واقع الحوار ثقافيا وكيفية الاستفادة منه (رؤية ثقافية)
خالد القزحي

خالد القزحي –
• الغرض الأساسي من أي حوار هو تقارب وجهات النظر و الرؤى بما يفيد المصلحة العليا التي من أجلها أتى الحوار. ليس القصد منه الإطاحة بأحد الأطراف المشاركة بقدر ما هو في حقيقة الأمر الاستماع إليهم ومحاولة تقبل كل فكر يطرح على الطاولة سواء كانت تلك الفئة كبيرة أو حتى ينظر إليها على أنها أقلية. السبب الأول للتفكير بعمل حوار هو عدم الرغبة من قبل جميع الأطراف أو غالبيتها في خوض صراعات قد تكون عنيفة و دامية و لا تخدم أي من الأطراف إضافة إلى الضرر البالغ التي تصاب به المنطقة أو البلد, و لهذا يأتي التفكير لضرورة حل الإختلافات و تقريبها لكي تنعم البلد بالأمن و الاستقرار و من ثم التنمية التي ستعود بفوائد مرجوة من قبل الجميع للبلد ككل و للأطراف جميعا على وجه الخصوص. في هذه الحالة سيكون الجميع متأكدين من أهمية الحوار إذا خلص التفكير بالفائدة التي ستعود على الكل من شتى الشرائح الإجتماعية و السياسية و الدينية. المشكلة إذن ليست في الحوار نفسه عدم فهم مدلول الحوار يكفي للخوف من عدم نجاحه. وعدم التفاؤل لا يعني دائما أن الحوار فعلا فشل و إنما سيكون ناتجا عن عدم الدخول فعلا في حوار بسبب قصر الفهم الكامل لضرورة الحوار أو اقتناص الفرص من قöبل من لمصلحتهم الشخصية أو السياسية أن لا يعقد حوار فعلي . وهذا وحده يكفي لمعرفة إحدى المسببات الرئيسية للاختلاف و بالتالي تجتمع بقية الأطراف و يستمر الحوار الفعلي لينجح خاصة و أنا أتكلم هنا عن الحوار الوطني الشامل في اليمن بشكل أخص. من الأخطاء الفادحة أن نفهم معنى كلمة حوار ونربطها بكلمة صراع بين الثقافات المختلفة سياسيا أو طائفا أو حتى بحسب الجغرافيا المتنوعة للمحاورين. هذا ما أكده المفكر المغربي مهدي المنجرة حول صراع الحضارات وأتى من بعده لينظرها سموائيل هيمنتقتون (1996م). الرؤية الثقافية المختلفة عن البقية ليست بالضرورة مخالفة بسبب الاختلاف يمكن أن يوجد تعايش حسب مقولة سارة ميلز في كتاب (خطابات الاختلاف, Discourses of Difference, 1991) التي تؤكد فيه على أن الاختلافات و خاصة الثقافية منها يمكن أن تتعايش مع بعضها البعض بنسق معين بحيث تكون الأفضلية نوعا ما بشكل نسبي بحسب علاقات تكافؤ القوة و المعرفة اللذين يكونان على ركيزة واحدة هامة ومرتبطين لحد جذري حسب نظرية الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو في كتاباته التي كان أهمها في هذا الشأن كتاب (Archeology of Knowledge,1972). ولكي يتم أي حوار لا بد من التقبل للفكر الأخر بغض النظر عن مدى تأكد أي من الأطراف بصحة فرضياتها. ولن يوجد ما يمنع نجاح الحوار إلا محاولة عدم إيجاده على أرض الواقع و التشجيع على المصداقة و الشفافية.
و مع هذا, لا بد من التأكيد على أهم نقطة في ما يخص الحوار الوطني الراهن في اليمن و هي المصلحة العليا للبلد مصلحة الوطن ككل و ليس مناطق معينة أو فئات محددة و هذا لأن التغيير الذي يحصل في اليمن يعتبر تغييرا جذريا لأشياء عديدة يجب أن يستفيد الجميع منها سواء من يستطيع أن يرفع صوته عن طريق أدوات الإعلام أو تلك الفئات المهمشة و شبه المهمشة و الصامتة من المناطق اليمنية التي لا تستطيع إيصال صوتها رغم الضرر الحاصل عليها سابقا او فيما يلي إن تم تهميش صوتها في الحوار لا بد من أن يتم نسيان الأحقاد الحزبية و الطائفية والمصالح الفرعية أولا لكي تتبلور مصلحة الوطن على الطاولة أولا. فالوطن يهم الجميع و الاختلافات الحزبية أو المناطقية أو الطائفية طالما كانت المسبب الأول في عمليات الفساد التي تتواجد في بيئة معينة نظرا لمحبة البعض في أن تزيد أخطاء من بيده القرار ومساعدته عليه حتى تتشكل أسباب نزع السلطة من يدية بأسماء متعددة من ضمنها (عدم العدل – الفساد – الرشاوي ………الخ). لا أحاول هنا تبرئة أحد أو فئة بحد عينها بقدر ما هو صوت المنطق والعقل حتى وإن تم فهم كلماتي بصورة مخالفة لما أريد إيصاله. لا يمكن لشيخ في قبيلة أن يفسد أو يظلم إذا كان هناك من يستطيع ردعه أولا بأول فيصير شيخ المجتمع المصغر في القبيلة تابعا وخادما لقبيلته التي هو زعيمها لا مستغلا لأفرادها أو بعض منهم.
اذن تلك الاختلافات الثقافية سياسيا و ايدلوجيا و طائفيا و التي تنتمي لأكثر من جهة متفرعة سواء محليا أو اقليميا أو حتى عالميا يمكن أن تعيش بسلام إذا قررت بانها جميعا ستسعى لمصلحة البلد أولا و أخيرا, ومن ثم تبقى بقية المسائل الفرعية خاضعة للنقاش و التحاور بدلا من الصراع و التناحر و التي بوادرها تصيد الأخطاء و التطرف لفكرة معينة أو التعصب لرأي معين دون محاولة فهم أحقيته حسب بلد ككل و ليس فئة أو منطقة مع