امرأة في غب المطر
محمد المساح
وحيدة كانت تسير.. كطيف شفاف على “الحرة الترابية” المبتلة بماء المطر النازل رهيما غزيرا على الأرض.
في فضاء الصورة أمام النظر.. كانت تبدو وتتشكل كشبح جميل هبط مع المطر واستوى ماشيا يسير على هواه.. مخلوق فضائي بينه وبين المطر والرهيم لغة صامتة لا تكتب بالحروف ولا تنطق لغة حنونة وودية وعلى الطريق التي تتوسط الأحوال الخضراء بزرع “الكحيف” يتداخل اللون الأخضر المبتهج مع الماء النازل من المسافح الغبراء وتنفس الأرض بعد عطش والضبابية الشفافة للرهيم.. كل ذلك يتداول التعطف حول ذلك الطيف الجميل الذي ترك “الكنان” ودخل عابرا نشوة المطر والعبور لحظة انتشاء الزرع.. فكان الطيف يتحرك ابتعادا وقربا يبين.. وأحيانا يختفي تحت الغلالة الشفافة والمطر.
كانت صالبة يديها على صدرها وتسير على مهل وسط لاريث ولا عجل.. تبدو خصلات شعرها المبتلة قليلا تحت حواف العزفة التي تحيط بالرأس “الممقرم” وكأنها نازلة من الحواف الداخلية شلالات أسطورية بهيجة تدخل العالم لأول مرة.
لم تكن الطريق بعيدة أو طويلة التي تفصل قريتها من القرية التي تركتها بعد عمل نصف نهار وهي تنحنى بمنتصفها نحو الأرض والزرع الأخضر الذي تقيمه وتسانيه بأصابعها على طول “التلم” التي خطها الأثوار والبتول.
أخذها الشوق ولوعة الانتظار فأول نقطة لامست أناملها من المطر حتى تركت رفيقاتها وتجاوزت باب الكنان وقفزت في بحر المطر.
ماذا كان يدور في خلدها ذلك الحين.. لا أحد يعرف أو يدري ذلك أمر تعرفه لوحدها.. ربما هموم كثيرة وليدها الصغير.. أشياء كثيرة لا نستطيع تخمينها كل ما في الأمر تشكل ذلك الطيف البديع وهو يسير في غب المطر يعبر الكدرة ويغيب في الرهيم.