البردوني واليمن.. وطن يؤلفه الكلام(2-1)
هشام علي بن علي
هشام علي بن علي –
يقول غوته في »الديوان الشرقي« »من يود فهم شاعر فليذهب إلى بلاد الشاعر«.
ولكن كيف يمكننا فهم شاعر إذا كان هذا الشاعر متوحدا مع بلاده لاتراه إلا منغرسا في طين الأرض متشحا برائحة حقولها وأوديتها بل إنك لاترى اليمن إلا ووجه الشاعر عبدالله البردوني حاضر أمام عينيك كأن مرآة اليمن لاتحمل سوى وجه البردوني. كيف نفصل بين الشاعر وبلاده كيف نفك هذا التوحد والاتصال عند شاعر استثنى مثل هذا الفصل حين جعل عنوان إحدى قصائده: »إلا أنا وبلادي«.
هل يمكن أن نخترق هذه الوحدة وأن نبحث عن الشاعر الصانع الكاتب المؤلف لهذا الوطن شعرا وكتابة وحلما. الشاعر ينشئ الوجود أو يكتبه إنشادا أو أنه يصغي لأصوات الطبيعة ويعيد ترديدها شعرا. أهو الإيحاء الشعري أم أصوات الجن في وادي عبقر أم أنها غواية الشعر وسحره توقظ في النفس حنينا لعنف البدايات والإبداع والتأسيس حينها تختلط الدهشة بالكلام فيسيل الشعر مثل الماء . الشعر تأسيس للوجود بالكلمات الدهشة والتأسيس هما ما يجمع الشعر والفلسفة. لهذا طرد أفلاطون الشعراء من جمهوريته¿
قد يبدو هذا التقديم مفرقا في البعد عن الموضوع فنحن لا نبحث في قضايا الشعر المطلق وعلاقات الشعر بالوجود أو الفلسفة أو الكينونة والتاريخ. ولكن تعمدتاختيار هذا المدخل للولوج إلى العالم الشعري للبردوني أو لتحقيق مقارنة عامة للبردوني تحرر القراءة من حصار النقد الذي فرض حدودا ضيقة لفضائه الشعري أصبحت يوما إثر آخر قيدا يعيقنا عن تحقيق قراءة ديناميكية متحررة من عصا الأعمى الذي تحول من أفق رحب محتمل إلى كومة ضيقة ضئيلة مضيئة في وسط الظلام لقد حاصرنا البردوني بقيود الطبيعة ثم اضفنا قيدا إلى قيد العمى الأيديولوجي أو العشى السياسي الذي لا يملك سوى رؤية أحادية البعد حرمتنا من لذة القراءة الشاملة لشعر البردوني القراءة المتحررة من العمى البصري والعمى الايديولوجي أو السياسي..لقد ضاق البردوني بهذا الحصار المفروض عليه لم يضق بالعمى الذي قدر له بل ضاق بمحاصرته والنظر المحدود له كشاعر: أعمى حتى أنه كان يرفض مقارنته بشعراء عظماء مثل أبي العلاء المعري يرفض أن يكون العمى اساسا للمقارنة. فالشعر أو الإبداع بشكل عام هو اقتحام المجهول بالرؤيا والتجلي لا بالرؤية والإبصار. يولد الشعر في لحظة لقاء تحجب الوجود وانكشافه في لحظة إشراق وتوهج.
كان