الرئيس.. والصبر
عبدالرحمن مراد

مقالة

يبدو أن قدر الرئيس أن يقود اليمن في أحلك مرحلة وأشدها تعقيدا وأكثرها تنافرا وتربصا فاليمن بعد عاصفة 2011م تشهد حالة من حالات الفرز والتمايز والانتقال ومثل ذلك ظاهرة اجتماعية طبيعية, فالهزات الاجتماعية العنيفة والعوامل المساندة التي تعمل على تفكيك النظام العام والقانون الطبيعي تتطلب قائدا استثنائيا وقائدا صبورا وقائدا واعيا لطبيعة المرحلة ويملك طاقة ذهنية واعية مسيطرة على المستقبل وقادرة على تمثيله ذهنيا وتخيله واقعا من خلال المقدمات المنطقية التي تقضي إلى نتيجته الحتمية.
ويبدو أن كل المؤشرات التي تظهر على سطح الواقع وفي تجلياته دالة على قدرة الرئيس عبدربه منصور على التفاعل مع الحالات الجديدة والوعي بها وتحديد موجهاتها وبما يكفل العودة إلى حالات الاستقرار وتحديث القانون العام والطبيعي للقيام بدورها في العملية الاجتماعية والسياسية والثقافية, وأن بدا للمتابع بعض القصور في جانب أو جوانب فذلك عائد في ظني إلى النزعات المتربصة بالمستقبل فالخوف هو العامل النفسي المسيطر في الحالة الانتقالية التي تمر بها اليمن, فالذين كانوا يمسكون بزمام المبادرة والفعل أصبحوا جزءا بعد أن كانوا كلا, والقوى الحديثة الناشئة تبحث لها عن مكان في خارطة المكان والسياسة والمستقبل والقوى الأقل حضورا وشأنا تخاف المستقبل أن يتجاوزها ولذلك فهي تبحث عن نفسها في خاصيتي التذكر والتجميع التي تشاهدها في الجدران العامة وفي الشوارع, وثمة من يخرج من بنية المعادلة ليذهب إلى مربعات التنظير دون أن يكون له مبرر واضح في الغياب, وأمام ظاهرة التمايز وما يصحبها من خوف ومن عنف واختلال أمني وتدهور اقتصادي نجد الرئيس هو محور الارتكاز في القضية الوطنية بل وديدنها وشوكتها ففي حين تذهب الأطراف السياسية المتصارعة إلى جزئيات ترى فيها كيانها وبقاءها ومصلحتها يذهب الرئيس إلى الكليات من القضايا التي تضمن كيان الكل وبقاء الكل ومصلحة الكل والاشتغال على القضايا الوطنية أكثر هما وأكثر جهدا وهو الأكثر استنفاذا للطاقة الذهنية والأخلاقية وأمام كل ذلك الصلف والعنت والكلمات النابية والتناولات المقلقة لوسائل الإعلام التابعة للأطراف المتصارعة نجد الرئيس عند مستوى المسؤولية الوطنية الكبرى ممسكا بشعرة معاوية خوفا من أن تتقطع فتكون وبالا على هذا الوطن الذي عانى كثيرا من الصراعات والحروب, وتحاول بعض الأطراف أن تجره إلى ذات المربعات حفاظا على مصالحها.
من حقنا على الرئيس أن يتسع صدره لرؤانا وأطروحاتنا النظرية والنقدية ومن حقه علينا أن نكون عونا له وقوى مساندة للخروج من الشرنقة الوطنية التي وصلنا إليها, فالنقد الموضوعي بناء هادف والنقد الانفعالي والذاتي هدم من حيث ندري أو لا ندري, كما أن النقد يحتاج إلى أساليب فنية للوصول إلى غاياته ومقاصده واختيار واع للمحمولات اللفظية التي ترفرف به على جناح الفكرة, فالقضية الوطنية وحالات الانتقال والمناخ النفسي لكل الأطراف السياسية في وضع بالغ التعقيد والحساسية وإذا كنا نرى في الرئيس حالة استثنائية فمن الأولى أن يكون الكتاب والأدباء وقادة الرأي حالة استثنائية أيضا, إذ أن طبيعة المرحلة تفرض قيودا نفسية وأخلاقية وثقافية واجتماعية وتلك القيود موضوعية مراعاة للقانون الطبيعي الذي شارف على التفكك وعمل على تحويل الوطن اليمني من أقصاه إلى أقصاه إلى حالة غابية متوحشة جميعنا دون استثناء يقف في حالة ذهول ودهشة واستنكار لها.
ما يثير العجب والاستغراب أن بعض وسائل الإعلام وبعض الكتاب يتعاملون مع القضايا الوطنية ومع اليمن بلغة اغترابية عن المكان وكأن اليمن كوكب آخر وكأن الرئيس هو المسؤول الوحيد ويتعمدون نسيان مسؤوليتهم الوطنية المشتركة تقودهم إلى ذلك نزعات وأهواء ذاتية مستغرقة في ذاتيتها والحقيقة الغائبة عن أذهانهم أنهم مسؤولون جميعا وإن كان الرئيس يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية إلا أنه يظل عاجزا عن القيام بمسؤولياته إذا لم يشعر الكل بمسؤوليته الوطنية والأخلاقية والثقافية والسياسية والاجتماعية ويكون واعيا بالضرورات المرحلية الانتقالية ومتجردا من نوازعه الذاتية وأهوائه فاليمن مسؤولية كل الأطراف السياسية وكل اليمنيين وعلى جميع اليمنيين أن يتحملوا مسؤوليتهم في هذه اللحظة التاريخية الفارقة.