قــصــائــد فــي الــذاكــرة

عرض خليل المعلمي

عرض/ خليل المعلمي –
يعتبر الدكتور حاتم الصكر من أهم النقاد في المشهد الثقافي العربي حاليا كما أنه ممن أسهموا في ارتقاء الخطاب النقدي العربي وله حضوره الفاعل في الساحة الأدبية والعديد من المؤلفات المتقدمة في منهجها النقدي وعلى الرغم من أنه يعتقد بأهمية السعي إلى إزالة الحدود بين الأجناس والأنواع الأدبية إلا أنه ينحاز إلى الشعر لإيمانه بأنه العصرية الحقيقية للثقافة العربية.
ويأتي كتاب “قصائد في الذاكرة” والصادر عن مجلة دبي الثقافية في عددها أغسطس 2011م. أحد مؤلفاته التي تتناول قضايا الشعر والسرد حيث يستدعي ذاكرته الشعرية في المشهد الشعري العربي..
ويبحر الدكتور حاتم الصكر بذاكرته في الزمن الجميل مع قصائد لم يكن اختيارها خبط عشواء بل عبر ذاكرة واعية مدركة قادرة على التقاط جوهر المعنى من النص أثناء النظرة الأولى إليه.. لينشأ ذلك الحب الأسطوري المتولد من النظرة الأولى.. وسنستعرض من ذاكرته بعض القصائد لعدد من الشعراء:

خبز وحشيش وقمر
يبدأ الدكتور حاتم الصكر في كتابه بقراءة لقصيدة الشاعر نزار قباني “خبز وحشيش وقمر” التي ظلت بعد أكثر من نصف قرن تمتلك حضورا استثنائيا وديمومة قل أن تمتلكها قصيدة بعد ذلك الزمن كله وقد تم نشرها في مجلة الآداب البيروتية عام 1954م ثم نشرت في ديوان “قصائد من نزار قباني” عام 1956م.
ومما قاله الدكتور الصكر حول هذه القصيدة: أغلب الظن أن القصيدة عكست بهيجانها الصوري واللغوي وتوالي قوافيها المقيدة- الساكنة ما عاناه الشاعر من هيجان شعوري ونفسي حين رأى خلال عمله دبلوماسيا ما وصل إليه الغرب وقارن ذلك بحال أوطاننا لذا جاء الخطاب الشعري الرافض للواقع استشراقيا يقابل الشرق بالغرب.
عندما يولد في الشرق القمر
فالسطوح البيض تغفو
تحت أكداس الزهر
يترك الناس الحوانيت ويمضون زمر
لملاقة القمر
يحملون الخبز والحاكي إلى رأس الجبال
ومعدات الخدر
ويبيعون.. ويشرون.. خيال
وصور..
ويموتون إذا عاش القمر

أنشودة المطر
وينتقل الدكتور الصكر بذاكرته إلى قصيدة “أنشودة المطر” لبدر شاكر السياب وكانت لهذه القصيدة مكانة فائقة الأهمية في نفسه وبين نصوصه الشعرية جعلته يضع عنوانها لديوان أصدره في بيروت عام 1960م.
ويرى الدكتور الصكر بأن هذه القصيدة تمثل ذروة التجديد الشعري الذي يمتح من الأسطورة والرمز ويبقي على جماليات الغنائية الموسيقية ويخفي المعنى الثوري المقصود في القصيدة بكونها قصيدة سياسية في المقام الأول ويعد بالثورة في ختام القصيدة وبعد فراغ وانتظار تمثلهما المساحة البيضاء التي تركها بين المقطع الأخير وجملة الختام “ويهطل المطر”.
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
وكل دمعة من الجياع والعراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على فم الوليد
في عالم الغد الفتي واهب الحياة”.
ويهطل المطر..

إرادة الحياة
ومما يراه الدكتور الصكر حول قصيدة “إرادة الحياة” للشاعر أبي القاسم الشابي أن ما حظيت به هذه القصيدة من اهتمام يستوقف قراءة الشابي للبحث عن تعليل يتجاوز شهرتها التي تعود لأسباب غير شعرية فقد كانت لعقود تتصدر البيانات الثورية وأجواء الانقلابات فصارت أغنية يشير تكرارها في الإذاعات إلى تغيير ينسب للشعب تحقيق إرادته وتحدي قدره الذي يراد له برغبة حاكم أو نظام ولكن هذه الإرادة كانت في قصيدة الشابي مشروطة بدليل تصدر أداة الشرط “إذا” للأبيات:
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
وفي مفتتح محاضرته التي طورها كتابا بعنوان “الخيال الشعري عند العرب 1930م: يقول الشابي “لقد أصبحنا نتطلب حياة قوية مشرقة ملؤها العزم والشاب ومن يتطلب الحياة فليعبد غده الذي في قلب الحياة.. أما من يعبد أمسه وينسى غده فهو من أبناء الموت وأنضاء القبور الساخرة”.
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي
ولا بد للقيد أن ينكسر
ومن لم يعانقه شوق الحياة
تبخر في جوها واندثر

أحن إلى خبز أمي
ومن القصائد الهامة التي تقبع في ذاكرة الدكتور حاتم الصكر هي قصيدة ” أحن إلى خبز أمي” لمحمود درويش فيقول: لم يكن استخدام محمود درويش لمفردة الأم استخداما رمزيا يحيل إلى الأرض أو الوطن فحسب بل هو استخدام عاطفي يمجد الأرض ما يستحقه الحياة لذا سيخجل من موته الذي يثير دمع أمه كما يعيده الحنين إلى ما ارتبط بتلك الأم من لوازم خبزها وقهوتها ولمستها.
فالأم عند درويش حاضرة مبكرا في قصائده حيث يتطور وجودها ودلالاتها عبر تجربته الشعرية التي بدأها بديوان “أوراق الزيتون” 1964م و”عصا

قد يعجبك ايضا