الإöسلام دöين السلام
علي أحمد بارجاء
كنت أشاهد فيلم (الرسالة), الذي يعرض في ذكرى مولد رسولنا الكريم محمد ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ وعلى كثرة مشاهدتي له, أشعر في كل مرة أني أراه لأول مرة, مشاهده تنقلك إلى زمنه التاريخي, توقفت عند مشهد إبلاغ الرسول بنزول أمر الله له ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ بأن يجهر بالدعوة إلى الإسلام في مكة, عندها خرج صحابته الكرام من المسلمين الأول بمعيته ــ صلى الله عليه وسلم ــ إلى شوارع مكة متكاتفي الأيدي وهم يردöدون كلمة التوحيد, في تظاهرة سلمية نادرة, فلم يصدر عنهم عنف, ولم يتلفظوا بكلمات بذيئة, ولم يوجهوا السباب والشتائم لخصومهم, ولم يقطعوا طريقا بحجارة أو شوك, ولم يحرقوا شيئا يعيق خصومهم من الوصول إليهم, وعلى قلة عددهم إلا أنهم كانوا يسيرون بثقة عظيمة وشجاعة نادرة, وهم عزل من أي سلاح أو دروع تقيهم من هجوم قريش, وما يمكن أن يفعلوه بهم, ولكنه الإيمان بالله ورسوله, والتصميم على نصرة دينه الحق الذي ينهي ظلم الظالمين, واستبداد المستبدين. إنهم يعلمون علم اليقين اتباعهم للحق, فلا حاجة لهم إلى أي فعل مشين, أو قول سيئ. في هذا المشهد عبرة نحن بحاجة ماسة اليوم إلى التأسي بها!
حين سمع رؤوس كفرة قريش أصوات صحابة رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ وهم يرددون كلمة التوحيد عاليا لأول مرة في مكة, خيöل إليهم أن هؤلاء العدد القليل من المسلمين حشود وفيالق تزحف للقضاء عليهم, فسقط في أيديهم, وتداعوا لإيقافهم, وصاحت زوج أبي لهب صيحتها بأن تقذف بهم في نار ذات لهب, فأطلقت أهل مكة ليقطعوا عنهم الطرق بإشعال النيران, ورموهم بالحجارة, والمسلمون يتقدمون في صبر وثبات, فلم ينجروا لمواجهتهم, ولم يبادلوهم فعلهم بمثله.
هنا يتجلى السلام في الإسلام, الذي ينبذ العنف, ويتخذ من الحكمة والموعظة الحسنة أسلوبا حضاريا للدعوة إلى الله, وظل الإسلام يتسلل إلى النفوس التواقة إلى الحرية والانعتاق من عبودية الإنسان للإنسان والأصنام من حجر وخشب. وظل ينتشر في الأرض انتشار النار في الهشيم, بل انتشار النور في العالم عند مطلع كل صباح, فيبدد كل ظلام, لما فيه من قيم الحق والصدق والمحبة والخير والعدل والمساواة. ويكفي أن يكون الإسلام خير الأديان أن الله ــ سبحانه وتعالى ــ قد وصف رسوله الأمين بأحسن الصفات في قوله تعالى: “وإنك لعلى خلق عظيم”.
وانتصر الإسلام, بمشيئة الله, وبصبر وعزيمة الصادقين من رجاله الأول الذين لم يثنهم غضب أبي لهب, أو النار التي أشعلتها زوجه الشقية لتقذف بهم فيها, ظنا منها أنها ستعيق خطوتهم الأولى في طريق الجهر به, والخروج من الغرف والسراديب المظلمة إلى النور, والانطلاق إلى العالم. وخلöد في القرآن ذكر أبي لهب وزوجöه في أبشع صورة لهما, في قوله تعالى: ” تبتú يدا أبöي لهب وتب * ما أغúنى عنúه ماله وما كسب * سيصúلى نارا ذات لهب * وامúرأته حمالة الúحطبö * فöي جöيدöها حبúل مöن مسد{5}”.
لا يلجأ إلى العنف أو القتل إلا من يعلم وهن رأيه, وضلال فöكره, وضعف حجته, والخائف من ضياع قوته وسيطرته, أما من كان يعلم أنه على الحق, وأن فöكره هو السديد, وحجته هي الغالبة, فلا سبيل له إلى النصر غير انتهاج السلام.