أمة في خطر: فواجع تربوية مخيفة ¿
د. عبدالله الفضلي
لسنا في حاجة إلى تكرار مقولات وشعارات صارت من طول ترديدها بلا معنى ولا تفرز نتيجة حقيقية تواجه مرارات لا مفر من الاعتراف بها شئنا أم أبينا فالتعليم في اليمن تحول إلى سلسلة من الجنايات التي تصل حد الجرائم في حق الأمة اليمنية . وتكفي نظرة شاملة إلى العملية التعليمية في بلادنا من المدرس والمدرسة مرورا بالمناهج والطلبة ومجتمعهم وأسرهم لنتيقن من فداحة ما وصل إليه حال التعليم في مدارسنا وجامعاتنا ولا مبالغة في ذلك ولا نرى مجالا من مجالات الحياة لا وكان التعليم طرفا أساسيا من أطرافها فإذا فشل التعليم فشلت الحياة بأسرها .
نحن في حاجة ماسة إلى أن (نؤمن) بأن التعليم هو الطريق التي تتفرع منها كل الطرق إلى المستقبل وفي حاجة إلى اعتبار أن التعليم هو المشروع الاستثماري الأكثر ربحية على الإطلاق ومن أجل ذلك علينا توحيد الهمم لاستنهاض مشروع وطني يزيل ما ترسب عقودا طويلة من انعدام الثقة بالمدارس الحكومية والتي لجأت بسبب ضعفها شرائح من المجتمع إلى النأي بأبنائهم بعيدا عن الإخفاق التربوي الحكومي لترتمي في أحضان التعليم الخاص الذي أصبح يتربح من وراء فشل الدولة في إدارة عملية التعليم .
ولا بد أن نؤمن أن المعلم هو الباني الأول والأعظم للأجيال المتعاقبة قد أصبح دمه وكرامته عرضة للاعتداء عليه من كل من هب ودب وبعضهم سقط في مستنقع الدروس الخصوصية ليجد لنفسه مهربا أمام متطلبات حياته المتزايدة وتصطدم الأسرة اليمنية بواقع الفشل التعليمي والتربوي الحكومي ويتحول التعليم في بلادنا إلى هلع يكمن في مصروفات التعليم الخاص الذي أثقل كاهل الأسرة .
وبين الحين والآخر تفاجئنا الأخبار بفاجعة تربوية اجتماعية مروعة تهز المجتمع وتزلزل كيانه وترتعد له فرائصه وتقظ مضجعه وتصيبه بالإحباط والشعور بقرب قيام الساعة. وكل فاجعة تطالعنا بها الصحف والأخبار تكون اشد وطأة من سابقاتها وكل هذه الفواجع محورها الأسرة ومنبعها التربية المفقودة بين أبناء الأسرة الواحدة.
فقد فضل العلماء كلمة التربية ووضعوها قبل التعليم يقول الشاعر”إذا كان الطباع طباع سوء فلا ينفع معه أدب أو سلوك”. فنحن في اليمن حصريا وعلى مستوى سطح الأرض نفتقد إلى القيم التربوية والأخلاق الحميدة في التعامل فيما بيننا بسلوك حسن والدليل على ذلك تلك المشاهد والتصرفات الحمقاء التي نراها في شوارعنا في كل ساعة وفي كل يوم والتي تحدث بين المواطنين صغيرهم وكبيرهم عاقلهم ومجنونهم على مختلف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية وعلى مختلف أعمارهم. حيث يحتدم بينهم الخلاف لأتفه الأسباب مثل التصادم البسيط بين السيارات أو الدراجات النارية وهات يا صنادل وجزمات تتطاير في الهواء وكل واحد منهم قد اخرج صميله من سيارته ليهوي به على رأس الآخر ضربا وركلا وألفاظا وشتائم سوقية مشمئزة وقاتلة (ومقتل المرء بين فكيه).وإذا لم ينفع الصميل أو الصندل والعراك بالأيدي فان المسدس هو الحل الأسرع فتكا بالعدو ليصرع خصمه في الحال. هذا انفلات أخلاقي وثقافي واجتماعي وسقوط وانحطاط في السلوك العام.
وإذا كان الأب لأحد الأبناء قليل تربية ومشاغب ومشاكس وبلطجي في بيته وفي وسط جيرانه فماذا ننتظر من أبنائه وكيف ستكون تربيتهم وسلوكياتهم مع الآخرين¿! بالتأكيد سيكون الولد ندا لأبيه في مقارعة الآخرين والتصرف السيئ معهم والاعتداء عليهم ورميهم بأحط الألفاظ القبيحة واللجوء دائما إلى استخدام العنف والقوة بدلا من استخدام العقل وسعة الصدر.
وقد فعلها احد أبناء الآباء في إحدى المدارس بأمانة العاصمة في الأسبوع الماضي حينما قام المدرس بطرد احد الطلبة من الحصة نظرا لقلة أدبه وسوء خلقه وتربيته وسلوكه المشين وتطاوله وتهجمه على معلمه فما كان من هذا الولد الطائش الذي لم ينل حظه من التربية الأسرية إلا الذهاب إلى شلة من هم على شاكلته من صياع وبلطجية الشوارع يشكو إليهم ويبث حزنه على ما أصابه من أضرار نفسية واجتماعية ومعنوية وأسرية وان الانتقام من هذا الأستاذ الجبروت لابد ان يكون قاسيا حتى لو أدى ذلك إلى قتله. واتفق الجميع على إنزال العقاب الرادع بهذا المعلم الخبيث وأجمعوا أمرهم بينهم وأتمروا على قتله والتخلص من شروره وان يتفرق دمه بين القبائل.
فامتشق كل منهم صميله وجنبيته ومسدسه واتجهوا جميعا صوب المدرسة وتسلقوا من الأسوار ودخلوا خلسة على حين غفلة من حراس المدرسة وباغتوا المعلم أمام كافة تلاميذه طعنا وضربا وركلا وأصابوه بعدة طعنات نافذة في الرأس وفي العنق وفي العينين وفي كتفه ويده وكادوا يردونه قتيلا بالمسدس لولا ان اجله لا يزال بعيدا.
وقيدت القضية