مشاهد لم تبارح نفسيات أسر ضحايا ومصابي حي الكويت
تحقيق محمد محمد إبراهيم

تحقيق / محمد محمد إبراهيم –
شروخ غائرة تعمöر
ذاكرة الحي وقصص برائحة الموت
ارتياح من الإعمار وشكوى من التعويضات والجرحى بحاجة إلى رعاية أكثر
بقميص خفيف وقامة فارعة كان يعبر الشارع عائدا إلى أسرته كانت الخطى تقوده ببطء لا شيء يدعو للعجل لكن صفو ذهنه ملبد بهموم وتفاصيل يومه كعادة أي يمني استوقفه زميل له ليبادله التحايا والسلام لم يسمع صوتا يقرع في ذاكرته أجراس الخطر كما لو أن القدر قد أقفل حواسه لكن خارج نقطة النهاية فتعدى مسار كتلة الحديد -التي عبرت الشارع أمام ذهول الناس- في لحظة لا تتعــدى جزيئات من الثانية وبين منطقة الوعي واللاوعي يشعر بموجة من اللهب تلتهم ملابسه لم يدرك منها سوى هالة حارقة بـ»حمúرة» الخوف تحلق على كتفيه.. فما الذي يمكن أن يتذكره علي الحكيمي من لحظة فاجعة سقوط طائرة السوخوي22 في حي الكويت ظهيرة 19/ فبراير 2013م كواحد ممن نجوا من الهلاك وظلوا حتى الآن يعانون الإصابة.. ¿ وما الذي يسرتجعه شهود العيان القريبون من تشظي لحظة الموت¿ وأين وصلت جهود التعويضات..¿ وفنيا ما الذي ستفرزه هذه الفاجعة في قوائم المعايير والسلامة الجوية والطيران فوق أجواء الأحياء السكنية لنتحاشى تكرارها ما مكننا القدر..¿ هذا التحقيق سيسترجع باختزال ما جرى وما قامت به الدولة ممثلة في الجهات المعنية لمعالجة شروخ لم تزل في ذاكرة الحي تتقد كوابيس بطعم الموت..
صفحة من العام الجديد 2013م كانت صافية لم تشهد سطرا برائحة الدم الذي شهده العامان 2011م و2012م في أزقة وشوارع وساحات حي الزراعة والكويت ومبتدأ شارع الرباط الذي ارتوى دما ودموعا في الـ(18) من مارس2011م يوم جمعة الكرامة هذا المربع الذي تمرغ بدماء يمنية طاهرة تلاشى لونها القاني بين مسميات الصراع التي اجتاحت خارطة ثورة الشباب السلمية.. العام 2013م كان مشرع الأمل صافي الأفق من غمام الدموع والدماء.. وحدها طائرة السوخوي22 أنشدت للموت أغنية تراجيدية قسرية فأخطأها القدر مدرج الأمان بعد أن أعطت شارة النزول فخانها الأجل لتهوي على حي الكويت ومربع الموت المعهود الذي يعج بالبشر أطفالا ونساء صبية وكهولا.. فمنهم من احترق في سيارته التي أدركتها شظايا الموت الملتهبة ومنهم من قضى على دراجته النارية ومنهم من حمله جسد الطائرة بسيارته وأمتعته إلى جوف عمارة تحولت إلى مطبخ للموتى.. وبؤرة تلهتم فرق الإنقاذ..
كان المصاب علي الحكيمي أحد ساكني حي الكويت واحدا من العابرين في مثلث المهبط القسري القاتل لم يعد باستطاعته استرجاع ما حدث بذاكرة صافية خشية من وخز الألم بعد أن احترق جزء كبير من جسمه خصوصا جنبه وساعده الأيسرين وأطرافه السفلى.. كل ما يتذكره أنه أدرك بعد هنيهة من الوقت أنه نجا من كتلة الطائرة السوخوي22 وما حملته معها من العمارتين اللتين اخترقتهما والشارع المكتظ الذي ذبحته قطعا متجهة صوب عمارة عبدالخالق القمري والمفجع في ذاكرته ويحاصره دائما وسواس الخوف أنه لم يكن بعيدا سوى بفارق خطوة أو خطوتين لينجو من تلك الكتلة لكنه لم يفلت من ألسنة اللهب ورائحة الوقود الحارق.. فقد طالته النيران من أسفل قدميه حتى أعلى كتفيه خصوصا جانبه الأيسر..
يقول علي الحكيمي الذي زرناه في منزله وهو رهين العلاج: (كنت أمشي في الشارع باتجاه بيتي القريب صدفة قابلت زميلي وبينما أنا واقف أسلم عليه وأحدثه أدركت معه أن النيران تشتعل في ملابسي خصوصا قميصي الخفيف.. ورائحة البنزين تسري «فيني» وفي المكان فاتجهت لا شعوريا نحو البيت بسرعة هاربا من النار ولم أعد أدرك ما حولي تخلصت من القميص أنا أفر إلى البيت والناس تتطاير من أمامي ومن حولي لكني لم أعد أتذكرهم إلا خيالا وصلت البيت خلعت بقايا الجزمة والملابس المحترقة وأسعفت لحظتها إلى المستشفى الجمهوري)
تفاصيل الفاجعة
هذه حالة واحدة من أصل 21 جريحا جراء سقوط السوخوي22 في حي الكويت شارع الرباط الملتقي مع شارع الزراعة التي أودت بـ(11) شخصا بينهم نساء وأطفال.. لكن كيف كانت لحظة حدوث هذه الموتة أو باللفظ الشعبي (المصربة)¿..
كل شيء على ما يرام قبل تلك اللحظة المشئومة بأقل من نصف ثانية.. المركبات كالعادة تملأ الشارع المؤدي من وإلى جولة تقاطع الدائري الرباط – بؤرة أحداث جمعة الكرامة- واصلة ومارة من غرب مستشفى الكويت.. بائع الخضار مجاهد محمد حسن.. يمارس عمله اليومي الذي يسبق الظهيرة من كل يوم وصاحب محل مستلزمات الأطفال ينتظر زبائنه بينما مكتب السفريات (بن بريك) الذي ساق القدر موظفيه وموظفاته قبل فترة قصيرة للعمل في هذا المسار القدري يؤدي عمله ككل يوم..
النساء داخل المطابخ تجهز وجبة الغداء بأمان كالمعتاد والأطفال يتأهبون للخروج من المدارس.. وسوق