تجربة اللامركزية في إدارة الموارد المائية
محمد العريقي
محمد العريقي –
هناك اتجاه للنقاش داخل اللجنة المختصة في بناء الدولة في إطار مؤتمر الحوار الوطني لموضوع تقسيم اليمن إلى أقاليم تدير شؤون حياة السكان بعيدا عن المركزية التي تضرر منها سكان المحافظات البعيدون عن المركز خلال الفترة الماضية .
ولاشك أن الدعوة لنظام اللامركزية جاءت من المختصين والمهتمين بقطاع المياه والصرف الصحي في اليمن منذ وقت مبكر , ودعم هذا التوجه المانحون ومن دول ومنظمات وخاصة مشروع اللامركزية في إدارة الموارد المائية : GIZ-DWRM,وتجسد ذلك في الدعم المباشر الذي قدمه هذا المشروع للهيئة العامة للموارد المائية , وكذا في دعم البناء المؤسسي واللوجستي للمؤسسات المحلية للمياه والصرف الصحي في أغلب محافظات الجمهورية .
ولعل أبرز مايجسده دعم هذا المشروع نحو اللامركزية هو الإدارة المتكاملة للموارد المائية في ثلاثة أحواض مائية في اليمن هي : حوض عمران , وحوض دلتا أبين , وحوض دلتا تبن .
ولن أدخل في وصف وشرح (التجربة والمنهج) الذي تتم من خلاله إدارة هذه الأحواض, ولكن أنا على ثقة أن المعنيين في إدارة ذلك المشروع لن يبخلوا في عرض تلك التجربة , على المهتمين في لجنة الحوار ليستفيدوا من مكونات تلك التجربة والمنهج , وتطبيقها على مجالات أخرى في اتجاه بناء الدولة اللامركزية .
منذ وقت قريب لم يكن هناك مفهوم واضح للإدارة المائية بحكم محدودية النشاط في هذا القطاع فاقتصر اهتمام الدولة حتى أواخر الثمانينات من القرن العشرين على تنفيذ مشاريع مياه الشرب في المدن الرئيسة بالإضافة إلى إقامة مشاريع مائية لقطاع الزراعة كالسدود والحواجز المائية ومشاريع لمياه الشرب في عدد من المناطق الريفية في حين ظل الكثير من السكان يدبرون احتياجاتهم من المياه بأسلوبهم الخاص وفي الغالب بالطرق البدائية.
وكما أشرنا أن الشغل الشاغل كان ولا يزال هو تحقيق مبدأ المشاركة المجتمعية في إدارة الموارد المائية , بعد أن كانت الدولة تبالغ في طرحها أنها تعمل على تقديم الخدمات الأساسية للإنسان اليمني ومنها مياه الشرب النقية والصرف الصحي كحق من حقوق الإنسان في العصر الحديث كان لزاما أن توسع نشاطها في هذا الجانب مما استدعى إنشاء العديد من الهيئات والمؤسسات المائية المتخصصة وأخذت تلك الهيئات مهام تخطيط وتنفيذ مشاريعها وفق رؤية مركزية.
وتبين مع مرور الوقت أن الإدارة المركزية لقطاع المياه مع زيادة استخدامات المياه أصبحت غير فاعلة ولم تحقق حتى أهداف الرؤية المركزية في تحسين خدمة المياه ولذلك كان لابد للمعنيين بقطاع المياه في اليمن أن يبحثوا في التجارب الناجحة للدول الأخرى في إدارة مرافق المياه بفعالية تتيح تحقيق هذا التوسع المطلوب في خدمات المياه والصرف الصحي حيث تبين أن اللامركزية في الإدارة المائية عموما (بما في ذلك إدارة مرافق المياه) مفيدة وتخدم طرفي المعادلة (التوسع في الإمداد والترشيد في الاستخدام). بل أن الاتجاه لتنفيذ هذه الرؤية كان ضروريا على ضوء متطلبات الإصلاح المالي والإداري الذي شمل كل القطاعات ومنها قطاع المياه والصرف الصحي منذ عام 1995م. وسبق إعداد ذلك البرنامج القيام بالعديد من الدراسات الاستشارية التفصيلية التي وقفت برؤية متعمقة أمام وضع القطاع المائي والطرق المناسبة للخروج من تعثراته ومعوقاته وتمخض عن تلك اللقاءات والدراسات الخروج بتوصيات تدعو إلى التوجه نحو اللامركزية في إدارة قطاع المياه من خلال إعطاء بعض الصلاحيات للفروع إلى ذلك إنشاء العديد من المؤسسات المحلية في عواصم المحافظات على ضوء قرار مجلس الوزراء رقم (237) لعام 1997م.
إن إشراك المجتمع في إدارة المياه في اليمن غدا أكثر إلحاحا من أي بلد آخر بعد أن أصبحت العديد من المناطق تعتمد في تأمين مياهها على المياه الجوفية حيث الأفراد يقومون باستغلال هذا المورد مباشرة مما يجعل عملية السيطرة شاقة ومكلفة فالجغرافيا المتنوعة والطبيعة الهيدرولوجية للبلاد وتبعثر استخدامات المياه في الريف هي جميعا عوامل تزيد من صعوبة السيطرة المركزية والتخطيط الشامل كما أن عدم التوافق بين توزيع الكثافة السكانية من جهة ومناطق تواجد الكميات المحدودة من الموارد المائية من جهة أخرى يقلص من الخيارات التخطيطية المتاحة. فمعظم السكان والنشاط الاقتصادي متركزان في المرتفعات الجبلية الغربية التي استنزفت مياهها وهو الأمر الذي يجعل من العسير اللجوء إلى مصادر مياه بديلة غير تقليدية (كالتحلية مثلا) أو إلى تقنيات الري الحديث على مساحات واسعة. وهو الأمر الذي لو