.. شرعية الغلبة !!
جمال الظاهري
سيطر على حياتنا في هذه الأيام التنافر في كل شيء .. المشهد واضح ولا يحتاج إلى الكثير كي ندرك هذه الحقيقة, أكيد أن الاختلاف والتباعد والتقارب إحدى السنن التي جبل الإنسان عليها يضبط هذا التنافر أو الالتحام عوامل خارجية وأخرى هي من سنن الخلق .. فالمصالح وتقاطعاتها .. الطموح والأنانية وحب السيطرة والتميز .. حتى الطبيعة الجامدة تشاركنا في بعض موادها التي عرفت بالقطبية فهناك السالب وهناك الموجب .. غير أن الإنسان ميز عن بقية موجودات الأرض وربما الكون بالعقل الذي يستطيع أن يضبط إيقاع المختلف والمتفق بما يتناسب مع حاجته وبما يجنبه الخسارة ويساعده على الحياة ..
الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يستطيع أن يضبط التوازن ويجمع بين المتناقضات أو يمنع التصادم حال تقاطعت المصالح, نعم قد تعميه الحاجة أو يسيطر عليه الطموح وتسيره الرغبة والجشع أحايين كثيرة ولكن حين يتهدد وجوده أي خطر أو يشعر بأن هناك خسارة ثقيلة فإنه يستطيع لجم كل تلك البواعث وإخماد ثورتها في نفسه ولأن عقله يحثه على عدم المغامرة بإمكانية الخسارة التي لا سبيل إلى تعويضها.
الجميع يستطيعون أن يجدوا لأفعالهم التصادمية ما يبررها من الناحية النظرية وهي كثيرة ولا يعدمها أي طرف, ولكن في نفس الوقت يكون هناك خيار آخر أقل كلفة وأكثر أمانا للنتيجة المراد تحقيقها وإن بدت الفائدة في تلك اللحظة أقل إلا أنها من الناحية الموضوعية أكثر وأهم من مبررات التباعد وخاصة في موضوع التعايش الإنساني والحفاظ على حياة وأرزاق الجنس البشري .
الحالة اليمنية تبدو فيها مبررات التقارب أكثر وأهم من مبررات التباعد والجميع يقر بذلك ومشكلتنا تتمثل في أن الأصوات التي تحث على التباعد أعلى وأكثر ديناميكية وحركة فيما أن الطرف الآخر أكثر وأشمل على مستوى الوطن ولكن صوتهم خافت وفعلهم كسول ويفتقد إلى الثورية والزخم!
دعاة التباعد والتنافر وبدون ذكر مسميات يعملون على تنمية مشاعر العداء وتوسيع قاعدته بكل الوسائل وبلا ملل فيها ويركزون على زيادة وتنوع مبرر الاختلاف, فيما لا يتحدث أنصار التوحد والانسجام عن دواعي التوافق والانصهار إلا في المنابر الإعلامية التي أعطت من وقتها مساحة وحيزا للطرف الآخر .. بل إن الأسوأ في الأمر أن يستخدم ويسخر الخط التوافقي سياسيا وإعلاميا لخدمة رموز سياسية أو اجتماعية أو حزبية بغرض الدعاية والتحضير للانتخابات أو لتمرير صفقة أو مشروع هنا أو هناك أو بهدف التغطية على سلبيات وإخفاقات تستوجب المساءلة.
قلنا إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يستطيع التوفيق وجمع المتناقضات أو عقد صلح أو حلف بينها .. بل إنه يستطيع أن يوجد منطقة أخرى بين النقطتين اللتين افترقتا واتخذ أصحابها طرفي الخط مكانا لهما وهي ما غلب على تسميتها نقطة الالتقاء أو الوسطية أو يمكنه أن يجعل من نقطة التقاطع التي تبعث الخلافات نقطة التقاء تقرب المسافات وتلبي طموحات الجميع.
في بلادنا نسمع الكثير عن العقلانية وعن الحكمة المفقودة وأهمية استحضارها للوصول إلى حل وسطي يسمح للجميع بممارسة دوره والحصول على مكاسب لا يستثنى منها أحد, ولكن الواقع لا يطمئن لأن من يدعو للحكمة والوسطية والاعتدال دائما هو من أحس بضعف في موقفه أو بدا عور مشروعه أو قضيته.
حين يشتد الاحتقان في الوضع اليمني يرتفع الحديث عن العقلانية والحكمة والموضوعية, فيما أن الأصل أن تنمية هذا النهج يجب أن يكون بصورة مستمرة وفي الأوضاع الهادئة أكثر منه في حالة التأزم كي يكون هذا الخطاب محببا ومقبولا لدى الناس, أما أن يعم الصمت وحين يشتد الخطر نتنادى فإن أي تحضيرات ودعوات في هذه الأجواء يكون مجروحا ولا يدل على قناعات, ويصبح مضروبا على أساس أن من ينادى بالتهدئة والتقريب هو الطرف الفاقد لأدوات القوة أجبر على ذلك وقبل به كتكتيك إلى حين لأن خصمه أقوى منه وجاهزيته للمواجهة أفضل.
مما أدركه الكثيرون ممن عايشوا وتابعوا أحداث الأزمة اليمنية حتى من قبل خروج الناس إلى الشوارع أن الاستقواء أو الغلبة هي الشعرة التي كانت تضبط إيقاع الانسجام المجتمعي لليمن قاطبة وأن المنتصر كان دائما يستخدم مفردات العدالة والتقارب والالتحام إعلاميا دون الإيمان بما تعنيه أي دون أن يعمل على تقوية ما يدعو إليه في الواقع العملي يعني ظل الحديث نخبويا مناسباتيا وكان التجاهل للموضوعية هو سيد الموقف الأمر الذي أنتج في السنوات الأخيرة جماعات وتكتلات جديدة تغذت على الكراهية التي نتجت عن الإحساس بالظلم لها من قبل السلطة.
هذا هو واقعنا المجتمعي فيما الوطن مهدد بالتقسيم والشعب يتوجس خيفة من ارتف