خيال الشاعر.. وفتح آفاق التلقي
أ.عائشة عبدالله المزيجي
أ.عائشة عبدالله المزيجي –
< المعهود أن قصر القصيدة وقصر التركيب يصحبه تكثيف في المعنى أما تكثيف المعنى مع طول القصيدة هذا ما امتازت به مجموعة الشاعر أحمد الطرس العرامي المسماة بـ«ليس يحضرني الآن« فالمتلقي لا تحضره أطراف الدلالة وقد أكد ذلك عنوان »ليس يحضرني الآن«.
عدة خصائص فنية جعلت الدلالة تفر من يد المتلقي كلما ظن انه قد تمكن منها من هذه الخصائص الاقتراب من أسلوب الغرائبية عند تركيب جمله الشعرية وهذه قدرة راجعة إلى قوى خيال الشاعر والقدرة على نسج الصورة التشبيهية والاستعارية وهذا الطور الغرائبي لم يقصد الشاعر به تلغيز الفكرة وتعتيمها إلى حد بعث الملل والشعور بالعجز لدى المتلقي لكنه فتح آفاق المتلقي وهو يشغل أكثر من حاسة وتراسل تلك الحواس.
تراسل الحواس الخاصية الفنية الثانية التي أردت الإشارة إليها والوقوف عليها حيث تجسد الكلمات تجربة الأديب الشاعر لا يعرف الشاعر حدود ما صب ولا مدى تشعب دلالاته أحمد الطرس العرامي لا يعرف أن قلمه صاغ ثنائية الحياة واللاحياة ثنائية الصد في الحياة وللمتلقي ملاحظة تقارب عدد المفردات المشيرة إلى الحياة والمفردات المشيرة إلى اللاحياة تأمل:
أولا: فراشةحياة ضحك ماء طفل ورد شجر بحر صبا أحلام عصفور سماء قمر قصيدة ندى شوق براءة حدائق صباح .لوز.
ثانيا: جرح حريق رماد نحيب خراب دمعة موت فجيعة دم وجع صحراء قاحل صحراء شظايا الم سكين مقبرة شتاء جيفة خمول خوف آهاذ رثة أزقة نفاية ضلالة هباء غراب..
توجهت المجموعة الشعرية نو الحواس الشم الذوق السمع البصر مثيرة المتلقي الشاهد على صراع الحياة واللاحياة على تصادم التضاد في الحياة تأمل مفردات الشاعر: ملح حلوى جعالة العيد طعم عسل مر غناء نحيب رخيم إيقاع أغنية شخيرأما مبحوح أما حاسة البصر فمجموعة الألوان الموظفة في المجموعة البرق قمر … إلخ ومثلت حاسة الشم: ورد شذى عطر نجور جيفة كريه نفاية. تراسل الحواس وخز لمشاعر المتلقي وإرباك لمدلولاته الحاصلة لديه وإحداث مفارقة في مخيلته تجاه التقاء الحواس وتصادم وظائفها تأمل على بساط حاستي السمع والبصر ينزل الشاعر من العلو من عالم الجمال هابطا قعر الآهات:
»كلما حاولت
أن أتسلق الشجر
الرخيم الضوء
إلى أن قال: تشدني الآهات«
لم يجد الشاعر سوى حاسة التذوق لتعرض قدرات السؤال وشدة وقعه متراسل هذه الحاسة مع حاسة البصر »يطفئ« تأمل:
ولكن ليس يطفئ
طعم السؤال الأليم على شفتي البراءة صـ28
كما استطاعت حاسة الشم مع البصر عبر نسيج استعاري عرض قطع الأمل تحت سياط الزمن الطويل تأمل: قمر تعفن تحت شباك الحكاية صـ44 تنعكس نفسية الشاعر على المجموعة الشعرية مفردات وتراكيب والكون مفردة منها لم يجد الشاعر أحد من الملح حاسة التذوق لتسلخ عن الصبح ضوءه تأمل:
»الصبح مالح
وحدائق صفر«
»وأكد تلك العتمة بغزو اللون الأصفر على لون الحياة اللون الأخضر عن طريق الصورة البصرية »حدائق ضوء«.
تشذ البهجة في زحمة المعتمات فيدعم الشاعر حاسة السمع »الضحكة« بحاسة الشم ليجعل لتلك البهجة نكهتها الخاصة تأمل:
لله ضحتك الرشيقة.
وكيف في خجل الفراشة
صافحتني طوقتني بالشذى«67ص.
الصراع أحد دعائم الدراما أوجده الشاعر في قلب القصيدة مؤكدا ترابط الأجناس الأدبية, وعلى ذكر الصراع والقصة فقد قامت أغلب قصائد المجموعة على نظام القص مكانا وزمانا نحويا سرديا وأفعالا مختزلة مثلت الحدث وشخصية آدمية الشاعر أو الآخر المخاطب وأخرى شخصية غير آدمية جسدتها صوتا وفعلا لغة القصيدة وانزياحاتها.
مشهد صراع كان بين الحياة واللاحياة ووظف الشاعر الحواس على أنسجة بلاغية لتنقل ذلك الصراع تأمل الأمل واللاأمل على مسرح الخيال وتصدع الحواس تأمل« ثمة طيف أغنية يراودنا
فيخنقه شجير الليل«ص77.
حين لا يجد الشاعر اللغة المعبرة عن حجم تحسره لا يجد ألذ من حاسة التذوق موصلا للرسائل تأمل:« لا طعم للكلمات
مر في فمي عسل الكتابة« ص89.
أحيانا تؤشر بعض مفرداته وتراكيبه إلى الغلبة وبروز الإرادة رغم هيمنة التشاؤم والتعتيم الدلالي: تتكفل حاستا البصر, الشم توصيل تلك الرؤية والصور الاستعارية التي توصل إلى الدلالة بأقوى أو أخف وقع وهي تنهج التعبير غير المباشر تأمل: إلى قمر لم يؤرشف إلى وطن لا يخيف ص81 حيث الإرادة بين القمر الوطن وبين يؤرشف يجيف فاصل بين التضاد قصيدة استطاعت تثبيت لوحتها اختيار ألوانها تفقه معاني تلك الألوان وناتج تزاوجها هي حتما قصيدة مؤهلة للقراءة وللتعبير عن كل متلق.
وحواس تجسدت وظائفها على جسد القصيدة لدلالة على تشبث الأدب القصيدة بالحياة دلالة غائبة لم تشر ولم تومئ إليها مسار المجموعة المتجهة نحو التعتيم مفارقة تقر امتلاك المجموعة م