الشعب قبل الدولة
محمد العريقي
لن أدخل في الجدل المشابه : من جاء أولا البيضة أو الدجاجة, حول أيهما الأهم والأسبق في أولوية تحديد المسؤولية, الشعب أم الدولة .
فهذه الجدلية تثير الكثير من علامات التعجب حول ما يدور في اليمن وسائر الأقطار العربية من مشاهد التخلف والاضطرابات, فهناك من يحمل الشعوب مسؤولية هذا التخلف, فالأمية متفشية, ولا تحترم القوانين والأنظمة, وبالتالي أفرزت هذه الشعوب دولا ضعيفة لا تكترث بمسؤوليتها, وهناك من يحمل الدولة مسؤولية ذلك, لأنها المعنية على فتح كل النوافذ وتوجيه كل الإمكانيات لتخليص الشعب من كل هذه الأمراض .
مثل هذا الجدل يبرز بطريقة ملفتة في منطقتنا العربية ومنها اليمن على وجه الخصوص , مع أن هناك شعوبا ودولا , تمضي فيها الحياة دون إثارة مثل هذا اللغط الممجوج , لأن كلا يقوم بواجبه ودوره .
فالشعب كما يعرف في الدراسات الاجتماعية بأنه أهم عناصر الدولة إذ لا يمكن تصور دولة في العالم لا سكان فيها بغض النظر عن عددهم .
والدولة هي مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام سياسي معين يتولى شؤون الدولة وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية التي تهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها.
وفي حال النظر لهذه المعادلة وإسقاطها على واقعنا اليمني (وأنا هنا معني باليمن رغم أن مثل ذلك ينطبق على العديد من الدول العربية ومعظم دول العالم الثالث) سنجد أن هناك خلالا في طرفي المعادلة , وهو ما يؤثر سلبا على مسار التقدم والتطور الاجتماعي والاقتصادي من كل الجوانب.
فعندما نتابع الأحداث المزعجة والمحبطة والمقلقة , نجدها تصدر من أشخاص ليس لهم علاقة أو ارتباط بالدولة – يعني من عامة الشعب – من يقتل الجنود ,من يقوم بعملية الاختطاف¿ من يتقطع في الطرقات , من يخرب المنشآت , من يرهب الناس الآمنين – أليس الكثير منا أصبح يخاف على هذا الوطن من أبناء الوطن أنفسهم .
إلى جانب كل ذلك هناك تدمير بقصد أو بدون وعي, يتمثل في الترهل والكسل, وضعف الإنتاجية, وكثرة المطالب دون الاهتمام بقيم العمل, وتدمير ذاتي للأخلاق, وتراجع للدور التشاركي من قبل الافراد والجماعات في مجال الخدمات, فالمدن والأحياء لن تكون نظيفة ما لم يشعر الناس بأهمية النظافة وأهمية مشاركتهم في خلقها. والماء لا يكون كافيا العموم أفراد الشعب إلا إذا أدرك الناس ضرورة الترشيد في استهلاكه وكذلك الكهرباء.
تعودنا فقط أن نكون متلقين , وإلا خرجنا للشارع نحتج ونطالب بمن يزيل القمامة التي ننثرها بطريقة عبثية أمام منازلنا , والغريب في الأمر هناك اليوم من يطالب بعدم سداد فواتير الماء والكهرباء , أليس هذا قمة الاستهتار , الأمور لا تتم بهذه الطريقة .
لنفترض أن الدولة ضعيفة ووو …. هل يعقل أن نصاب بالجنون ونخرج نتقاتل وندمر بعضنا البعض , فأين القيم الإسلامية والإنسانية التي نقول أنها متوارثة ومتجذرة فينا¿
إن الكثير من الذين يزورون الدول المتقدمة يعودونا منبهرين من التطور الذي وصل إليه الإنسان في تلك الدول , ويتجه الكثير من الإعجاب لذلك الإنسان العادي قبل الدولة , لكن بالمقابل ماذا فعل مثل هؤلاء في سلوكياتهم كأفراد , وما هو دورهم في قيادة التغيير للأفضل في مجتمعهم ¿
قد يجد البعض فيما قلته سابقا ظلما وإجحافا في حق الشعب, وتجاهلت مسؤولية الدولة, باعتبارها المعنية على توفير كل مقومات الرفاه والازدهار للشعب .
هذا غير وارد فيمن يفهم أهمية الدور التكاملي بين الشعب والدولة , صحيح أن الشعب متخلف , ولكن الكثير من أفراده أصبحوا يعون أن مسؤولية الدولة كبير وبالذات في مجال تطبيق القانون بكل جدارة وصرامة , حتى وإن كان البعض لا يرغب بل ويقاوم مثل ذلك , لأنه يرى فيه ضررا على مصالحه , لكن غالبية الناس مع هذا الاتجاه , فهذا المبدأ كفيل بالوصول السريع إلى كل ما نصبو ليه.
وهنا الامتحان الصعب للدولة بمختلف مؤسساتها, التشريعية والقضائية والتنفيذية , فلديها من الوسائل والإمكانيات المادية والرقابية والتفويضية يمكنها من تحقيق ذلك والشعب سينفذ .أن الامتحان الصعب , يكمن في مدى تطبيق القانون على أفرادها ومؤسساتها المختلفة , وتعتلي مشهد القدوة في التنفيذ , بكل تأكيد ستحتاج الدولة أيضا إلى دعم فاعل وعين فاحصة من الشعب من خلال هيئاته ومنظماته الفاعلة والنزيهة المتمتعة بالاستقلالية والشفافية والحيادية الدقيقة , عندها يمكن أن نقول أن المسيرة ستتجه إلى الأمام.
من هنا نقول ونحن على أبواب مرحلة جديدة تفتحت مع رياح التغيير , لابد من استغلال هذه الفرصة , والاتجاه للعمل الجاد المتضافر بي