سيناريوهات التأسيسية
عبدالله دوبله
بحكم الواقع وبحكم مخرجات الحوار الوطني أيضا باتت المرحلة التأسيسية أو المرحلة الانتقالية الثانية أمرا واقعا.. غير المؤكد فقط هو الملامح المحتملة لهذه المرحلة الجديدة.
في وثيقة الضمانات للقضية الجنوبية ما يشير إلى هذه المرحلة بوضوح وإلى أحد أهم ملامحها الرئيسية وهو المناصفة بين الشمال والجنوب في مؤسسات الدولة قبل الانتقال لصيغة الوضع النهائي لكن بدون تفاصيل.. فالأكيد كما يبدو أن الأمر قد ترك للحسم في ملف الضمانات الذي رحل عن قصد ليكون آخر ملفات الحوار الوطني لصعوبته ولكونه هو المعني بحسم الملامح والمحددات لهذه المرحلة الانتقالية الثانية أو التأسيسية..
لكن يمكن القول أن هذه المعركة المفترض حسمها في ملف الضمانات أنها كانت قد اشتعلت وبسخونة في ملف الوثيقة الجنوبية و أنها انتهت إلى التأسيس لها تحت فكرة المناصفة بين الشمال والجنوب وهو ما كان أمرا جديدا على مبادئ المبادرة الخليجية التي كانت تضبط المرحلة الانتقالية حتى الآن.
وهو الأمر الذي يمكن من خلاله أيضا تفسير أحد أسباب مناهضة المؤتمر الشعبي العام للوثيقة الجنوبية قبل أن يعود للتوقيع بعد البيان الصادر عن هيئة رئاسة الحوار الوطني الذي أكد على مرجعية المبادرة الخليجية لأي اتفاقات سياسية واعتبار المؤتمر له أي للبيان وثيقة رئيسية وملزمة بعد أن كان مطلبه في الأصل هو تضمين أفكار البيان في وثيقة ملحقة بالوثيقة الرئيسية كشرط للتوقيع.
البيان لا يحسم شيئا إلا أن المؤتمريين ربما يجدون فيه أمرا كافيا للوقت الراهن ففي الوقت الذي سيطالب فيه أصحاب فكرة المرحلة التأسيسية بتطبيقها على أساس فكرة المناصفة بين الشمال والجنوب في مؤسسات الدولة كما جاء في الوثيقة الجنوبية يمكن للمؤتمريين أن يقولوا أيضا ولكن بحسب مرجعية المبادرة الخليجية وهي من تجعل من المؤتمر شريكا بالنصف في الحكومة إضافة إلى احتفاظه بالبرلمان رغم أن قراراته توافقية.
الأكيد هو أنه من الصعب فعلا التوفيق بين مبادئ المرحلة الانتقالية الراهنة بموجب المبادرة الخليجية وبين تلك الأفكار المقترحة للمرحلة التأسيسية في الوثيقة الجنوبية على أساس المناصفة بين الشمال والجنوب.
فالمبادرة الخليجية كانت تعطينا هذه الملامح لطبيعة النظام السياسي في البلد منذ التوقيع على المبادرة حتى الآن وفق مبدئها الرئيس وهو “التوافق بين المؤتمر الشعبي العام كطرف وبين اللقاء المشترك كطرف من جهة أخرى” من خلال انتخاب رئيس توافقي هو ينتمي إلى المؤتمر الشعبي العام وتشكيل حكومة بالمناصفة بينهما برئاسة المشترك تعود إلى رئيس الجمهورية لحسم خلافتها كما يفعل البرلمان الذي أبقت عليه المبادرة في صيغته التوافقية.. غير أن فكرة المناصفة الواردة في الوثيقة الجنوبية لا تقدم أي إجابة عن الأساس الذي ستبنى عليه هذه المناصفة بين الشمال والجنوب.
فالمؤكد أن أي مرحلة انتقالية ثانية على غير مبادئ المبادرة الخليجية ستحتاج إلى اتفاق إطاري آخر لنظم هذه المرحلة الجديدة أو التعديل على المبادرة الخليجية وهو ما تضغط كل الأطراف لأجل حسمه في ملف الضمانات في الحوار الوطني الذي لا يزال مفتوحا حتى الآن وهو الأصعب من وجهة نظري من بين كل تلك الملفات الأخرى التي طرحت على طاولة الحوار بما في ذلك ملف القضية الجنوبية.
وسواء حسمت ملامح هذه المرحلة التأسيسية في الحوار الوطني أو لم تحسم يمكن التنبؤ بملامح هذه المرحلة من خلال السيناريوهات التالية:
1_ الانتقال إلى المرحلة الانتقالية الثانية بذات ملامح الانتقالية الأولى وفق مبادئ المبادرة الخليجية. وهو ما يعني استمرار رئيس الجمهورية والحكومة الحالية بذات تركيبتها الراهنة كما هي أو باستبدال شخوص فقط في ذات الفكرة القائمة للمبادرة الخليجية..
2_ الانتقال وفق مبادئ المبادرة الخليجية القائمة على التوافق والمناصفة بين المؤتمر والمشترك مع استيعاب فكرة المناصفة بين الشمال والجنوب يمكن أن يحدث ذلك في الحكومة والمؤسسات الأخرى بقرارات رئاسية إلا أنه من الصعب تطبيقه في البرلمان إذ سيتطلب الأمر إجراء انتخابات برلمانية وفق هذه القاعدة.. وإن تم سيتطلب الأمر وضع قواعد جديدة لممارسة السلطة وفق نتيجة الانتخابات وهو ما سينسف تماما طبيعة النظام التوافقي الراهن وفق مبادئ وقواعد المبادرة الخليجية. كما أن المبادرة الخليجية تجعل من الانتخابات أمرا لاحقا على وضع الدستور لا سابقا له..
يمكن التعويض عن غرض هذه الفكرة بلجنة دستورية تستوعب هذه المناصفة عند صياغة الدستور الجديد وإحالة تشريعاته القانونية المتطلبة لأول برلمان منتخب