دموع الذهول.. في محضر اللغة العربية
كتب : عـلـي الـخـيـل
“إذا شبهت اللغة العربية بلون فأي لون تكون هل هي صدفة في صحراء تمتد من غرب آسيا إلى شمال افريقيا .. أم زرقة البحار التي تحيط ببلاد العرب من المحيط إلى الخليج ..هل هي خضرة أشجارها وأعشابها التي تغطي جبال لبنان وسهول تونس¿!.. هل هي حمرة الفجر طالعة على ضفاف نهر النيل¿! أم أن اللغة العربية أقرب إلى قوس قزح يجمع الوانا زاهية مبهرة.
إذا شبهت اللغة العربية بصوت فأي صوت تكون هل هي خرير الجدول وقصف الرعد أم ترنيمة البلبل وهديل الحمامة هل هي أصداء المآذن وأجراس الكنائس ام أغان ساحرة تنبعث من حنجرة فيروز… إن اللغة العربية أقرب إلى سيمفونية تتألف من أصوات جذابة رنانة.
وإذا شبهت اللغة العربية بإنسان فأي إنسان تكون .. هل هي لغة عنترة بن شداد الذي يخرج من كنفه مقترنا بالبطولات العربية الأصيلة أم لغة شهر زاد الراوية التي حكت حكايات كثيرة مفعمة بالذكاء والحكمة هل هي بمثابة صبي ذي أضراس قوية ومعدة سليمة تقدر على ابتلاع كل شيء جديد نافع… هذه اسرار أطرحها على اللغة العربية فتجيبني¿! أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي”.
هذه المقدمة ليست أنشودة المطر لبدر شاكر السياب ولا مقدمة ابن خلدون و ليست نبض الحروف لأنيس منصور ولا الفراديس وأبجدية الروح للدكتور عبد العزيز المقالح وليست ترنيمات عبدالله البردوني ولا بلاغة عائض القرني وفصاحة محمد العريفي وليست وصية من وصايا لقمان الحكيم ولكنها تعبير صادق وخطاب نابع من قلب شابة صينية عشقت اللغة والأدب العربي كعشق الأرض لنزول المطر..
لم يكن خطابا معدا أو مجهزا كما يعتاد عليه الكثير من الخطباء والشعراء والأدباء ولكنه كان خطابا مرتبا ذا دلالات لغوية وبعد إنساني تميز بسلامة النطق وقوة المعنى جسد فيه قول المستشرقة الألمانية زيفر هونكه :” كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة ومنطقها السليم وسحرها الفريد فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرúعى سحر تلك اللغة “.
الجمال والإبداع
عندما يجتمع الجمال والطبيعة والإبداع فإنه يولد ذائقة أدبية متفردة تقاوم الطبيعة وتتحدى الخيال وتجعل من المستحيل واقعا والخيال حقيقة هذا ما جسدته الشابة الصينية التي اختارت لنفسها أسما عربيا ” آمنة” وتدرس في المستوى الثالث في كلية اللغة العربية بجامعة بكين واستطاعت أن تتقن اللغة العربية كتابة ونطقا خلال فترة وجيزة لا تتجاوز السنتين وبضعة اشهر وحازت على المرتبة الأولى في مسابقة فن الخطابة باللغة العربية على مستوى العاصمة الصينية “بكين” وعبرت عن مدى حبها للغة العربية والأدب العربي كما وصفتها في خطابها البديع الذي منح للغة العربية مكانتها وكينونتها وأهميتها في بلد تعداد سكانه مليار و 300 مليون نسمة يتكلمون اللغة الصينية.
تمكنت الشابة الصينية (آمنة) من إعداد وتقديم هذه الذائقة الأدبية المتفردة بروائع الدرر ونفيسها للغة العربية التي تشبه في نغماتها صوت آلة العود إذا نقرت على أحد أوتاره رنت لديك جميع الأوتار وخفقت ثم تحرك اللغة في أعماق النفس من وراء حدود المعنى المباشر موúكبا من العواطف والصور الجميلة فقد هيجت أشجاننا ونثرت على مسامعنا أجمل وأعذب الكلمات بأسلوب بديع ولغة فصحى وصوت رنان ممزوج بعنفوان وشموخ كبيرين واعتزاز لما حققته من إنجاز على صعيد اللغة العربية وسط ذهول الوفد العربي المشارك في الملتقى الثاني للشباب العربي بالصين الذي بدا عليهم علامات الذهول والدهشة من قدرة الطالبة الصينية على الحديث بهذا المستوى والأسلوب الراقي مما جعلها تتخاطب وتتواصل مع العالم العربي مهد الحضارة وأصل الثقافات لتؤكد أن هناك أناسا يقدرون اللغة والأدب العربي في وقت يتفاخر العرب بهجرانها والتنافس على تعلم الآداب واللغات الأخرى كالإنجليزية والفرنسية…
إجلال وإكبار
كان وقع ذلك على أعضاء الوفد العربي كبيرا لدرجة ان بعضهم ذرف الدموع ووقف إجلالا وإكبارا واحتراما لهذه الفتاة التي علمت الوفد العربي درسا في كيفية الحفاظ على اللغة العربية التي قال فيها المستشرق الألماني اوجست فيشر “إذا استثنينا الصين فلا يوجد شعب أخر يحق له الفخر بوفرة كتب علوم لغته غير العرب” .
منذ أن تنكر الزمن للغة العربية وقلب لها ظهر المجن وسلط عليها هولاكو التتري الذي دمر بغداد وألقى بكتب مكتبتها الزاهرة في نهر دجله سنة 656 للهجرة وعلى الرغم من الاهتمام البالغ باللغة العربية في عصرنا الحاضر فإن هناك أخطاء شائعة شاعت لها خطورتها على ألسنة كثير من الأدباء والشعراء والمؤلفين والمعلمين والإعلاميين وساهمت هذه الأخطاء في تشويه وإيذاء العربية والترويج للأفكار والألفاظ التي تحرف كلماتها وتغير معانيها إلا إن ما شاهدناه ولمسناه في كلية اللغة العربية في جامعة بكين ومس