الواقع والأسطورة (21)

أحمد يحيى الديلمي

 - التعددية والشراكة المبكرة
دل قانون صنعاء على حالة استباقية متقدمة في التعامل التجاري في أسواق صنعاء فقد أورد القانون في فقرات تحديد أجور الحرفيين وأصحاب المهارات بنودا خاصة دلت على الانفتاح في التعام
أحمد يحيى الديلمي –
التعددية والشراكة المبكرة
دل قانون صنعاء على حالة استباقية متقدمة في التعامل التجاري في أسواق صنعاء فقد أورد القانون في فقرات تحديد أجور الحرفيين وأصحاب المهارات بنودا خاصة دلت على الانفتاح في التعامل بكل أبعاده التي شملت غير اليمنيين من خلال واجبات ومسئوليات المتواجدين في السوق من جنسيات غير يمنية فقال: «يتحمل أهل المهر» الصناعيين والحرفيين من:
* أهل الشام «مفهوم واسع للقادمين من منطقة الهلال الخصيب».
* الذميين.. «اتباع الديانات غير الإسلامية».
* البنيان «القادمون من الهند بمضمونها الواسع».
وغيرهم من الأعراب المتواجدين في السوق ما تقدم ذكره من جرم الحرس ما يعتادونه أربعة وأربعين قرشا عددية وسياقها قرشين ونصف وربع الجملة ستة وأربعين قرشا وربع ونصف ووردت في أكثر من موضع عبارة بقصد المماثلة بين اليمنيين والجنسيات الأخرى العاملة في السوق.
هنا تكمن عظمة المشهد لأنه جسد التعدد والشراكة والتنوع في زمن مبكر قبل أكثر من 300 عام بشر جمعتهم المصلحة وخضعوا لقانون واحد السائد في السوق وهو مقياس واضح للسبق الذي أحرزه اليمنيون في هذا الجانب .. التعايش السلمي وتبادل المصالح والمنافع قبل وجود منظمة التجارة العالمية وقوانين منظمة الأمم المتحدة بمئات السنين وفي هذا دلالة على أن حرية التجارة تفرض نفسها كلما توفر العدل الذي يحفظ الحقوق من السهل تداخل الجنسيات وتعدد المصالح دون الحاجة إلى إجبار الناس على الانقياد لثقافة واحدة.
المشهد جسد الانفتاح على الآخر وأتاح الفرصة أمامه للعمل والعيش الكريم قبل ابتداع جوازات السفر وسمات الدخول والإقامة المسبقة.

أولى تمثيليات تجارية
كما أسلفنا كان ميناء المخا أول منفذ تجاري في المنطقة بشكل عام وبلغت شهرته الذروة عندما زاد إقبال الناس على نقل البضائع عبر البحر إذ تقول المصادر أن المتوكل على الله إسماعيل استفاد من هذا التوجه ومن قوانين محفزة ضاعفت نشاط الميناء ومن الخطوات التي أقدم عليها السماح لعدد من الدول بفتح تمثيليات تجارية في مدينة المخا وهي بريطانيا وفرنسا وروسيا وإيطاليا والبرتغال وكانت تدير تجارتها مع دول الجزيرة والخليج والقرن الأفريقي بينما اكتفى الإمام بأخذ رسوم على السفن التي ترسو في الميناء ورسوم أرضية على المواد التي تخزن في الميناء حتى يتم نقلها بواسطة قوافل الجمال إلى الدول التي تم استيرادها باسمها.
في هذا الجانب يعيد صنعاء سبب الثروة التي ظفرت بها أسرة بيت السنيدار لأن جد الأسرة تعين مندوبا للإمام في مدينة المخا وكان مسئول عن استيفاء الرسوم الخاصة بالدولة تبعا للمقاييس التي أسلفنا.

تحولات سلبية
في أزمنة لاحقة حدثت تحولات سلبية أضعفت مكانة مدينة المخا بسبب ضيق الأفق وإلغاء قوانين الانفتاح والعدل استنادا إلى جهل وغباء المسئول الأول الذي يستغل مبدأ التوارث ويصل إلى سدة الحكم على حين غفلة من الزمن وهو يفتقد إلى أبسط مقومات أهلية البقاء في الحياة مع ذلك يجد نفسه صاحب الأمر والنهي المتحكم في المصائر.
خروج المخا من خارطة الاهتمام
تقول الروايات أن أحد الأئمة استطاع في عام ونصف أن ينسف كل البنية التحتية للتشريعات والأنظمة التي وضعها المتوكل على الله إسماعيل خلال أربعة عقود من الزمن وعلى وجه الخصوص التشريعات الخاصة بميناء ومدينة المخا التي كانت أساس توثيق العلاقة وتنشيط التجارة بين اليمن وعدد من الدول ذات النفوذ القوي والحضور الفاعل في السياسة الدولية والاقتصادية..
فالإمام الجديد عجز عن فهم أبعاد العلاقات بين الدول والشعوب وما تمثله آفاق إنسانية تعمق التواصل وتعزز الصلات وتقرب وجهات النظر لخلق مقومات التجارة وتبادل المنافع والمصالح كل هذه المفاهيم يبدو أنه عجز عن فهمها فكانت النتيجة كارثية.. هذا الإمام حصر كل اهتمامه في جباية الأموال وزيادة الموارد لأنه كان في أمس الحاجة إليها لكسب تأييد الناس له وشراء الضمائر وتقديم المنح والعطايا لكل القوى الفاعلة لضمان سكوتها ليضمن طول البقاء من أجل هذه الغاية أمر برفع الرسوم المقررة إلى أضعاف مضاعفة ولم يكتف بهذا الأجر لكنه ألزم العاملين في التمثيليات التجارية بدفع الجزية بالقدر الذي رآه.
هذه التصرفات الرعناء كانت أساس نكبة مدينة المخا لأن هذه الدول بادرت إلى البحث عن بديل فأقدمت بريطانيا على احتلال جنوب الوطن وبادرت فورا إلى إنشاء ميناء عدن وجود الميناء الجديد بموقعه الاستراتيجي عطل تماما ميناء المخا فانعكست الحالة على م

قد يعجبك ايضا