شمعة كانت
محمد المساح

ظلت معه حتى آخر رمق من الضوء وانقطع الضوء فجأة داهمه الحزن والليل في تلك اللحظة المؤسية أقبلت إليه أحزان العالم كلها.. وبكى بصمت جارح وحيدا تلفه الظلمة تحسس حواليه وأحس بجدران الغرفة تبكي معه.. الليل كله الأشياء المحيطة به تبدى له أن الكون يبكي كله.
نظر في بحر “الغدرة” المتماوج أمام البصر الذي لا يرى غير “الغدرة” نفسها داخل الغرفة وخارجها.. من أصابعه مؤملا وجود بقايا من الشمعة المذابة سيخلطها بالدموع ويصنع منها عجينة ويمد إلى قلبه يستخرج منه خيطا مفتولا يغرسه في عجين الشمعة ربما تضيء له بارقة ضوء.
ولكن القلب الذائب والمنصهر في بحر الحزن صعب لمه. كان قد غاص في الأعماق من المستحيل لم شتاته وجمعه.
خالطته في تلك الفينة ألفة الحياة حين يستشعرها الإنسان المستفرد مع نفسه فتداعى جسده عرض الجدار.. وأحس حينها بالجدار ظهرا إنسانيا يسنده برزت حواشيه وطبطبت على كتفيه.
همس له الجدار: إبكي يا صاحبي وأغسل جدار القلب من “الذحل” وارحل في وهاد الليل.
التصق بالسكون وهمز للقلب المتداعي وأشرع له أجنحه للطيران الليلي.. رحل.. تحول.. وجاس حول الكائنات الصامتة العابدة ربها بخشوع والعالم رقود.
مد القدم وجلا في البداية وانطلق غير خائف.. رحل في خبت الليل المتماوج في الرهبة والصمت والسكون.. توغل في الربع الخلي في امتداد من الغدرة غير منظور.
تذكر الشمعة المحترقة المذابة بآخر رمق من الضوء.. وهو يتوغل في الغدرة يتحسس طريقا للقلب ربما تقابله في الضفاف الأخرى من بحر الليل شمعة تفرش الأفق ضوءا.. لكن لهفته في عتمتها.. تلاشى فيها وخلف مكانه للمستحيل الآتي.