ما بعد اتفاق غزة
عبد الحليم سيف

كان ذلك بعد عصر أمس الأربعاء عند الساعة 4و20 دقيقة بتوقيت صنعاء فجأة وبدون مقدمات تقطع فضائيات عربية ودولية برامجها لتنتقل إلى غزة لتذيع على الهواء مباشرة وقائع المؤتمر الصحفي الذي عقده وفدا منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة “أبو ندا” وحركة المقاومة الإسلامية حماس بقياد ” إسماعيل هنية “.في ختام مباحثاتهما التي استمرت يومين . وفيه توصلا إلى اتفاق تاريخي ينهي سبع سنوات عجاف من انقسام الساحة الفلسطينية والتمزق الداخلي عقب الاقتتال الدامي بين قوات موالية لحركتي “فتح” و”حماس” والذي أفضى إلى إحكام الأخيرة سيطرتها على قطاع غزة منذ الرابع عشر من يونيو – حزيران عام 2007 .
الاتفاق الجديد الذي أعلنه”أبو هنية” والذي تم بروح التفاهم والحرص والتوافق وتغليب مصلحة الوطن الفلسطيني ..جاء بعد جهود طويلة ومباحثات مضنية بين أخوة الوجع والمصير بدأت بإعلان صنعاء عام 2008 وتفاهمات واتفاقات القاهرة ثم الدوحة 2010 إلا أن الخلاف ظل قائما مما ألحق أضرارا فادحة بقضية العرب المركزية ودفع الشعب الفلسطيني وحده الثمن باهظا من دماء أبنائه ولهذا ليس مستغربا أن يستقبل “اتفاق غزة” بفرحة عارمة في نفوس الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ودول الشتات كما قوبل بارتياح اليمنيين الذين كانوا يأملون ويتمنون أن تنجح الجهود السابقة في رأب الصدع وتوحيد الساحة الفلسطينية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي بكل بشاعته ووحشيته وعنصريته.
في تلخيص سريع يمكن أن نشير إلى ان “اتفاق غزة” الذي وقع بالأمس ,تضمن من بين أمور عديدة تحديد جداول زمنية لإنهاء الانقسام وتطبيق المصالحة الوطنية ..وفي مقدمتها النقاط السبع التالية:
* التأكيد على الالتزام بكل ما تم الاتفاق عليه باتفاق القاهرة والتفاهمات الملحقة وإعلان الدوحة واعتبارها المرجعية عند التنفيذ .
* يبدأ الرئيس من تاريخ توقيع الاتفاق (المقصود أبو مازن) مشاورته لتشكيل حكومة التوافق الوطني وإعلانها خلال خمسة أسابيع.
* التأكيد على تزامن الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني ويخول الرئيس ,بتحديد موعدها وذلك بالتشاور مع القوى والفعاليات الوطنية على أن يتم إجراءالانتخابات بعد ستة أشهر من تشكيل الحكومة على الأقل .
* الاتفاق على عقد لجنة تفعيل وتطوير منظمة لتحرير الفلسطينية لممارسة مهامها المنصوص عليها بالاتفاقات في غضون خمسة أسابيع من تاريخه .
* الاستئناف الفوري لعمل لجنة المصالحة المجتمعية ولجانها الفرعية .
* دعوة لجنة الحريات العامة في الضفة الغربية وقطاع غزة لاستئناف عملها فورا وتنفيذ قراراتها.
* تفعيل المجلس التشريعيوالقيام بمهامه.
هذه النقاط السبع لاشك وأنها تمثل خارطة طريق واضحة المعالم من شأنها إعادة الاعتبار لقضية فلسطين وإحياء روح الوحدة والتضامن والكفاح لترتيب البيت الفلسطيني من الداخل وجعله أكثر قوة وصلابة واقتدار لمقارعة غطرسة الاحتلال كما أن الاتفاق يعد السبيل الأوحد لاستعادة الحقوق المغتصبة , وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس .
ولأن اتفاق غزة الاستثنائي جاء في لحظة تاريخية ومهمة بعد أن ثبت فشل الاستمرار في مفاوضات عبثية وفي وقت اتجهت فيه السلطة الوطنية لانضمام “دولة فلسطين تحت الاحتلال” إلى عضوية كافة المنظمات والمعاهدات الدولية ولهذا فإننا نتوقع أن تلتزم القيادات الفلسطينية بتنفيذ هذا الاتفاق بحيث تترجمه على أرض الواقع في أسرع وقت لأن حكومة نتنياهو لم تعدم حيلة أو وسيلة لعرقلته وخلق ذرائع عديدة منها فرض عقوبات وحصار سياسي واقتصادي على السلطة والشعب الفلسطيني بدعم أميركي .. وما الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت قطاع غزة بعد دقائق من انتهاء توقيع الاتفاق إلا دليل آخر على عدوانية الصهاينة وحرصهم على انقضاض الفلسطيني على نفسه من أجل تفرغ”حكومة بيبي” المتطرفة لتنفيذ مخططها الرامي لاستكمال المشروع الصهيوني لتصفية قضية فلسطين عبر المستعمرات والجدار الوحشي وصولا الى يهودية الدولة “الإسرائيلية “.
وفي هذا السياق ليست هناك حاجة للتذكير بأن الرد العملي والمنطقي والمشروع على سياسة العدوان الصهيوني يكمن في صلابة المواقف ووحدة القرار والإرادة تجاه أية مباحثات محتملة مع الجانب الإسرائيلي بعد إخفاق المفاوضات التسعة الأشهر , وهذا ما يحمله اتفاق غزة , وما أكدته تصريحات القيادات الفلسطينية المختلفة خلال الساعات الماضية.. وللموضوع عــــــــودة .
Ahalim_227@yahoo.com