حكاية جديدة عنوانها.. أما الآن..
عادل عبدالإله العصار
عادل عبدالإله العصار –
حكاية جديدة يجتمع اليمنيون لتدوينها ويؤكدوا للعالم أن الشعب اليمني المدجج بالسلاح يؤمن بما هو أبلغ من لغة السلاح وجاء إلى مؤتمر الحوار بسلاحة القديم الذي لا يصدأ وجوهر قوته الذي تختل أمامه كل موازين القوى.. جاء إلى مؤتمر الحوار بحكمة اليمنيين المتجددة.. جاء بواقعية الحاضر وحرصه على إزالة كل ما يعيق مسيرته ويحول دون تطوره وازدهاره.
وبالحوار أغلق اليمنيون ملفات الماضي وفصول حكايات طارئة امتلأت بأحداث لا ترقى لأن تضاف إلى تاريخه العريق.
أغلق اليمنيون ملفات الماضي وفتحوا ملفات المستقبل الذي طالما ظل حبيس الرؤى الفردية واجتهد كل طرف لبلوغه والانفراد برسم تفاصيله وامتلاكه والحرص على أن يظل الآخرون بلا حاضر وبلا مستقبل.
أغلق اليمنيون ملفات الماضي وحول طاولة الحوار جلسوا لمناقشة قضايا طالما أثقلت كاهل الوطن وارهقته سياسيا واقتصاديا.
أغلق اليمنيون ملفات الماضي ومن ميادين المواجهة التي جربوا فيها كل وسائل الصراع جاءوا ليؤكدوا في أروع ميادين المواجهة وأسماها أن الحوار لغة اليمنيين التي لم تندثر.. جاءوا ليجددوا حكاياتهم القديمة ويستلهموا من ماضيهم العريق قصص المجد ويحاكوا صنائع أبطاله وفرسانه الذين دون التاريخ أسماءهم ومآثرهم بأحرف من نور ابتداء بالملكة بلقيس والملك الموحد أسعد الكامل ومعدي كرب وذو نواس وسيف بن ذي يزن مرورا بالملكة أروى ونشوان الحميري وانتهاء بالزبيري وفتاح وسالمين والحمدي والكثير الكثير من أبطال وفرسان الحقيقة التي تعمدنا تشويهها واستبدلناها بزيف صراعاتنا وعلى حساب الوطن غلبنا مصالحنا الشخصية ومن أجلها لا من أجل الوطن اختلفنا وذهبت بنا خصوماتنا بعيدا حتى تجاوزنا برؤانا وآرائنا حدود العقل والمنطق ومن الواقع الردئ اختلقنا واقعا لا ننتمي إليه ولا ينتمي إلينا.. واقع فرضناه على أنفسنا وارتضيناه ليس لسمو مبادئه وإنما لإرضاء غرورنا الذي لم يتوقف عند حدود العيش بلا حلم وبلا تطلعات وبلا حاضر وبلا مستقبل وبلا دولة وبلا ضمير وبلا مبادئ وأخلاقيات وذهب بنا وذهبنا به بعيدا حد الانتقال من الحاضر المتخلف إلى الماضي الأكثر تخلفا ومن القرن العشرين الذي انفردنا فيه بصنع مجتمع ينتمي لأزمنة ما قبل الدولة وما قبل الحضارة انتقلنا إلى القرن الواحد والعشرين لكن بعقلية حتى وإن عاشت الحاضر زمنا إلا أنها لم تستطع إلا أن تكون تجسيدا لواقع ما قبل داحس والغبراء وحروب البسوس وانقسام وصراع القبائل والعشائر التي لم نعش غير قوانينها ومبادئها وثقافتها التي جعلتنا إما جنودا في خنادق عبس وذبيان وكليب وجساس والزير سالم وعنترة بن شداد وإما ضحايا وسبايا لكل هؤلاء فرض عليها العيش دون كرامة ودونما إنسانية.
ها نحن اليوم نلتقي.. يمنيين ويمنيين ويمنيين ويمنيين.. وجوه شتى وأسماء شتى وتوجهات شتى لكنها بهوية واحدة وقلب واحد.
نلتقي لنرسم لوحة اليمن الجديد الذي ينتمي إلينا وننتمي إليه.. يمن جديد يتسع لأحلامنا جميعا وتسود فيه مبادؤنا وأخلاقياتنا وتتجسد فيه تطلعاتنا للحرية والعدالة والمساواة.. يمن جديد نفخر بماضيه وحاضره ومستقبله ونحمله ويحملنا هوية وانتماء وثقافة.
اليوم ومن خلال مؤتمر الحوار يوجه اليمنيون أروع رسائلهم إلى العالم يؤكدون من خلالها أن الشعب المدجج بالسلاح والمثخن بالجراح قادر على الانتقال من خنادق ومتاريس وميادين الصراع والاقتتال إلى آفاق جديدة يسودها الحب والمودة والحوار.. حكاية جديدة يكتبها اليمنيون اليوم عنوانها أما الآن فقد آن الأوان لنقول: إن ما عشنا نحلم به وننتظر مجيئ تفاسيره أصبح حقيقة نحن من يصنعها ويرسم تفاصيلها.
وأما ما قبل فلن يكون إلا ماضيا ولى ولن تقول عنه إلا كان يا ما كان وأما ما بعد فاليمن الجديد والغد المشرق الذي ضحى من أجله اليمنيون وقدموا من أجل بلوغه قوافل الشهداء.. ومن أجل اليمن فليكن الحوار ومن أجل اليمن تبقى التنازلات أما ما عدا ذلك فزيف ووهم.
للمتحاورين نقول: اتجهوا بحواركم نحو «أما بعد» فلستم في حاجة لاجترار «ما قبل» الذي نعرفه جميعا ولم نعد في حاجة لسماعه اليوم.