فوضى اللغة والدم
جمال حسن
في مصر ما يزعج أكثر من لون النار ومشاهد الدم هو الخطاب. اللغة تكون قاتلة وعنيفة أكثر من أدوات القتل. لأنها تمنهج العنف وتمدد منه. اللغة تكشف عن المأزق الحاضر في مصر أكثر من شكل المصادمات.
أزمة لغة تتكشف قبل أن تكون ممارسة. فالإخوان إشكاليتهم في أنهم كلما استطاعوا الحضور كضحايا يشاركون في القتل والتخريب ويقعون في رعونة عمياء من رد الفعل.
نحن معتادون على رعونة الخطاب الديني وتداعياته لكن ما يثيرني أكثر هو الجانب الآخر بحديته ومغالاته أيضا في إقصاء كل ما يخالفه.
خطاب حاد تشارك فيه كثير من النخب السياسية والثقافية تشنق أي رأي يرفض القوة في معالجة احتجاجات الاخوان وتتهم أصحاب تلك الآراء بالخيانة والعمالة لأمريكا و….. خطاب مدعم بإعلام أحادي الجانب. هذا ينذر بخطر على مستقبل الحريات حدية ترفض أن يكون هناك نظرة خاصة وتطالب الجميع أن ينضم لنظرة القطيع. هذا العنف والقسر تحت أي مبرر سيتحول إلى حماقة شمولية ترفض كل مختلف ومتعدد وستستغله مراكز قوى ونفوذ في المشهد السياسي ضد خصومها.
على الجميع الحذر من لغة تضليل مستبدة ستمارس قمعها في تعليبات جاهزة إخوان عمالة خونة. تخيفني اللغة لأنها تدوم أكثر من الفعل. لقد أكدنا أننا ترسبات لتاريخ مشحون بالعنف والقمع وهذا لا يعني تصديق كذبة مضللة وساذجة تقول إن الإخوان هم الجانب المدافع عن الحريات والديمقراطيات. فالله هو سوط اي خطاب ديني وهو وعد بتضليل شوفيني له قسوته ورعبه. لكن هل سنظل محكومين بقسوة أبدية بالبحث عن إقصاء أقل وعن استبداد أقل.
قالت لي صديقة معقبة على تعليق كتبته بعد عنف الأربعاء في مصر: “كلما يلامس موضوع الإخوان إنسانيتك تعمل لك خط رجعة”. وأضافت “مواقفك أحيانا صادمة”. لا أعرف كيف يمكن أن أكون صادما وهل إدانة حرق الكنائس والعنف الذي يمارسه المحتجون يقلل من عنف تمارسه الشرطة. في الواقع هناك مبدأ مغاير لمفاهيمنا السائدة. فعندما أدين العنف لا يعني ذلك أن الإخوان هم الجانب الحق. ثقافتنا مثقلة بذاكرة دم مضى عليها ما يزيد عن ألف عام كعلامة على صدق طرف دون أن يتطلب منا قراءة ذلك الزمن وفهم التطور البشري.
الدم يجب ألا يكون شهادة على صدق القضية. أو أنه سيتحول إلى قاطرة ابتزاز مدمر لحياتنا. عندما يصبح الدم شاهدا فقط على الحقيقة كما اعتاد إيماننا الارتجالي أن يقول لنا فإنه سيظل بؤرة تستدعي المزيد منه دون كلل. أنا أناهض ثقافة مازالت تعيش على العنف وكلما كان هناك دم تهتاج للمزيد منه. هذا الوعي لا يفضي إلى ثقافة تبدع وتبتكر لأن الفن والابتكار يستوحش الموت بينما هذا الاستفزاز لعلامة الدم كشهادة على الحقيقة ككذبة هائلة ومريعة يستنفر الموت كخلاص للوهم.
مع ذلك صديقتي مهما وجدت في شخص عدو لي فلست من دعاة المبارزة لتصفية الحسابات لست من دعاة الدم أو الشهادة لست داعية حرب يرفع غصن زيتون كما هم دعاة الشهادة.
البعض يفضل إساءة الفهم فما قلته أن “الدم ليس دليلا على صدق القضية”. لايعني تمرير القتل لأن الاستبداد آلة حمقاء. ما قصدته أنه علينا أولا الانحياز للقضية. وقضيتي أن أناهض العنف تحت أي شعار. لا يعني أن مناهضة القتل يستدعي تدخل مجلس الأمن لإعطاء مظلة حرب في مصر على الطريقة السورية..