“تسوية الخطاب” عبر التنوع الثقافي

صدام الشيباني

تتلبس الأحادية ب”المركزية” إذا أوهمت الجمهور بعوامل تقويضها وقادت حروبا وهمية على المنافسين , وتكفي تجربة أحادية واحدة لتصنع تجارب احادية متعددة , كل احداية تقوم على أنقاض الأخرى كما يحدث في الفكر السياسي الاسلامي والمسيحي القديم , لأن التجربة الأولى هي الأساس , ولم تحدث قطيعة في التاريخ العربي الاسلامي في الزمن ,’ والزمن يرحل معه بصمات تاريخية حسب مستوى القهر ونوعه للإنسان . وتتلبس المركزية بالأحادية للحصول على البقاء في السلطة مدة أطول , لأن في الأحادية روابط غير منطقية , وعاطفية كيفما كانت هذه الأحادية , والمركزية والأحادية في العالم العربي وجهان لعملة واحدة هي القمع الممنهج والمستمر . والذي يأخذ صيغا متعددة حسب الشروط التاريخية والفكرية للثقافة العربية . انفتح الخطاب الثقافي العربي على أحادية اللسان العربي , وضغط على اللسان الى الحد الذي وارى الاختلاف اللهجي في الخطاب الرسمي على أن الأساس وحدة اللسان , وليس التنوع , وقد قبل العرب بهذا المستوى , وظل الخطاب الرسمي موحدا , والخطاب الجماهيري متعددا , فكان التعدد اللهجي سمة رسمية للتعدد الاجتماعي , مع ذلك ظل الخطاب الرسمي بوحدة اللسان , على انه رمز الوحدة العربية الشاملة . تغافل الخطاب الرسمي عن التعدد الهائل للهجات العربية التي تحمل محمولات ثقافية , وتحمل تاريخا , وتحمل قوة مختزلة في إطار العربية مع إضعاف الدور اللغوي الى الدرجة التي صارت عندها اللهجات غريبة وفيها من الظواهر الأصيلة التي غابت عن اللغة الرسمية , وهو مقصود من أجل تعميم لهجة قريش على العربية وهذا ماتم بالفعل . فلم تستطع اللغة الرسمية مساعدة اللهجات الى مستوى المشاركة اللغوية بسبب الأحادية . القوة والسلطة في الأحادية عملتا على مصادرة الحقوق اللغوية والتمثيل اللغوي , لكن المركز السياسي صادر الهوامش الثقافية وأخرج لهجاتها من إطار التداول , او صارت اللهجة المركزية هي الأم , وتعمل على امتصاص الهوامش اللغوية , وذلك عن طريق الرحلة , والهجرة الداخلية الى المركز , وعن طريق الإقامة والاستقرار بشروط المركز الثقافية , ومن ضمنها اللغة . وهذا يشعر المهاجر بمصادرة حقه اللغوي في التعبير عن نفسه , وحقه الثقافي الرمزي في الوجود الإقليمي . من الضرورة ان يعكس الخطاب الرسمي التنوع الثقافي , القائم على تنوع الأمم في الدولة الواحدة , أو الأقاليم , لأنه يعبر عن الأمة , ولا يعبر عن الدولة وحدها , وهذا خطأ متوارث في المركزية , لأن التنوع يخدم الثراء والتجربة الاجتماعية والثقافية والسياسية , وذلك عبر دعم شرعية الاختلاف الثقافي , من خلال سياسة الاعتراف بالحقوق , عبر ثقافة التدعيم : شرعية التنوع تدعم الاختلاف , وشرعية الاختلاف تدعم التنوع , حتى لا يتحول التنوع الى صراع على المستويين الرسمي والشعبي , وعلى الدولة ان تقوم بهذا البرنامج حفاظا على الأمة . في سياقنا الثقافي لا توجد أقليات لغوية , بل توجد أكثريات لغوية , تمارس وجودها اللغوي عبر الاتصال الاجتماعي الشعبي , وداخل هذه الأكثريات اللغوية مناطق توتر , وشد , تتاثر بالعامل السياسي , والتمثل الثقافي الرسمي , وقد يحدث ان تصادر لهجات على حساب لهجة ثقافية استجابة لعناصر القوة السياسية والمناطقية كما في لهجات الإعلام الرسمي التي تؤكد الأحادية اللغوية في التمثيل الدرامي والإعلاني , وهذا يسبب شعورا بالمظلومية الثقافية واللغوية , وحله يكمن في السياسة الإعلامية والثقافية الرسمية تجاه القضايا الاجتماعية . لا تستطيع الأحادية مصادرة حقوق الأكثريات الثقافية , بل تستطيع تهميشها , وقد يحدث نوع من الإسكات عن طريق الاعتراف الثقافي , والاعتراف الثقافي ثلاثة : الاعتراف الشفوي عبر الخطاب الاعلامي , والاعتراف القانوني عبر التشريع والخطط والبرامج , والاعتراف الإجرائي بتحويل النصوص الى ممارسات , وقد تم الاعتراف الشفوي , وصودر الاعترافان القانوني والإجرائي , وعلى الدولة أن تعيد النظر في شرعية الاعتراف لتحقق المساواة الثقافية لجميع الأكثريات عبر “تسوية الخطاب ” . تتم معالج التعدد الثقافي وفق القناعات , تتمثل هذه القناعات في : استيعاب الفرد وآماله وخصوصياته , ومشاكله الذاتية وثقافته الشخصية عبر البرامج الثقافية المتعددة التي تلبي كل طلبات المواطنين لتخلق منهم مواطنين أسوياء في تطبيق القانون واللجوء اليه في الأزمات , بما يعزز الولاء الوطني ويخدم قوة الدولة , كذلك ضمن القناعات رمزية الجماعة , وتحصل الجماعة على قيمتها الرمزية من مستوى التعاطي مع خصوصياتها الثقافية في الملبس والمأكل والمشرب والتعليم والترفيه والتواصل , وعلى الدولة ان توفر ذلك من اجل خلق التنوع الثقافي والقضاء على الأحادية .وضمن القناعات تحقيق الكرامة , ويختلف منظور الكرامة من جماعة الى اخرى , حسب التداخل الثقافي مثل : الكرامة في القبلية , الكرامة في المدنية , الكرامة في الأصولية , الكرامة في الحداثة ,,, على الدولة ان تحقق هذه الكرامات لجم

قد يعجبك ايضا