نحو ثقافة عربية تمد ظلالها على العالم
* فايز البخاري
* فايز البخاري –
في المساعي الحيثية التي تقوم بها فرنسا حاليا من أجل تعميم ثقافتها الفرنكفونية استطاعت وتمكنت من أن تخصص يوما عالميا للفرانكفونية .
وهذا يعد مؤشرا ايجابيا لدى غالبية دول العالم التي تشجع الفرنكفونية لا حبا فيها ولكن من أجل الندية وإيجاد ندö قويö يوازي أو يقلل من شأن العولمة التي ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية وتحاول صبغها بالصبغة الانجليزية في محاولةö منها لجذب تأييد المملكة المتحدة وفي الوقت نفسه للتقليل من الشأن الكبير الذي تعتز به الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس أو لنقل الإمبراطورية المتهالكة .
فرنسا اليوم استطاعت إن توجد لها قدم سبقö في الثقافات العالمية وتمكنت من خلال إنشاء التحالفات مع الدول التي كانت تستعمرها وبعض الدول التي تميل إلى ثقافتها أن تكون الفرنكفونية التي أضحت اليوم هي المنافس الأكبر للإرث البريطاني والعولمة التي تجتاح العالم بدعمö مباشرö وكبير من قبل الولايات المتحدة الأمريكية خاصة بعد سقوط المعسكر الشرقي الذي كان يمثله الاتحاد السوفيتي السابق . ومن خلال كتابات ونقاشات العديد من المثقفين العرب أستغرب لمدى الحماس الذي يبديه بعض هؤلاء المثقفين إزاء ثقافة الفرنكفونية التي يعلقون عليها آمالهم في مواجهة التيار القوي الذي تقوده عولمة الولايات المتحدة والتي يسميها أو يعرفها بعضهم بأنها تعني ـ أي العولمة ـ أمركة العالم وصبغة بالصبغة الأمريكية والتي هي في حقيقة الأمر صبغة مجهولة لا هوية لها ولا جذور ولا حضارة ولا تاريخ .وهذا يعني أن تعميم العولمة على العالم يعني القضاء على الثقافات والحضارات العالمية الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ كالصينية والعربية والإسلامية والهندية والفارسية والرومانية وغيرها من الحضارات التي كان لها ولا يزال شأن” وآثار” باقية تدل على عظمة هذه الحضارات وهذه الدول التي تنحدر من سلالات أولئك العباقرة الذين مدوا ظلالهم إلى بقاعö شتى من الأرض .
أنا أستغرب لحماس المثقفين العرب للفرانكفونية بل وألومهم على ذلك لا لأني أميل للعولمة أو لرعاتها فأنا أحيانا أميل إلى رأي بعض الغلاة الذي يقولون أو يعرفون العولمة ليس بأنها أمركة العالم فقط بل صهينة العالم باعتبار أن اللوبي الصهيوني هو الذي يسيطر على السياسات الأمريكية ويوجهها في كل المسارات ولكن لأني أريد منهم أن يبحثوا عن وسائل مفيدة لغرض وتعميم ثقافتنا العربية الثقافة التي يحق لنا أن نفخر بها وأن نعتز بها أمام العالم فهي هويتنا التي تعبر عنا وتعكس صورتنا الحقيقية خاصة وأن ثقافتنا العربية الإسلامية ثقافة ذات حضاراتö متعددة ولم تكن في يومö من الأيام ثقافة دخيلة أو مجهولة النسب .
ثقافتنا أصلية وترعاها حضارة عريقة فاقت العالم قرونا عديدة والتي هي الحضارة الإسلامية ناهيك عن الجذور الموغلة في القدم لهذه الثقافة التي تمتد إلى حضارات وليس حضارة وادي النيل وحضارات الهلال الخصيب أو بلاد الشام كالفينيقية والكنعانية والآرامية وحضارات بلاد ما بين النهرين أو العراق كالسومرية و الآشورية والكلدانية والأكادية والبابلية وحضارات جنوب شبه الجزيرة العربية أو اليمن كالحميرية والسبئية والمعينية والقتبانية وحضارة مشرق الجزيرة العربية المتمثلة بدولة كندة والمناذرة وحضارة شمال الجزيرة العربية المتمثلة بدولة الغساسنة والأنباط في البتراء وفلسطين .
ومثل هذه الثقافة العريقة التي انبثقت عن هذه الحضارات ورعتها فيما بعد الحضارة الإسلامية التي امتدت من مشرق العالم القديم إلى مغربه هي التي يجب أن نفاخر بها اليوم وأن يتحدث حولها مثقفونا ويتجادلون حول السبل الكفيلة بتوسيع انتشارها ومد ظلالها في كل أرجاء العالم .
العولمة منذ بدأت وهي تجتاح بقوةö معظم الثقافات التي لا تقوم على أساسö قوي وليس لها جدار قوي تحتمي خلفه أو تريد إليه لكنها لا ولن تستطيع أو تتمكن من اقتلاع الثقافات ذات الحضارات العريقة بدليل فشلها حتى اليوم عن طمس هوية الهنود الحمر الذي يسكنون في عقر دارهم رغم التقتيل والتنكيل والتفرقة العنصرية التي تمارس ضد هؤلاء الضاربين بجذورهم في أعماق التاريخ .
والعولمة كذلك تقف اليوم عاجزة عن منع الفرنكفونية من مد ظلالها على بعض الدول التي تستجيب لها وتبدي لها القبول خاصة الدول التي كانت مستعمرة من قبل فرنسا وهي دول مهمة ولها تواجدها وحضورها العالمي مثل لبنان وسوريا والجزائر والسنغال وجيبوتي وغيرها من الدول التي ما يزال معظم أهلها يتكلمون الفرنسية ويدرسونها في مدارسهم وجامعاتهم .
ولعل الشعور الذي تولد لدى معظم الدول من أن العولمة تسعى بالدرجة الأولى إلى صهر ودمج العالم في بوثقةö واحدة تزول فيها وخلالها كل الملامح القديمة أو الأصلية التي تميز أي ثقافة لتصبح جميع الثقافات في ظل العولمة هي ثقافة واحدة