ندرة المياه.. معاناة دائمة للمرأة الريفية

محمد العريقي

 - إذا كان من فائدة واحدة عند انقطاع التيار الكهربائي فهي تجمع أفراد العائلة حول مصدر صغير من الضوء قد يكون شمعة أو سراجا صينيا يشحن مسبقا ويقدم خدمة محدودة لا تزيد عن ساعة .
محمد العريقي –
إذا كان من فائدة واحدة عند انقطاع التيار الكهربائي فهي تجمع أفراد العائلة حول مصدر صغير من الضوء قد يكون شمعة أو سراجا صينيا يشحن مسبقا ويقدم خدمة محدودة لا تزيد عن ساعة .
وتكون فرصة لاستعراض الذكريات مع الأبناء والبنات ونحن كجيل سابق أتينا إلى المدينة من بيئة ريفية فإن هواجس الذكريات تشدنا إلى ماضي الريف ونحاول أن نمرر رسائل لجيل الشباب والأطفال عن أهمية المثابرة وبذل الجهد لتامين احتياجات البقاء في هذه الحياة بعد معاناة وتعب .
وأفضل ما يمكن أن نسوق من أمثلة وشواهد للجهد والاجتهاد والتعب هو ما يتعلق بتأمين مياه الشرب لأفراد الأسرة والحيوانات التي تنتفع منها الأسرة كالبقر والماعز في مناطقنا الريفية والبطل في مثل هذه الحكايات هي المرأة الريفية .
يندهش أبناؤنا وبناتنا الذين يعيشون في المدن اليوم أن المرأة الريفية كانت تأتي بالمياه من مسافة تبعد أربع ساعات من المنزل لتحضر ( تنك أو دبة ) سعة عشرة إلى خمسة عشر لترا على رأسها وتصعد وتهبط عبر العديد من الجبال والتلال الوعرة فتتشقق قدماها وتجف بشرتها من السير الطويل .
وتضطر المرأة أن تذهب مرتين على الأقل إلى مصدر المياه البعيد لإحضار «دبتين» ماء في اليوم وعليها أن تتحمل التعب ولهيب الشمس المحرقة واذا اشتد بها العطش عند العودة فما عليها إلا أن ترطب حلقها وشفتيها دون أن تروي عطشها لأن ذلك سوف ينقص من الكمية أما اذا تعرضت لحادث أثناء سيرها وارتمى وعاء الماء من رأسها إلى الأرض وفقدت الماء فإن ذلك يعني المأساة والحزن الشديد الذي تعبر عنه المرأة بالدموع الذي يختلط بعرق التعب المتصبب على وجهها الشاحب وصدرها النحيف وبالتنهدات من أعماق الجوف المجروح ولذلك تحرص بكل ما أوتيت من قوة للتمسك بوعاء الماء حتى تصل المنزل ولذلك تجدها شديدة الحرص على أن تستغل كل قطرة ماء بدرجة عالية من الكفاءة .
فالذي يستغل للطعام وما يغسل به الأواني يجمع للماشية وإذا كان عليك أن تغسل يديك أو أن تتوضأ للصلاة فعليك أن تكون قريبا من شجيرات (البسباس والطماطيس والريحان والشذاب) .
هذه الذكريات تكشف مدى معاناة المرأة الريفية نتيجة شحة وندرة المياه وكيف أنها تتقدم الرجل من حيث بحثها واستخدامها للمياه..
رغم انني اسرد ذكرياتي عن معاناة المرأة الريفية للحصول على المياه قبل أكثر من خمسة وثلاثون عاما عندما كنت اعيش لفترة طويلة بالريف غير أنني بحكم متابعتي الدائمة وقراءتي ومشاهدتي للبرامج التلفزيونية التي تعرض من وقت لآخر لفقرات خاصة بقضايا الريف وجدت أن أبرز المشاكل تتعلق بندرة وشحة المياه هناك ناهيك عن تلوثها .
ولازلت أرى ضمن ذلك المشهد المأساوي تفاصيل الانهاك والتعب على وجوه النساء والأطفال في العديد من المناطق الريفية .
صحيح أن هناك الكثير من مشاريع مياه الريف والمشاريع التعاونية والخاصة انتشرت في بعض المناطق إلا أنهار لم تغطي تغط سوى نسبة ضئيلة جدا هذا اذا كانت تلك المشاريع كتب لها النجاح والديمومة أما الكثير منها فهي متعثرة أو فاشلة أو أهملت بسبب سوء الادارة أو الاستحواذ عليها من قبل متنفذين .
أن الريف اليمني لايزال في دائرة النسيان ولايزال إنسان الريف وخاصة النساء يتحملن الكثير من المعاناة بسبب الفقر وشحة موارد المياه وإذا كان هناك من يقول ان المياه أصبحت تنقل بالسيارات إلى أماكن بعيدة فإن شراءها أمر صعب عند الكثير من الأسر الفقيرة فقد يصل سعر ناقلة مياه ثلاثة متر مكعب بثمانية آلاف ريال فمن أين للأسر الفقيرة قيمة ذلك¿ .
والشيء المطلوب والمهم هو تفعيل دور مجالس القرى وإذا لم يكن هناك مثل هذه المجالس في بعض المناطق فلا بد أن تشكل ولا بد أن يكون للمرأة دور فيها وخاصة في مناقشة احتياجات القرية للمياه فالمرأة الريفية التي تعمل في الحقل مع أخيها الرجل لتأمين الغذاء وتقوم بجلب المياه النقية للشرب من أماكن بعيدة وتعاني مشاق كثيرة لإسعاد أفراد أسرتها جميعا وتوفير متطلباتهم من الماء يمكن ايضا أن تقوم بإدارة مشاريع المياه الصغيرة بل وتمويلها وقد حدثني أحد الإخوة في الصندوق الاجتماعي للتنمية عن حماس النساء في الريف لمشاريع المياه الصغيرة لدرجة أن بعضهن يبعن مصوغاتهن من الذهب لسداد المساهمة التمويلية وهذا الدور يحسب للصندوق الذي نفذ العديد من هذه المشاريع في الريف وشجع هذه المبادرات .
إن الدور التقليدي للنساء في التعامل مع المياه في الريف يعكس الحرص على كل قطرة ماء لأنهن معنيات بجلب الماء من المنا

قد يعجبك ايضا