مسقـــــط.. مدينة الثقافة والتراث
محمد الغربي عمران
في البدء هو الشكر لأدباء عمان وأخص منهم أعضاء الجمعية للكتاب والأدباء.. وعلى رأسهم الأديب الكبير د/محمد العريمي رئيس الجمعية ومن جعل من اجتماع المكتب التنفيذي للأدباء العرب عرسا ثقافيا عمانيا جميلا, قدم فيه المشهد الثقافي العماني في قالب متحضر لأشقائه العرب.. وجعل الأدب العماني أقرب إلى بؤبؤ العين. فشكرا كثيرا لمسقط ولذلك الوطن الغالي مزون.. مجان.. عمان. وتباريك عيدها الوطني الـ43 الذي صادف وجودنا بها من 24 إلى 28 نوفمبر أثناء احتفالات الأشقاء لنشاركهم الفرحة الدائمة.
أثناء ولوجي مطار صنعاء كانت صالة المسافرين شبه خالية. جميل أن تجد امرأة بدلا من رجل خلف (كاونتر) شحن الحقائب وتخليص بطاقة صعود الطائرة.
وثقيل أن تكتشف نفسك متأخرا حين تخبرك بأنهم على وشك إقفال استقبال الركاب. رغم أنه تبقى على الإقلاع ساعة ونصف, حين بينت لها ذلك ابتسمت وقال: هذا نظام الشركة.
تفلت من ابتسامتها المعدنية لتتوجه إلى موظف الجوازات, لا أعرف لماذا يعاملك موظفو الجوازات كمشتبه به, ينظر إليك الضابط مليا وهو يقلب صفحات الجواز, ثم يضغط على أزرار الكمبيوتر ليعاود النظر في ملامحك مرة أخرى وكأنه يكبح جماح وحش كاسر يود افتراسك, يمسك آلة ختم التأشيرة يطرق بها على إحدى الصفحات بعد مناورات ,ثم على بطاقة صعود الطائرة , يعاود النظر إليك مرة ثالثة ورابعة بوجه متجهم, تحاول استقراء ما يعتمل بخلده, لكنك تفشل.. وهكذا يظل في حديث صامت يكتنفه الغموض, بعد حين يدفع إليك بأوراقك وجواز سفرك دون ابتسامة أو نظرة طبيعية.
مددت يدي قابضا على جوازي.. رفعت صوتي مبتسما شاكرا فلم يرد. تركته بداخل قفصه الزجاجي يستقبل ضحية جديدة.
مضيت قلقا نحو صالة المغادرين, يا للمفاجأة الصديق محمد العولقي أمين عام الإتحاد, صالح البيضاني الأمين الإداري يلبس جاكته البرتقالي بقصة شعر ذقن أنيقة. كنت آخر من في الصف .. الساعة هي الآن الرابعة عصرا. الضوء يتدفق من حائط زجاجي كبير. حاولت أن أمارس هوايتي مراقبة من على مقاعد الصالة.. ملامح بعضهم الغريبة لكن الوقت أضحى ضيقا وقد أصطف المسافرون أمام آخر بوابة ثم الصعود على حافلة تقلنا إلى سلم الطائرة.
كان مقعدي 8c أي في المقدمة وجوار النافذة. رغم أني كنت متأخرا في الوصول إلى موظفة بطاقة صعود الطائرة, أتضح لي بأنها تبدأ بملء مقاعد الطائرة من مقاعدها الخلفية .
حلقت القطرية في موعدها. سحب ممطرة تخيم فوق صنعاء, الطائرة تتجه شمالا, ثم تنحرف نحو الشرق, أرى المسطحات الزراعية تعكس أشعة شمس المغيب , وقد تشبعت بمياه الأمطار, أعمدة زخات السحب تتلوى في صفوف راقصة.. تنفرج الجبال وتتسع المساحات المفتوحة دون عوائق, لتظهر مساحات واسعة .. تلك السهول تتسع لألف صنعاء, لا أعرف لماذا أختار الأوائل لصنعاء ذلك المكان الضيق وكأنه عنق قمع بين جبلي نقم وعيبان, لما لم يختاروا لها تلك الفلاة الواسعة والمتسعة حد العجب. تزداد الطائرة علوا والتصاقا بسقف السحب الداكنة ..تخترقها .. تصعد وسط عتمتها للحظات أظلم كل شيء حتى ظننت بأننا غرقى السحب, ثم فجأة علت بنا فوق السحب الممطرة, شمس تتماس مع أفق بعيد ..سماء زرقاء يحيطها الزمن الزعفراني , كثبان من السحب الشاسعة,حجبت الأرض عنا. مضت بنا الطائرة ومضى الوقت لتحتجب الشمس مخلفة لمعان البروق التالية .
عدة مضيفات: أحداهن من شرق آسيا, وأخرى من أقصى المغرب العربي, هندية… الكل لا يتعامل إلا بغير العربية, وأنا لا أعرف غيرها, اعتصمت بالصمت أراقب, كأنهن في حفل سماوي على وجوههن ابتسامة مدربة على العذوبة, أحد الركاب يتحلى لإحداهن, يزيد في ابتسامته, غترة ملفوفة على رأسه ثوب أبيض يتقنص مرورها جوار مقعده يتعذر بطلبات عدة. تجيد التعامل معه, شابة على مقعد مواز وقد غطت بشرة وجهها بطبقة فاقعة من المساحيق, بل أظنه قناعا يشبه قناع المهرج, حاجبها عريض تذكرني بحواجب هولاكو.. من إلى جوارها ظننته ليس زوجها لولا طفل يتبادل معها حمله.
نسيت زملاء الرحلة العزيز صالح والعولقي اللذان كانا نصيب مقاعدهما في المؤخرة, انشغلت بتصرفات من حولي بكلماتهم, بل أستمتع بممارستها. المقعد الذي خلفي ثلاث بهريات بملابسهن الملونة , إحداهن سفت ماقدم لها من طعام, ثم التحقت بملاك النوم لتسطح حنجرتها بعزف نشاز عكس ملامحها الملائكية. تخيلت زوجها كيف يكون أيكون في مثل حسنها, أم… كيف يتعامل مع عزفها النشاز…. شغلني فلم بطولته أحمد حلمي . يقدم الفلم أحمد حلم كمندوب دولة إلى دولة أخرى.. ذاهب ليحاورها في أمور سرية..