” أرض الجنتين ” بين التشكيل الفوتوغرافي والعين الخفية..!!¿

المقالح عبدالكريم


-1-
الفنان محمد سعيد نعمان.. عندما تزوره في مكتبه: “جاليري أرض الجنتين” من المؤكد أنك بمجرد تخطي عتبته.. ستأخذ وقتا طويلا قبل أن تتدارك نفسك وتجلس تجاهه على أحد الكراسي.. أو بالأحرى سيأخذك شيء لم تكن تتوقعه.. أحاط بك إحاطة السوار بالمعصم.. وانهل عليك بغزارة وابل كله خيال ساحر:
متحف التاريخ الحي صنعاء القديمة.. غابة من أشجار دم الأخوين في جزيرة سقطري.. جسر شهارة.. قلعة صيرة.. شبام حضرموت مانهاتن الصحراء وأول ناطحات السحاب في العالم.. محمية عتمة جبل صبر.. الحديدة عروس البحر الأحمر.. مدرجات زراعية في إب.. شواطئ حوف.. دار الحجر.
-2-
إنها لقطات الفنان سعيد نعمان الفوتوغرافية التي تنداح عابقة بالجمال على طول وعرض جدران الجاليري.. منارة جامع المحضار بتريم حضرموت أقواس قزح تتغامز مؤطرة شبابيك بيوت صعدة الطينية .. قبر النبي هود عليه السلام.. جمل المعصرة.. قرى معلقة بذرى الجبال.. قطع آثارية من متاحف يمنية.. أزياء تقليدية.. الجنبية العقيق اليماني بوابات وأسوار.. طيور مهاجرة أو مستوطنة.. أشجار.. نباتات.. غيول وأنهار ووو… وأينما يممت دهشتك سيملؤك الفضول.. مجددا تلتهم المتتابع المسرود في الأركان والزوايا … وعن يمينك وإلى شمالك.. وأنت بوعي أو بدون وعي منساق لحيرتك اللاظية فيك… تريد الفوز في المسابقة السرية التي وجدت نفسك من تلقاء مفاجأتك تخوضها.. التخمين الصحيح والمناسب للمشاهد التي تقاذفتك روائعها بكل مكر سهل يمكن تخيله..!!
-3-
وهي مهمة هينة جدا.. إن قارنتها بمهمة أخرى.. تتعلق بتحليل ودراسة الأعمال الإبداعية لهذا الفنان الفوتوغرافي.. الذي لا يتوقف عند حدود.. إذ إنه دائم البحث عن الجديد والمتجدد.
رحلاته المنتظمة بين فصل وموسم خلال السنة إلى نقاط وجهات يمنية هنا أو هناك.. اصطياد كنوز عذراء جداد تزداد ثراء رحلة أخرى.. باكتشافات مثيرة تنضاف إلى رصيده الفني الواسع.. الذي يشكل بحق ألبوما لا نهائي الروعة عنوانه اليمن.. بكل ما فيه ومن فيه من جمال وسحر وفتنة.. لا يفيه حقه… ولا يقدمه أمثل تقديم إلا فنان مرهف الحس له رؤيته الإبداعية الفذة.. بغض النظر عن نوع كاميرته أو عدساتها.. وأيا كان إطار المشهد المتلألئ أمامه.. ما يحقق الخصوصية الفنية للمبدع المحترف.
استمعوا إليه متحدثا عن هذه المسألة الحساسة.. في حوار معه نشر في الملحق الثقافي..
(أن تبهرك اللقطة الفوتوغرافية .. أن تسأل نفسك أو من حولك..ماذا وكيف نجح الفنان في تحويل مشهد واقعي إلى لوحة سيريالية تفوح منها نكهة سلفادور دالي أو تكعيبية يطل منها بيكاسو أو كلاسيكية كما لو كان راسمها أول عباقرة عصر النهضة مثل دافنشي أو إنجلو أو رفائيل¿¿!
ذلك كله راجع بالدرجة الأولى إلى “العين الخفية” الداخلية عند الفنان الفوتوغرافي.. أما رد ذلك إلى تكنولوجيا الكاميرا أو موديلها الحديث فمغالطة لا طائل منها.. لأن الكاميرا أداة في يد المبدع مثلها مثل الريشة في يد التشكيلي أو القلم بين أنامل الأديب.. وإلا فالكاميرا سلعة يمكن شراؤها من أي محل والموضوعات أمام الجميع فلماذا لا يصير الكل مصورا فوتوغرافيا..¿!!)
وهكذا.. وعند تتبع آثار ونتائج هذه “العين الخفية” في إبداع الفنان سعيد نعمان.. نرى انعكاسات لا حصر لها تكاد تشمل معظم نتاجه الفوتوغرافي.. وهو أمر يكاد يكون من المستحيل تطبيقه.. لعöظم ما يستلزم من المساحة والوقت والجهد.. إلا أن تخير بضعة نماذج معينة سيكون كافيا لإصابة ما نحن بصدده.
-4-
الفنان محمد سعيد نعمان.. لالتقاط المشهد عنده معايير أساسية.. أهمها زاوية المنظر والتوقيت الزمني المثالي.. ومنهما تستمد الصورة جماليتها الفنية كما في لقطته لإحدى قرى المحويت والمعنونة بـ “انسكاب”.
ففي هذه اللوحة الاستثنائية الرؤية.. يفتح لنا الفنان محمد سعيد نعمان شرفة فينا.. ويجعلنا نقف على إفريزها متطلعين للأسفل.. زاوية اللقطة تجعلك تتفحص التفاصيل بحذر كما لو كنت تطل من ذات البقعة التي تسمر فيها الفنان نفسه ووقف في حضرة المشهد متدل من قمة الجبل المرتفع.
يزيد من إحساس التنبه الغريزي وأخذ الحيطة من الانزلاق ما تمثله بؤرة اللوحة من تجاور وتقارب حميم لمنازل القرية.. التي لا يظهر منها إلا أسطحها فقط- كما لو كانت كيانا واحدا متعدد الأجزاء لكن مختلف الأحجام .. إضافة إلى ما تعطيه من انطباع نفسي لدى المتلقي الذي يشعر أنها – أي البيوت – تؤازر بعضها بعضا خوف أن يسقط أحدها إلى الهاوية المتربصة بالقرية من جميع الجهات.. وكأنها فك مفترس يتحين لحظة فوزه بإحدى الفرائس.. ولعل الهاوية المتبرجة بالاخضرار الزاهي.. من عشب وشجر ومدرجات زراعية.. لا تنجح في تمويه حقيقتها وطبيعة نواياها الشريرة.. تماما كما تسلك الحشرات السامة زاهية الألوان في المكر والخداع لت

قد يعجبك ايضا