لا تملك وأنت تستمع لحديث فضيلة الدكتور محمد كورماز رئيس الشؤون الدينية بجمهورية تركيا الشقيقة وهو يتحدث باللغة العربية إلا أن تتوجس شكا أن يكون هذا الرجل عربيا خالصا.. بل وأكثر عروبة من كثير من الذين ينتمون للبلدان العربية لكن معرفتهم بلغتهم الأم سطحية لا تتعدى بضع مفردات فصيحة وليست الفصاحة والبلاغة ولطف المفردات وسلاسة المعنى هي فقط ما يأسرك به الدكتور كورماز فحديثه ثري بدور العلم وجواهره التي يمتلئ بها عقله ويجيش بها فؤاده ويترجمها لسانه بفكر مستنير وضمير نابه يأسي ويتألم لحال الأمة المثخنة جراحاٍ وحرائق وفتناٍ بما لم تشهده في تاريخها.
التقينا فضيلة الدكتور كورماز خلال زيارته الأخيرة لبلادنا على رأس وفد رسمي وعلمي رفيع المستوى واستمعنا إليه فكانت الحصيلة التالية:
علاقات حضارية
* بداية تحدث الدكتور كورماز عن طبيعة زيارته لبلده الثاني اليمن وحصيلتها والانطباعات التي خرج بها فقال:
تلقيت الدعوة لزيارة اليمن الشقيق والحبيب قبل فترة طويلة من أخي معالي وزير الأوقاف والإرشاد حمود محمد عباد لكن الظروف حالت دون القيام بها حتى جاء الوقت المناسب لتلبيتها وهي زيارة أخوية تعكس متانة وطبيعة العلاقات الأخوية والحضارية والتاريخية بين البلدين والشعبين التركي واليمني ويكفي أن نتذكر أننا كنا شعباٍ واحداٍ على مدى مئات السنين فتجد في التراث التركي حضوراٍ قوياٍ لليمن حيث حفظنا اسمها ورددناه منذ طفولتنا في عشرين أغنية تراثية تركية يرد فيها ذكر اليمن.
وإذا نقلت بصرك في اليمن ستجد الكثير من المعالم والمآثر العمرانية التي خلدت من تلك الفترة الباهية من تاريخ أمتنا الحضاري.. وبلا شك أن هذه الخصائص التاريخية في علاقات البلدين تكسبها متانة ونماءٍ كبيرين في هذا العصر لما فيه خدمة مصالح شعبيهما.
ولذلك فقد كانت زيارتنا لهذا البلد العظيم والطيب حيث سعدت بزيارة الكثير من المعالم والمآثر في صنعاء والتي تعكس ثراء اليمن ومخزونها الحضاري الكبير خصوصاٍ في جانب المخطوطات والرقوق القرآنية.. ولعل أكثر ما أسعدني هو تشرفي بإلقاء خطبة الجمعة في الجامع الكبير بصنعاء ثالث مسجد بني في حياة نبينا الكريم محمد عليه الصلاة وأزكى التسليم.
وأسعدني أيضاٍ اللقاء الذي جمعني وأعضاء الوفد الذين يمثلون نخبة من رجال العلم والمفكرين في تركيا مع كوكبة من كبار العلماء اليمنيين تبادلنا فيه الرؤى والأفكار المتعلقة بحاضر الأمة وما تعيشه من فتن وكيف ينبغي علينا العمل لتنقية الأجواء في بلداننا من موجبات الاحتراب والاقتتال.. وفي هذا اللقاء اتفق الجميع ولله الحمد على ضرورة التوجه نحو إحياء مبادئ الدين الإسلامي الصحيحة القائمة على المحبة والسلام والوسطية والتيسير وحرمة دم المسلم على المسلم وأكدنا على أن حل الخلافات بين المسلمين يكون بالمنهج الشرعي والمتمثل بالتزام تقوى الله والعمل بالشورى وتحقيق العدل والتخاطب بلغة الحوار السلمي بعيداٍ عن التعصب والتطرف والغلو.
اهتمام رسمي
* وأضاف الدكتور كورماز:
وقد سعدت خلال الزيارة بإلقاء محاضرتين الأولى للدعاة والعلماء والثانية أمام طلبة جامعة صنعاء وفي كل المحاضرتين شعرت بمدى حب اليمنيين للعلم وشغفهم به وهو لشيء يثلج الصدر ويجعلنا نتفاءل بمستقبل هذا البلد الذي ندعو الله أن يوفق أبناءه لما فيه الخير لوطنهم وأمتهم.
أما عن الجانب الرسمي فقد أثلج صدري لقائي مع رئيس الجمهورية اليمنية الرئيس عبدربه منصور هادي وسعادة رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة فقد جاء اللقاءان بمثابة تعبير عن عمق العلاقات اليمنية التركية واهتمام قيادة اليمن السياسية بتطوير هذه العلاقة وتعزيزها في مختلف الجوانب.
وفي الجانب الرسمي قمت وأخي وزير الأوقاف والإرشاد اليمني بإجراء مباحثات معمقة للخطوات الكفيلة بتطوير وتنمية التعاون بين البلدين في مجال الإرشاد وتأهيل الدعاة وتبادل الخبرات في هذا المجال.. وبإذن الله تعالى ستصب هذه الاتفاقية في مجرى تعزيز العلاقات بين اليمن وتركيا لما فيه صالح شعبيهما الشقيقين.
التجربة اليمنية
* وحول رؤيته لما حققه اليمنيون في تجربة الحوار الوطني الشامل قال رئيس الشؤون الإسلامية في تركيا:
– تحدثت خلال زيارتي ولقائي مع علماء هذا البلد الطيب أن اليمنيين هم أهل الإيمان والحكمة كما وصفهم بذلك الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وأكدت أن عليهم تذكر هذه المآثر والصفات وهم يحلون خلافاتهم بالحوار والشورى والعمل بإخلاص ويقين على مواصلة السير على هذا الطريق ليبلغوا بوطنهم شاطئ الأمان ويحققوا له العزة والازدهار الاقتصادي والحضاري.
فإنهم بذلك سيجعلون من تجربتهم في الحوار ونتائجه مصدر إلهام لكل شعوب المنطقة التي تنكوي بنيران الصراع المذهبي والطائفي والفكري.. ونحن العلماء في تركيا سنكون معهم بدعائنا وتضامننا بكل الوسائل الممكنة لتحقيق غاياتهم النبيلة.
رئاسة الشؤون الإسلامية
* وعن الشؤون الإسلامية التركية التي يترأسها الدكتور كوركاز تحدث فضيلته قائلاٍ:
– رئاسة الشؤون الإسلامية بالجمهورية التركية تم إنشاؤها في العام 1924م كهيئة مستقلة تتولى كافة الجوانب المتصلة بالدين في تركيا كالإشراف على المساجد وخدمتها وتنظيم أعمال الحج والعمرة ويبلغ عدد منتسبي هذه الهيئة حالياٍ أكثر من 140 ألفا من الدعاة والمتخصصين منهم أربعة آلاف في ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية.
ونحن نسعى من خلال أعمالنا إلى خدمة الإسلام وتعزيز فكر الوسطية والاعتدال لما فيه مصلحة شعوب الأمة الإسلامية وإحياء قيم ومبادئ التسامح والمحبة والألفة بينهم.