ما أشبه الليلة بالبارحة !!
أبراهيم الحكيم
أبراهيم الحكيم
إبراهيم الحكيم
لا أدري إن كانت من سخريات القدر أم من مفارقاته اللافتة للنظر والموجبة للتفكر والتدبر..أن يعيش اليمن اليوم أزمة خانقة وطاحنة تشبه أزمته نفسها قبل 33 عاما على مختلف المستويات والصعد وتكاد تتطابق مع الحاصل اليوم في الظروف والأطراف والوسائل والأدوات والأهداف والغايات وفي بعديها الخارجي الداخلي أيضا.
لكني أعلم يقيناأن الماضي ليس من سقط المتاع وحضور قصصه في القرآن الكريم تأكيد لأهمية الماضي في فهم الحاضر وبنائه وتشكيل المستقبل ومساره بالاتعاظ من أخطاء الماضي والبناء على إيجابياته.. وأن السبب الأبرز لتكرر الأخطاء في حياة المجتمع هو جهل أجياله بأخطاء أسلافه وهذا بالضبط ما تلحظ مظاهره ماثلة بقوة اليوم محليا.
تلحظ أن الشباب وهم الذين يتصدرون أو يصدرون شكلا لا مضموناواجهة الأزمة التي تعيشها بلادنا منذ ستة أشهر.. لا يعرفون -أو لا يراد لهم أن يعرفوا- ماضي أطراف هذه الأزمة.. وتدرك أن عدم درايتهم بالمسار السياسي لبلادهم ومنعطفاته الطاحنة والعصيبة سهلت تحويل ساحاتهم -مع الأسف- من «ساحات تغيير» إلى «ساحات تغرير».
ولو أن الشباب في هذه الساحات والذين لا تزيد أعمار جلهم عن 25 عاما كانوا يعلمون أو يلمون بملامح المشهد السياسي لبلادهم قبل 33 عاما لأدركوا من تلقاء أنفسهم ودون إيحاء من أحد أنهم ومطالبهم المشروعة بالتغيير صاروا أدوات بريئة تستغلها أطراف وقوى غير نزيهة تعيد إنتاج نفسها اليوم وتتخذهم جسرا للوصول للسلطة.
لا يعرف جل الشباب في الساحات أن اليمن قبل 33 عاما كان لا يزال يعاني تداعيات تغيير رأسي كبير في بنية المجتمع بدا جذريا وشاملاإنما لا يوازيه تغيير أفقي في الوعي ويواجه تحديات جسيمة مع ما خلفته الثورة (26 سبتمبر و14 أكتوبر) من فراغ بنيوي لمؤسسات الدولة وانعدام للسيادة وافتقاد للآليات السلمية لتشكيل السلطة.
ولا يعرفون أن تزامن هذا الفراغ مع احتدام الصراع الدولي المحموم قبل 33 عاما لفرض الهيمنة على المنطقةبين المعسكر الشرقي الاشتراكيبزعامة الاتحاد السوفيتي والمعسكر الغربي الليبرالي بزعامة الولايات المتحدةقد أحال اليمن ساحة للصراعات بين تيارات وتنظيمات فكرية وسياسيةيجمعها: انفصام الهوية وتعصب الرأي وتطرف الرؤية وعنف الوسيلة.
وقد يعلم بعض الشباب بحجم الصراعات الدولية قبل 33 عامالكنه قد لا يلم بانعكاساته وتأثير قواه الإقليمية بالمنطقة على اليمنفي انشطاره سياسيا إلى دولتين متصادمتينوتغذية نزاعاته الداخلية بين التيارات والتنظيمات:اليسارية الاشتراكية واليمينية الأصولية المتطرفةبجانب القوى البالية: الإقطاعية البرجوازية والمشيخية القبلية والعنصرية السلالية.
ولعل الشباب لا يعلمون ما سببته تلك الصراعات السياسية والفكرية الطاحنةمن:انفلات أداري وأمني تام واضطراب وتوتر سياسي عام واختناق اقتصادي وخدمي جامودورات عنف وتصفيات دموية جماعية لكل ذي رأي معارضتجاوزت الإطاحة بثمانية رؤساء لليمن الجمهوري في الشمال والجنوب خلال 20 عاما في 4 انقلابات عسكرية بيضاء و4 انقلابات حمراء دموية.
وربما يفاجأ الشباب بمعرفة أن «التغيير» الذي يمثل واجهة وربما عنوان الأزمة الراهنة كان أيضا عنوان أزمة اليمن الطاحنة قبل 33 عاماوظل هو «الشعار» أو القاسم المشترك لجميع أطراف الأزمة وإن اختلفت صياغاتهتبعا لاختلاف مفهوم كل طرف للتغيير وغاياته وتباعا اختلاف رؤيته لمساراته وأولوياته ومنظوره لأدوات أو وسائل إحداث هذا التغيير في المجتمع.
كذلك قد لا يعلم الشباب أن أدوات صراعات السلطة قبل 33 عاما هي نفسها اليوم بدءا من عدم الاعتراف بالآخر ومحاولة إقصائه وإزاحته بالقوة ومرورا بسعي كل طرف لفرض نفسه باستخدام العنف ودعاية الترويع عبر النشرات والمنشورات والإذاعات المتنقلة والموجات القصيرة (FM) والنهب والتقطع للطرقات والتخريب للممتلكات والتفجير للسيارات والمقرات.
بل أن أدوات قوى صراعات السلطة قبل 33 عاما في شمال الوطن وجنوبه على حد سواء شملت أيضا: زرع الألغام في الطرقات والحقول وتسميم آبار المياه ومداهمة المنازل واختطاف المعارضين واعتقال المناوئين وتهديد غير المناصرين والاغتيالات والتصفيات الجسدية علاوة على المواجهات المسلحة بمختلف أنواع الأسلحة الفتاكة والمدمرة.
وقد يغيب عن وعي الشباب أن تلك الصراعات السياسية العنيفة والدامية ودورات الاغتيالات والتصفيات وحمامات الدماء التي طالت الشخصيات الفكرية والأدبية والدينية والاجتماعية وكل من تصادمت آراؤه مع تلك التيارات الفكرية والسياسية المتطرفة والنظم الشمولية الحاكمة في شمال وجنوب اليمنكان يمكن أن تستمر لولا التحولات التي تلت