الثورة وقدسية الوحدة
أحمد يحيى الديلمي
أحمد يحيى الديلمي –
المتابع لمسارات الحركة الوطنية في اليمن بدءا بالثورة الدستورية فبراير 1948م مرورا بثورتي 26 سبتمبر 1962م و14 اكتوبر 1963م وانتهاء بثورة الشباب فبراير 2011م سيقف أمام حقيقة هامة لا يمكن لأحد تجاهلها أو التشكيك في مصداقيتها لأنها ماثلة في ذاكرة تاريخ هذا الوطن ممثلة في الخيار الأزلي لوحدة المصير والغاية والهدف بين أبناء الشعب اليمني الواحد تجذر الفكرة في القلوب والأذهان سهل عملية تحويلها إلى سلوك وممارسة في الحياة اليومية إضافة إلى كونها محور قوة النضال والتآلف والتكامل على المستوى الشعبي رغم حالة الانقسام والتشطير المفروضة من أنظمة الحكم وأصحاب المصالح الخاصة ممن يعبدون اللحظات النفعية ومن يليهم من تنابلة السلطة.
هذا الأمر جعل الحكومات الشطرية في حالة غياب عن الشعب تتأرجح بين الوجود واللاوجود بينما عامة الشعب في المحيط الجغرافي للوطن اليمني موحدون تلقائيا.. القلوب والمشاعر موحدة تتحدى نقاط التفتيش ومتاريس العزلة الوهمية.. وهذا هو أساس التجاذب الملحمي وعشق الثورة حيث غدت الثورة فكرا متجددا ملأت مفرداته ذاكرة كل اليمنيين وتشكلت في وعي وثقافة كل مواطن من أقدم العصور.
هذا التلازم جعل وحدة الوطن والشعب في مقام الهوية الذاتية وأحد شروط إثبات الوجود.
وأهم عوامل رفض حالة الاغتراب والتشطير القسري ومداخل الفهم الواعي لطبيعة الانتماء والولاء للوطن الواحد.. كانت البداية في زمن الانجليز والإمامة لتنبه الجميع إلى خطورة الانقسام فكانت أول خطوة لتشكيك ذهنية الرفض والمقاومة التي جعلت عدن الحبيبة حضنا دافئا لفكر الثورة وهيأت المناخ الملائم لعالم الدين المستنير وشيخ القبيلة الواعي والضابط الغيور والسياسي المكلوم والأديب والشاعر المتطلع إلى التوحد التقت فئات الشعب وأصبحت في حالة استنفار عمقت الحاجة إلى الثورة كفعل قدري معبر عن إرادة كل اليمنيين فتحولت رغبات التغيير من شأن سياسي محدود إلى ثورة اجتماعية عارمة.
هذا التوجه الصادق لا وجود له في بيانات اللجان واتفاقات القادة لكنه أزلي متغرس في أعماق كل مواطن احتل ركنا هاما في ذاكرة تاريخ الوطن وتعزز بالتضحيات والدماء التي سالت في سهول تهامة وجبال المحابشة من أولئك الشباب الذين هبوا لنصرة ثورة 26 سبتمبر من كل المحافظات والمناطق الجنوبية الشرقية فأي دليل على التوحد أعظم من أنهار الدم وتكامل الأهداف ووحدة الغايات لقد كان التمسك الواعي بجوهر الثورة أساس قدسية وحدة الأرض والإنسان في اليمن في كل الظروف الصعبة والمراحل الخانقة ظلت الوحدة ماثلة في ذهن المواطن اليمني من المهرة إلى صعدة.
من حالة التلازم الناصعة بين الثورة والوحدة نستدل على المدخل الحقيقي لتجاوز كافة المظاهر المخلة التي تحاول العودة بعجلة التاريخ إلى الوراء.
أنا على يقين أن بعض القوى تمارس الشحن الطائفي وتجعل التباكي على الوحدة ودعوى الدفاع عنها مدخلا لتوتير الأجواء وإثارة العداوات ضد المنجز التأريخي العظيم والمطلوب من كافة القوى الوطنية الصادقة أن تتنبه لمثل هذه المساعي الخبيثة من بعض شذاذ الآفاق المجردين من المشاعر الإنسانية والولاء الصادق للوطن.. وأن تجعل من ذهنية الثورة العامة التي تشكلت في فبراير 2011م عندما توحدت قلوب كل اليمنيين ونبضت بالحيوية والتحدي لتظل جذوة الثورة متوهجة حتى تسقط كل ركائز الظلم والجبروت وتعيد كافة الحقوق إلى أصحابها أن أخشى ما أخشاه أن تتمكن القوى المتربصة من الاستحواذ على الثورة وتحويلها إلى عاصفة هوجاء تدمر كل شيء لا سمح الله والرد الحاسم هو التمسك بالثورة والإبقاء على كل المعالجات وتجاوز الأخطاء تحت سقف الوحدة.
والله من وراء القصد.