أيها الأوروبيون.. أعيرونا قلوبكم !!
خالد القارني

في يومين ماضيين كثر الحديث عن مؤتمر المانحين لليمن الذي اختتم أعماله يوم أمس الأربعاء في لندن و خرج بيانه مليئا بالتأكيدات المؤيدة.. الداعمة.. المنددة .. المحذرة لكل المتغيرات التي شهدناها خلال العامين المنصرمين وحتى الآن دون أية وضوح أو التزام بحجم وزمنية وكيفية مساعدتنا لتجاوز الأوضاع المعيشية الصعبة والتحديات الإنسانية التي نواجهها حاليا.
في تصوري أن الركون على الدعم الخارجي لن يساعدنا كثيرا للخروج مما نحن فيه لأن المشكلة ليست كما يردد البعض مشكلة اقتصادية بدرجة أساسية بل إنها إشكالية عميقة في موروثنا الحضاري المثقل بالتحريف والتزييف أنتج وعيا مشوها مغايرا لوعي مؤسسي الدولة المحمدية الأوائل الذين انطلقوا متسلحين بالنور الرباني وقيم الإنسانية من الصحراء المجدبة إلى فتح بلدان وشعوب موغلة في الحضارة المادية والعلمية.
سقوط هذه الحضارات في أيدي المسلمين لم يكن بقوة السيف بقدر ما كان بقوة القيم الإنسانية العظيمة التي جسدوها قولا وعملا باعتبارها شرطا من شروط تفضيل الأمة المحمدية عما سواهم.. وبعد أن فقد المسلمون هذه الشرطية عادوا إلى الحالة الصفرية أعرابا اقحاحا غلاظا شدادا باسهم بينهم شديد.. وهنا أتذكر ما قرأته عما رواه المستورد القرشي عند عمرو بن العاصþ قال:þ سمعت رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم يقول þ”þتقوم الساعة والروم أكثر الناسþ”þþ.þ فقال له عمروþ:þ أبصر ما تقولþ.þ أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلمþ.þ قالþ:þ لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعاþ:þ (إنهم لأحلم الناس عند فتنةþ.þ وأسرعهم إفاقة بعد مصيبةþ.þ وأوشكهم كرة بعد فرةþ.þ وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيفþ.þ وخامسة حسنة وجميلةþ:þ وأمنعهم من ظلم الملوك)þ.þ مسلم
هذه الخصال المحمودة التي هي من أصل طبيعة الخلقة للروم سابقا “الأوروبيين حاليا نلمسها في سلوكهم عمليا” كما فسرها ابن العاص رضي الله عنه كان المسلمون الأوائل الذين حملوا مشاعل الدين الإسلامي إلى أرجاء المعمورة ووضعوا لبنة الحضارة الإسلامية التي ألهمت الأمم الأخرى كيفية بناء الحياة المعاصرة قد اكتسبوها من المدرسة المحمدية ولم يستطع من خلف من بعدهم من المسلمين أن يحافظوا عليها كشرطية من شروط التفضيل والاستخلاف وكان الروم(الأوروبيون) هم أكثر جدارة لإملاء هذا الفراغ. أما العرب فشغلهم صراع الملك عن كل شيء بما فيه الدين فضيعوا “وأي جيفة أضاعوا”.
و لأننا كعرب نفتقر أشد الافتقار إلى قلوب كقلوب الروم فمن الأجدر بنا اليوم أن نستعير من الأوروبيين قلوبهم التي تحمل هذه الخصال العظيمة قبل طلب ما في جيوبهم فمهما أعطونا من مال و”القربة مقطوعة” فلن يملأها مال الأرض.
وليس هذا وحسب بل أعيرونا قلوبكم كي نستطيع أن نزيل الأقفال من على قلوبنا حتى نتمكن من فهم ديننا الفهم الصحيح النافع للدارين. أعيرونا قلوبكم كي نتحلى اليوم بالحلم لأن الفتن تتقاذفنا من كل حدب وصوب . أعيرونا قلوبكم كي نفوق من سكرتنا بملذات وشهوات فاقة كل غرائز الحيوانية. أعيرونا قلوبكم كي نقوم من عثرتنا التي أصابتنا منذ زمن بعيد ولم نعرف بعدها كرها أبدا وكلها فرة بعد فرة ولا نعلم إلى متى الفرار. أعيرونا قلوبكم كي ننقذ ملايين من الضعفاء والمساكين والمشردين والمهجرين في شبه جزيرة يحتوي باطنها على أكبر مخزون للثروة الطبيعية. أعيرونا قلوبكم كي نتخلص من تاريخ طويل يحكي قصة شعب حر جار عليه الزمن وتسلط عليه فراعنة استحيوا فيه كل ما يدب ولا يدب ولا يتمنون اليوم أن يروا فرعونا جديدا.. فهل لكم أن تعيرونا قلوبكم أيها الأوروبيون¿!!!.