سعيد.. والليل

محمد المساح


محمد المساح –

سعيد كان يحلم بعالم سعيد يتسع لكل الطيبين وظل وفيا لحلمه الجميل حتى تكالبت عليه الأثقال وهموم الحياة.. كابد كما يكابد الطيبون عادة وهم يواجهون صعوبة الظروف وقساوة الأيام.. يخلقون حينها أكثر من فجوة يدخلونها بالعرق والشقاء فينتزعون اللقمة المغموسة بالكرامة والجبين المرفوع.. مع الجموع أولئك الذين يزينون النهار بحركتهم ودبيبهم هنا وهناك لا يريدون أكثر من كفاف اليوم لهم ولعيالهم.
الحياة لا تتوقف يعرف «سعيد» ذلك الأمر جيدا وكما يحتال أصحابه على الحياة احتال هو الآخر وأوجد أكثر من وسيلة ممكنة خالصة النقاء أخذته الحياة على غرة عصرته بشد وقسوة في أحشائها ثم لفظته مجروحا تعثر قاوم صمد ووقف تحامل وعاد يواجه الحياة من جديد.
في أعماقه ظل الحلم حيا.. وأن الزمن هبة بهبة كما علمه سلفه بتلك الحكمة.. لكنها الحياة والظروف الإنسانية حين تتعقد وتتصعب كلما فك عقدة تبدلت مكانها عقدة جديدة لم يتحمل سعيد بحسه الشديد الرهافة.. قهر المواقف الحياتية تضاعفت الأعباء وضاقت السبل أصبحت الحياة في ذهنه الشديد التفاؤل تضيق بالتدريج حتى أصبحت أمامه مثل خرم الإبرة شديدة الضيق حاول العبور عبرها لم يدر وهو يجاهد ليمر.. أن الحياة أيضا لها حيلها الأخرى فتجذب الطيبين من أمثاله الشديدي الحساسية والرهافة فتجذبهم إلى عالم آخر تتنوع مستوياته وتتدرج عوالمه.. يصبح الانفصال عن الحياة ليس انفصالا كليا مجرد انتقال.. إلى الهامش هناك يكيف العقل بلا وعيه المنضبط أسلوبا آخر.
يتحول الليل الهامد في جفون المتعبين عالم شديد الصفاء فيرحل سعيد في عالمه الليلي مناجات صامتة أحيانا.. وأحيانا مناجات ناطقة يتبادل فيها «ديالوج» طويل وحوار قد يتوقف أو يقصر لكنه يستمر في أغلب الليالي فترتفع بعد منتصف الليل والعالم ساكن والناس رقود عتابات شجن يطلق القلب فيه مخزونه من الألم والتعب.
يصبح الليل مملكة بلا منازع.. لسعيد يناجي العالم المفقود ذلك العالم الذي ظل يراود النفس ويجمل الحلم.. أما الآن فهو يرحل مع صاحبه ارتحالات يأخذها الليل في صمته شهادة على تعب الرجال مواساة شديدة الخفة تحنو على الحالمين بعالم سعيد والحياة تستمر كالعادة ولا شيء جديد.

قد يعجبك ايضا