قليل من المصارحة يا عرب!!
فتحي الشرماني
لن تكون القمم العربية ذات جدوى إلا حين تصبح محطة تقييم ذاتي لأداء الأنظمة العربية والمصارحة بالأخطاء التي لا بد أن يعترف بها من يخطئ, سواء في علاقة هذه الأنظمة بشعوبها, أو علاقتها ببعضها أو علاقتها بالمجتمع الدولي .. واقعنا اليوم مأزوم ومثقل بمختلف الهموم التي تتصاعد حدتها من عام إلى آخر, لاسيما منذ عام 2011م .. وإن الشجاع اليوم والممتلئ بالحيوية هو من يعود إلى نفسه ويقيöم تجربته ويمتلك القابلية لسماع الآخر للوصول إلى جملة تفاهمات ومبادئ سياسية يتفق الجميع على العمل بها, وتوضع بوضوح أمام الرأي العام .. فالصراعات التي تظل تحت الطاولة حينا وتخرج على المكشوف حينا آخر كلفت الأمة العربية كثيرا, وستكلفها الكثير في قادم الأيام, وكل من لديه هوس بالمغامرة وإعاقة العمل المشترك سيدفع الثمن.
مر نصف قرن وأكثر ولا تزال القمم تلوك الكلام عن القضية الفلسطينية, مع أنها لا تستطيع أن تعيد للعرب حقا مسلوبا .. لا أقصد بالحق تلك المظالم العربية التاريخية المطروحة على طاولة المجتمع الدولي منذ عشرات السنين مثل حدود 67م وحق العودة وقيام الدولة الفلسطينية, وقضية الجولان وجنوب لبنان, فنحن أعجز من أن نشرع في استرداد شيء من هذا, ولكن أقصد مظالم اليوم كاستمرار الكيان الإسرائيلي في سياسة الاستيطان وتجدد الاعتداءات والغارات والحروب التي تشعلها إسرائيل على الفلسطينيين متى تشاء في ظل صمت العالم كله.
بل كيف سيتحقق النجاح في هذا الملف وغيره من الملفات مثل قضية الجزر الثلاث والمصالحة بين فتح وحماس, ونحن من فترة ما بعد الاستعمار نغرق في الصراعات البينية ونخوض حروب الهيمنة والاستئثار, فالكبير يفكر في التهام الصغير, والمتنطق بالسلاح يمارس عنترياته على الأعزل .. وما إن هل هلال الشباب في 2011م ليعيد العرب إلى الطريق الصحيح ويأخذ الجميع منه الدروس والعبر إلا وجاء شبق عربي جديد ونهم عظيم للصراع والتناحر والمؤامرات والنزاعات التي نعيش في غمرتها هذه اللحظة .. فاليوم ثمة جراحات عميقة, وأخطاء تتعاظم, وأنظمة لا تزال تفكر بالطريقة القديمة, ولا ترى غير الحلول الأمنية, إذ تتوهم أنها ستكسب المعركة وتعلن النصر, وهي لا تدرك أن الجماهير لم تعد تقبل بمنطق الصوت الواحد والرأي الواحد, ولا تدرك أن من يطلق الرصاصة الأولى لا يستطيع أن يتحكم بالرصاصة الأخيرة.
كيف يريد العرب أن يلجوا المستقبل المأمول من بوابة الحروب والمؤامرات وشيطنة الآخر وتغذية الصراعات, وممارسة السياسة بأسلوب النكاية حينا وبالمعايير المزدوجة حينا آخر¿!
يأتي موعد القمة في كل عام وقد زاد الانزلاق والتوغل في صراع بعض الأنظمة مع شعوبها .. هل هذا المسار سيصنع مستقبلا آمنا أم أنها خطورة تتمدد وقد تكون مآلاتها كارثية¿!
إذن لا بد من المصارحة يا عرب, إذا أردنا أن نبدأ في مداواة كل أمراضنا وتضميد كل الجراحات, وإيقاف السير نحو المجهول, وإطفاء النار التي تشتعل وتتوسع ويشغل البعض نفسه في نفخها لتضرى وتستمر, غير آبه بما ستكون عليه النتيجة في الأخير.
أما الالتقاء في مؤتمر لمدة يومين يجري فيه تبادل الابتسامات والوقوف في صورة جماعية أمام الكاميرات في حين هناك من يصم أذنيه عن نداء المنطق والعقل ويمضي سادرا في غيه يشق صف الجماهير ويخلق الفرقة بين أبناء الوطن الواحد ويوسع الجراحات ويخلق العصبيات, فهذا أمر يقود الشعوب العربية كلها إلى المجهول .. فهل بإمكانكم يا قادة العرب أن تحولوا دون ذلك¿
على الأقل لماذا استراتيجية المصالحة الوطنية في دول الصراع السياسي والمذهبي والطائفي لا تحظى بالدعم المطلوب في هذه القمم, أو بالأحرى: هل تريدون هذه المصالحات أم لا¿
هذا سؤال يختزل كثيرا من هموم الجماهير والنخب العربية التواقة إلى مستقبل مشرق لا صراعات فيه ولا أنانيات.
Fathi9595@gmail.com