أين ذهب أعضاء الحوار¿!

فتحي الشرماني


بعد إعلان وثيقة مخرجات الحوار وتشكيل لجنة الدستور سلمتنا الأيام إلى مرحلة فتور اتضح أنها محطة استجمام تتهيأ من خلالها مرحلة جديدة من الصراعات, من يخطط لها يسعى إلى إضعاف قدرة وثيقة الحوار على التحول من نص إلى واقع بتنفيذ دقيق لما فيها.
والمشكلة أن القوى السياسية تنساق إلى مثل هذه المواجهات التي ستقود إن استمرت إلى تحول دستوري وسياسي وإداري لا لون له ولا طعم ولا رائحة لأن التطبيق سيكون في إطار الحد الأدنى, أو البناء الشكلي الخالي من الروح أو الجوهر, وهذا يعني أن نظل نراوح في تعاطي المشكلات التقليدية, لاسيما الديمقراطية ومدى تمثيلها لإرادة الشعب, أي أن تظل الديمقراطية هي المشكلة بحد ذاتها, وتبقي نار الصراع مشتعلة بين القوى السياسية.
كنت أتوقع أن يظل تيار الحوار دفاقا, وأن يظل مؤتمر الحوار بمجموعه ومنظومته – لا ببعض أشخاصه – بمثابة مرصد لأداء القوى السياسية, ومخبر لتحليل المشكلات والصراعات التي ستظهر بعد إعلان الوثيقة النهائية .. كان بالإمكان السماح لمجلس الحوار القيام بوظيفة رقابية تقف دون تغول بعض القوى على بعضها, ولكن للأسف حدث هذا التغول, وأخذ الفراغ والأنانيات تعطيه تسميات كما تريد, لا كما تريد صراحة جلسات مؤتمر الحوار ووثيقته النهائية .. كانت قاعة الحوار على الأقل تحقق نوعا من المكاشفة التي تعري المزاجيين والانطباعيين الذين يريدون احتكار الحقيقة.
انفض جمع الحوار وذهب المتحاورون إلى منازلهم, تاركين للفرقاء السياسيين والمؤسسة العسكرية ومؤسسة الرئاسة مهمة الاختلاف في تفسير ما يحدث من مواجهات مسلحة وزحف وتجييش, وتفسير الوظيفة الحقيقية للدولة حيال ذلك, فاتضح لنا أن المؤسسة الوطنية الجامعة (الجيش) تقوم بدور إيجابي يتمثل بالوساطة, ولكن تخونها اللغة في تفسير موقفها مما يحدث, فهي لا تفرق بين الحياد الإيجابي الذي تلزم نفسها به, والحياد السلبي الذي لا علاقة لها به, والفرق أن الحياد الإيجابي يقتضي إيمان المحايد بأن هناك من هو على خطأ وهناك من هو على صواب في هذه المواجهات, أما الحياد السلبي فمعناه أن المحايد يضع الأطراف المتصارعة في سلة واحدة, وهذا قد يسمح بتوسع الصراعات وتغذيتها, وحدوث ذلك معناه إجهاض كل مشاريع التحول التي يجري إعدادها اليوم, فلا بد أن ننتبه إلى هذا الأمر لأن المطلوب حاليا من المؤسسة العسكرية – في رأيي – ليس إعلان الحرب لإيقاف الحرب, وإنما المطلوب هو التوصيف الموضوعي لما يدور, بحيث يجري على أساسه معرفة مصدر التأزيم وتمييز المعتدي من المعتدى عليه.
هذا ما أريده أنا بوصفي مواطنا لا أعرف لي حزبا غير الوطن, ومن حقي أن أعرف من يقف ضد هذا الوطن.
ولا زلت أومن بأن مؤتمر الحوار كان ينبغي أن يظل مرجعية رقابية بصيغة مغايرة حتى تنفيذ كل مخرجات الحوار وانتهاء المرحلة الانتقالية, فبقاؤه كان كفيلا بتعرية من يقف ضد هذا الوطن ويعادي مستقبله, ويعرقل مسار تحوله كائنا من كان .. أما هذا التخندق خلف الأيديولوجيات وتناسل العداوات والمهاترات فقد سئمنا منه, والمرحلة بحاجة إلى فكر جديد ووعي جديد.

Fathi9595@gmail.com

قد يعجبك ايضا