الأزياء الشعبية حضارة وتراث
د ليلى الشيباني
د /ليلى الشيباني –
تعتبر الأزياء الشعبية حضارة وتراثا كما إنها عنوان البيئة والإنسان والتراث كما هو معروف يعني ثقافة الشعب غير المكتوب أو المدون إي الذي لا يعرف مؤلفا خاصا له والذي ينتقل بالمشافهة والمحاكاة من جيل إلى آخر تركه الأجداد والآباء ليرثها الأبناء ثم يورثونها من بعدهم إلى الأحفاد. وقد أدى الاهتمام بالزي حتى وصل أحيانا إلى درجة اعتباره جزءا من وجود الإنسان الثقافي والروحي وعلى مر التاريخ والعصور وصل الزي إلى مراحل رائعة من التطور وكان فن النسيج يستمد روحه من وحي الطبيعة وقد اتسم التطريز بطابع عفوي وفطري. فاليمن لديها رصيد قديم وغني في مجال الأزياء المستمدة من جذورها من الأزياء الإسلامية القديمة التي كان لها نصيب كبير من الغنى الحضاري إلى درجة أنها كانت توصف في الشعر لجمالها ولسحر ألوانها وزخارفها الجميلة, والأزياء اليمنية تعكس فن أهلها ومهارة الأيدي اليمنية في التعامل مع النسيج والألوان فأصبحت حقا تحفا ثمينة بزخارفها فالأزياء اليمنية حضارة تنطق بعظمة تاريخها العريق. كما أن هذه الملابس الشعبية الجميلة تحظى بشعبية كبيرة رغم تقدم الحياة وتطورها إلا أن الطابع الجمالي وإتقان صناعتها سيجعل من هذه الأزياء الجميلة كنزا يخلد مدى الدهر لا يمكن طمسه مهما بلغت عجلة التقدم والتطور لأنها جاءت بناء على سلوكيات معينة تحظى بالاهتمام والاحترام وتوثق العلاقات الاجتماعية بين الناس فمن خلال زي واحد يمكننا دراسة التاريخ الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع).
وظلت الأزياء اليمنية المفضلة في شبه الجزيرة العربية والأقطار العربية إلى أن ذاع صيتها في بلاد الصين. فصناعتها أتقنتها معامل يمنية ونسجت خيوطها أنامل ماهرة وحتى منتصف القرن الماضي كان ينطبق على المجتمع اليمني «نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع» حيث كانت واجهات محلات وأسواق بيع الملابس في اليمن تزينها الأزياء التقليدية الوطنية ولم يعرف المجتمع اليمني ملابس سواها خاصة وأن تشكيلها وخامتها ارتبط بالبيئة الاجتماعية وتنوعت بتنوع مناخ المناطق اليمنية وأذواق سكانها فاختلفت من محافظة إلى أخرى بل إنها تنوعت على مستوى قرى ومناطق المحافظة الواحدة لتصل إلى مئات الأنواع.
أدرك الإنسان اليمني بفطرته منذ القدم ضرورة انسجامه مع بيئته وتجاوبه مع معزوفاتها الطبيعية ففي المناطق الجبلية الباردة استطاع تكييف حياته وفقا لمناخها فبني البيوت العالية ذات النوافذ الضيقة والسقوف المنخفضة ووضع لها هندسة معمارية خاصة تمنحه اعتدال هوائها في أي من فصولها المناخية ونسج ملابسه أيضا من أصواف الأغنام وشعر الماعز ومن ألياف القطن والكتان ولعله أدرك في مرحلة مبكرة أن تلك الحضارة لا يصنعها سوى تفاعله الخلاق مع المكان وأن تواؤمه مع المكان سيجعله أكثر فاعلية لخطة سعيه إلى إنتاج احتياجاته.
فمثلما هو الحال بالنسبة للعمارة اليمنية وتنوعها بحسب البيئة الطبيعية والمناخ فإن الأزياء الشعبية أيضا قد حددتها الظروف الطبيعية والمناخية لحياة السكان من حيث الشكل والنوع. ففي مدن ومناطق السهول الساحلية (يكون الزي خفيفا وواسعا غير ضاغط على الجسم) وفي مناطق الهضاب المنخفضة تكون متوسطة في سماكتها وحجمها أما في مناطق الجبال والمرتفعات فيستخدم اللباس الغليظ والكثيف كما أن هذه الملابس والأزياء كانت تتميز باختلافها بحسب المكانة والوضع الاجتماعي للفرد وتشكل الأزياء الشعبية لوحة جميلة ومتنوعة الأشكال تكتمل روعتها بارتداء وسائل الزينة كالتمنطق بالجنابي والخناجر والسيوف عند الرجال وبالحلي الفضية والذهبية عند النساء.
* الأستاذ المساعد بكلية الفنون الجميلة جامعة الحديدة
ورئيس قسم التصميم الداخلي