«‬مجانين» … ‬والله أعلم‮!‬



أمين الوائلي
‮{‬آخر مجنون في‮ ‬الشارع العام تحدثت معه قبل أيام نصحني‮ ‬بزيارة مستشفى الأمراض العقلية في‮ ‬أسرع وقت‮ ‬واحتراما‮ ‬للخبرة والتخصص‮ »‬التراكمي‮« ‬أعتقد أنه‮ »‬صاحب نظر‮« ‬في‮ ‬مجاله‮ ‬فإذا أضفنا إلى الخبرة‮ »‬خذو الحكمة من أفواه المجانين‮« ‬لوجدنا أن شطرا‮ ‬مهما‮ ‬من الحكمة اليمانية مكنوز في‮ ‬أفواه المجانين الذين كفوا الناس شرورهم‮ ‬ولم‮ ‬يسلموا من شرور العقلاء ولا سلم العقلاء من شرور أنفسهم‮.‬
‮} ‬مجانين هذه البلاد أناس مسالمون جدا‮ ‬وفي‮ ‬سائر الأحوال والظروف لا تجدهم إلا مثالا‮ ‬حيا‮ ‬يحتذى في‮ »‬المدنية‮«‬‮ ‬بما أنها‮ – ‬المدنية‮ – ‬تعني‮ ‬في‮ ‬جملة ما تعنيه السلوك المسالم ونبذ العنف والالتزام المطلق تجاه المصلحة العامة وحكم القانون وسلطات المؤسسات الدستورية‮ ‬قد لا‮ ‬يستحضر المجانين هذه المعاني‮ ‬والمسلمات نظريا‮ ‬لكن سلوكهم‮ – ‬وهو الأهم‮ – ‬لا‮ ‬يخرج عنها‮ ‬إذا كان بيننا مثاليون فهم هؤلاء‮ ‬مع الاعتذار للكرفتات والبدلات الثمينة‮.‬
‮} ‬لم نسمع عن مجنون قتل جنديا‮ ‬أو قتله جندي‮ ‬ولم نشاهد مجنونا‮ ‬خرج على الدولة أو قطع الطريق أو عطل مصلحة عامة أو جاهر بدعوة عصبية ومناطقية ومذهبية‮ ‬كما لم نشهد حالة واحدة لمجنون‮ ‬يمني‮ ‬محترم وأصيل عن جدارة جمع حوله المجانين وزودهم بالأسلحة ورفع صوته بالجهاد ضد‮ »‬أعداء الله من‮ ‬يهود وصليبيين‮«‬‮ ‬فيما هو ومنú‮ ‬معه‮ ‬يقتلون إخوانهم في‮ ‬الدين عباد الله المسلمين اليمنيين‮ ‬جنودا‮ ‬ومدنيين‮!‬
‮} ‬لو كان الأمر بيدي‮ ‬لأقمت حفلا‮ ‬تكريميا‮ ‬مشهودا‮ ‬للمجانين ومنحتهم وسام المواطنة من الدرجة الأولى‮ ‬ولأمرت لهم بتأمين صحي‮ ‬ومساعدات شهرية تعود لأسرهم ومنú‮ ‬يعولون‮ ‬وسأوجه‮ – ‬فيما لو كان الأمر بيدي‮ – ‬الجهات المختصة بإنشاء مصحة نفسية وعلاجية متكاملة ذات طابع إنساني‮ ‬وتأهيلي‮ ‬بعيدا‮ ‬عن عيادات التعذيب بالكهرباء وحقن الهلوسة‮.‬
‮} ‬لا تزال حكاية الطب النفسي‮ ‬والعصبي‮ ‬والعقلي‮ ‬في‮ ‬اليمن‮ ‬بنت مجتمع من جنسها‮ ‬حكاية الأسلاك والحبوب والعقاقير المهينة لإنسانية الإنسان‮ ‬فالثابت هو أن لدينا بدائية إنسانية وطبية في‮ ‬التعامل مع هذه الفئة من المواطنين والسكان‮ ‬فنعالج الاكتئاب بالجنون‮ ‬والقلق بالكهرباء‮ ‬والأرق بإحراق القوى العقلية والنفسية‮ ‬ومعظم الذين نشاهدهم في‮ ‬الشوارع ونطلق عليهم صفة الجنون هم ليسوا إلا ضحايا مجتمع ظالم جاهل وطب متخلف ومؤسسات حكومية ومدنية‮ ‬غائبة عن دورها ووظيفتها الإنسانية والاجتماعية‮ ‬ولا تجد في‮ ‬اليمن واحدة منها تعنى بأحباب الله وأعقل الناس‮ »‬المجانين‮«.‬
‮} ‬كم من الوقت‮ ‬يلزمنا حتى نحذق منهج صف أول آدمية‮ ‬وننجح في‮ ‬تجاوز امتحان سنة أولى إنسانية¿‮! ‬وكما قيل‮ : ‬الله أعلم من المجنون فينا¿‮!‬
حكاية بليغة ومعبرة تروى منذ أكثر من خمسة عشر شهرا‮ ‬بالتحديد‮ : ‬شوهد أحد هؤلاء الذين‮ ‬يقال عنهم مجانين‮ ‬ظلما‮ ‬وعدوانا‮ ‬وهو‮ ‬يحمل لوحة ورقية كبيرة كتب عليها بالخط العريض عبارة تقول‮ : »‬بعدنا‮ ‬بعدنا‮ ‬حتى الشارع بسطتم عليه¿ قلدكم الله منú&

قد يعجبك ايضا