من الكلمة إلى ثورة لا تنتهي
علي أحمد بارجاء
علي أحمد بارجاء –
الإنترنت ثورة في النشر والمعلوماتية والاتصال, وقد فتحت مواقع الإنترنت والمنتديات والصفحات الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي باب حرöية التعبير على مصراعيه وأضحى في مكنة الجميع وعلى رأسهم الناشطون السياسيون طرح ما لديهم من آراء وأفكار, ونقد المظاهر السلبية في الحياة بمختلف جوانبها في الدين والثقافة والسياسة إلى غير ذلك بحرية تامة وبلا خوف من رقابة الأجهزة الأمنية وملاحقاتها وسجونها. إذ أتاحت تلك المواقع فرصة النشر اللا محدود, وقد منحت من لا يريد الكتابة باسمه الحقيقي إمكانية التخفöي وراء الأسماء المستعارة وليس مطلوبا ممن يريد التعبير عن همومه ومطالبه وآرائه سوى قدرته على التعامل مع جهاز الكمبيوتر وشبكة الإنترنت وجاءت أجهزة الهاتف الجوال لتتيح فرصة أكبر لقطاع أوسع من المستخدمين. واستطاع من لم يعرف استخدام الانترنت أن يشاهد متغيرات وأحداث العالم والاستماع إلى أكثر من رأي مغاير بمشاهدة قنوات البث التلفزيوني العربية والعالمية الرسمية وغير الرسمية عبر الأطباق.
لقد تجاوز هذا العالم الافتراضي كل وسائل الإعلام التقليدي من صحافة وإذاعة وتلفاز, وكسر احتكارها لما يجب أن ينشر أو يقال فيها وما لا يجب وسماحها لمن تريد ومنعها من لا تريد ممن يتوافق أو يتعارض مع سياساتها أو توجهاتها الفكرية. وبسبب ذلك لم يعد أي نظام سياسي قادرا على تكميم الأفواه بعد أن تحطم بوجود تلك المتاحات الجديدة صنم (التابو) الذي يقف في سبيل تصريح المعارضين بآرائهم الثورية المناهضة وكشف حقائق الأنظمة السياسية وممارساتها وفسادها للشعب على النطاق الوطني, بل تجاوز نشرها ليصل إلى أسماع العالم.
بعد أن بدأت تنتشر في بعض دول الوطن العربي أطباق استقبال البث التلفزيوني من الأقمار الصناعية في أواخر تسعينيات القرن الماضي, كتب موسيقي عراقي كان يعيش في عدن, كتب في مجلة (فنون) التي كانت تصدر آنذاك منبöها ومحذöرا من السماح بإدخال هذه الأجهزة الجديدة لخطورة التأثير الآيديولوجي والفكري الذي قد تحدثه على الجماهير, وقبلها اتöهöم أحد المحافظين باتصاله بالخارج بسبب وجود طبق استقبال (دش) على سطح بيته.
ولم يعد الحصار الذي كانت تفرضه بعض الأنظمة على دخول المطبوعات التي تتبنى فكرا مغايرا من كتب و صحف مجديا في زمن أمكن الوصول إلى ذلك عن طريق الإنترنت.
أصبحت الحقيقة متاحة للجميع, وأصبح الظن باحتكار أو امتلاك نظام أو جهة أو فئة للحقيقة ضرúبا من المستحيل واللا معقول بل من الحماقة والغباء, لقد أصبح العالم حقا أصغر من قرية, وأصبحت أعتى الأنظمة الموغلة في الديكتاتورية عاجزة عن عزل شعبها بين أسوار لا يمكن اختراقها إلا إذا منعت شعبها من استخدام تلك الوسائل الحديثة للاتصال التي أصبحت الحاجة العصرية إليها تنافس وسائل المعيشة الضرورية الأخرى.
في هذا العالم المفتوح أصبح على الأنظمة السياسية الانفتاح على ما ينشره مستخدمو الانترنت في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي من أفكار وآراء, ففيها من الفائدة والجدة والحكمة والحلول لكثير من المشكلات _ولو باقتضاب_ مما لم تتعود سماعه في الوسائل الرسمية للدولة, وما يطرح في مجالسها التشريعية والشوروية, التي تضم بين أعضائها كثيرا من العقول التي لا تؤمن بالتغيير, وتزيöن للحكام بقاء واستمرار سياساتهم التي هي في الغالب تصب في مصلحة فئة قليلة من المقربين والنفعيين خوفا من فقدان مصالحهم من كل إصلاح يؤدي إلى تطبيق سياسات جديدة تقوم على الديمقراطية والعدالة والمساواة وتحترم حقوق الإنسان, ويشدد في تطبيق النظام والقانون, ويجري أي تعديلات دستورية تلبي طموحات المواطن, وتنصف المواطن وترفع من مستواه المعيشي والتعليمي والثقافي. وهذا بالضبط ما كان سببا في الحراك الثوري, وثورات الربيع العربي التي بدأت من الإنترنت متمردة على أقوى الأنظمة وأكثرها ديكتاتورية وداعية إلى الثورة عليها.
وتظل الثورة مستمرة إن لم تعö الأنظمة أن كل يوم يمضي ولم يتحقق للشعب ما يريد سيؤدى إلى ثورة جديدة. فقد عرفت الشعوب طرق وأساليب انتزاع حقوقها من مغتصبيها ولن يثنيها أحد عن تكرارها ثانية وثالثة.