإرهاب والإرهابيين ومن يرى أن الفقر كان سببا مباشرا في نمو هذه الظاهرة فقد جانبه الصواب إذ الثابت تاريخيا أن الفقر كان ملازما لإنسان هذا الوطن ولم يرو لنا الإخباريون أحداثا مروعة كالتي نشاهدها الآن من الجماعات الإرهابية التي تعمل على تشويه صورة الإسلام في أذهان الآخرين من حيث تظن نصرتها له وتحقيق حاكميته في الأرض وما نود التأكيد عليه هو القول إن العنف والعنف المضاد ليس هو الحل الناجع للظاهرة الإرهابية فالحل يكمن في القدرة الابتكارية والإبداعية الفكرية والذهنية والإجرائية القادرة على إحداث الانتقال من الحالة التدميرية إلى الحالة الإنمائية فالطاقة الانفعالية التي تملك الجرأة على التفجر في الأماكن والأحياء العامة قدرتنا الابتكارية تكمن في كيفية توظيفها توظيفا إنمائيا بدلا عن التوظيف التدميري المتأصل في عقيدتها الزائفة ومثل ذلك يتطلب جهدا مضاعفا ومتضافرا تشترك فيه كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وموضوع الإرهاب وإعلان الحرب عليه مسئولية مشتركة تبدأ من عند حزمة الإجراءات والقرارات الرامية إلى تحقيق القدر الكافي من الاستقرار النفسي والذهني والاجتماعي للجماعات والأفراد والرقابة والإشراف المباشر على المنشآت والمؤسسات الدينية التي تشكل الحاضن الأول