الإمامة في‮ ‬مواجهة مكونات النضال قراءة في‮ ‬نشأة المعارضة

كونوا‮ (‬أول جمعية للأمر بالمعروف‮) ‬فانتفض الأب وهددهم الابن بالدم فردوا بتشكيل‮ (‬حزب الأحرار‮)‬

عدم استيعابه لطموحهم الوطني‮ ‬أوصلهم لقناعة بضرورة الخلاص منه

‬> تفاصيل مثيرة عن خلايا‮ (‬التجار الأحرار‮) ‬وأدوار عبدالغني‮ ‬مطهر وبيت هائل
‬> ‬إبان حصار صنعاء أعلن نداء التطوع‮ .. ‬فهب ‮٠٢ ‬ألفا من عدن والضالع وردفان وحضرموت
‬> ‬كبار فناني‮ ‬عدن تبرعوا بحفلات لصالح صنعاء‮ ‬والعمال والطلاب وقود المقاومة الشعبية

‮❊ .. ‬صحيح أن هزائم الإمام‮ ‬يحيى حميد الدين عام‮ ‬1934م وعجزه عن حماية الوطن من النهش والامتهان مثل عامل استفزاز قوي‮ ‬للمتنورين‮.. ‬إلا أن تحركهم إلى فعل المواجهة وبذاك الشكل الواعي‮ ‬لمتطلبات هذا التحرك دلل على وجود اشتغال مكتوم ظل ملازما لنفسيات هؤلاء المتنورين من اليمنيين منذ ما قبل ذلك‮.‬
في‮ ‬ذلك الحين تشكلت لحظة الانفجار الأولى على الذات رفضا للقبول والاستكانة دون القيام بأي‮ ‬دور‮.. ‬وليصير الفعل بعدها إلى صيغة مختلفة هزت أركان النظام الإمامي‮.. ‬حين ظهرت أول محاولة للاشتغال على العمل المعارض المنظم ضد الإمام‮ ‬وبدء خطوات مسار الحركة الوطنية النضالية ضد ديكتاتوريته‮ ‬وإقصائه للآخرين‮.‬
جمع الهم الوطني‮ ‬أعدادا من الأحرار‮.. ‬فساروا بهدفهم خطوات طويلة من النضال اتسمت بالكثير من التحولات‮.. ‬رافعين في‮ ‬البداية شعار الإصلاح‮.‬

حينها كانت عوامل النهوض بالمجتمع عند درجة الصفر‮.. ‬مستوىٍ‮ ‬بائس للنظام التعليمي‮ ‬ومواقف متزمتة من الأفكار العصرية ومن المطالب الإصلاحية المتواضعة واتهام أصحابها بالكفر والعمالة وممارسة الإرهاب ضدهم جعلهم‮ ‬يقفون معه على طرفي‮ ‬نقيض حسب الدكتور أحمد قايد الصائدي‮ ‬في‮ ‬كتابه‮ (‬حركة المعارضة اليمنية في‮ ‬عهد الإمام‮ ‬يحيى بن محمد حميد الدين‮) ‬والذي‮ ‬يضيف أن الظروف المحيطة بهم التي‮ ‬جعلتهم‮ ‬يعيشون‮ – ‬بأفكارهم وطموحاتهم‮ – ‬في‮ ‬غربة وتناقض مع القيم السائدة وعدم قدرتهم على تصحيح تلك القيم بما‮ ‬ينسجم مع أفكارهم بسبب وقوف النظام القائم إلى جانبها مما جعلهم‮ ‬يرون في‮ ‬ذلك النظام‮ – ‬المتمثل في‮ ‬شخص الإمام‮ ‬يحيى وأولاده‮ -‬العقبة الرئيسية التي‮ ‬لو زالت لانفتحت الطريق أمام عملية الإصلاح ولتمكنوا من تحقيق ذواتهم‮ ‬مشاهد الظلم التي‮ ‬يرونها أثناء حياتهم اليومية والتي‮ ‬يلحقها النظام بالمواطنين البؤساء‮ ‬كما أن‮ «‬إحساسهم بركاكة النظام أمام الأعداء الخارجيين وعجزه عن حماية التراب الوطني‮ ‬على رغم ما‮ ‬يبديه من قوة وعنف في‮ ‬إسكات معارضيه في‮ ‬الداخل‮».. ‬وكلها أسباب ولدت حالة من التذمر لدى المتنورين ضد الإمام‮.‬
يقول عبدالوهاب محسن صالح جلبوب وهو أكاديمي‮ ‬أنجز في‮ ‬العام‮ ‬2008م بحثا حول حركة المعارضة اليمنية في‮ ‬عهد الإمام أحمد‮ ‬1948‮-‬1962م‮: «‬بدأت نزعات المعارضة ضد الحكم الإمامي‮ ‬تأخذ طابعاٍ‮ ‬علنيٍا نسبيٍا في‮ ‬بداية الثلاثينيات حيث كانت هزائم الإمام‮ ‬يحيىى سنة‮ ‬1934م سببٍا مباشرٍا لبروز المعارضة‮ ‬فتعالت أصوات القوى المستنيرة في‮ ‬المجتمع منتقدة ومستنكرة ما حدث‮ ‬وتحول الانتقام والاستنكار إلى حركة معارضة‮».‬
} } } }
عمد مجموعة المتنورين الأحرار إلى ممارسة النقد أملا في‮ ‬أن وصوله إلى الإمام‮ ‬يمكن أن‮ ‬يدفعه إلى تغيير أسلوبه في‮ ‬الحكم‮.. ‬ووجدوا في‮ ‬خلق التكوينات الحاضنة لهم والمنظم لنشاطهم المتنفس الموضوعي‮ ‬بالتزامن مع إيجاد وسائل إعلامية‮ ‬ينشرون من خلالها آراءهم النقدية‮.. ‬ويذكر الدكتور صادق عبده علي‮ ‬في‮ ‬كتابه‮ (‬الحركات السياسية والاجتماعية في‮ ‬اليمن‮) ‬إن المعارضة لحكم‮ ‬يحيى حميد الدين بدأت عن طرق تأسيس‮ «‬جمعية الأمر بالمعروف والنهي‮ ‬عن المنكر‮» ‬بالحجرية في‮ ‬نادي‮ ‬الثقافة عام‮ ‬1934م‮»‬‮ «‬وفي‮ ‬عام‮ ‬1936م تشكلت‮ «‬الجمعية الأدبية‮» ‬بصنعاء ثم تشكلت في‮ ‬التربة الجنوبية جماعة‮ «‬أنصار الأدب‮».‬
كان هدف رواد هذه الجماعات تطوير الأدب في‮ ‬البداية إلا انهم ما لبثوا أن بدأوا في‮ ‬الكتابات السياسية فانتقدوا السلطة المطلقة للإمام ونظام الضرائب‮.. ‬قبل ذلك بعام كانت قد ظهرت في‮ ‬تعز‮ «‬جمعية المشايخ متزامنة مع‮ «‬هيئة النضال‮» ‬التي‮ ‬أسسها أحمد المطاع في‮ ‬صنعاء‮…» ‬حسب الدكتور علي‮ ‬مطهر العثربي‮.. ‬ويعتبر عبدالوهاب محسن صالح جلبوب‮. ‬هيئة النضال أول الجمعيات ظهورا في‮ ‬صنعاء سنة‮ ‬1935م‮.‬
وعلى الرغم من أن تلك المرحلة من الحركة الوطنية اقتصرت على المطالبة بالإصلاح ثم التحول إلى التوعية والتنوير في‮ ‬أوساط الوطنيين إلا أن ذلك لم‮ ‬يحل دون قيام الإمام‮ ‬يحيى بممارسة رغبته في‮ ‬إسكات أي‮ ‬صوت‮ ‬يتضمن رأياٍ‮ ‬معارضاٍ‮ ‬أو ناقد لحضرة الإمام‮.. ‬لتشن سلطته ضدهم حملة تشويه تضمنت اتهامهم بمحاربتهم للدين وسعيهم لاختصار القران‮.. ‬قبل أن‮ ‬ينتقل مستوى استهدافهم الى الملاحقة والاعتقالات‮.. ‬ففي‮ ‬عام‮ ‬1936م‮ «‬تم اعتقال طلائع الأدباء الأحرار بعد أن شكلت أول جمعية سرية تنادي‮ ‬بالإصلاح في‮ ‬اليمن فروعها ذبحان‮ ‬تعز‮ ‬إب‮ ‬صنعاء وكان في‮ ‬مقدمة المعتقلين في‮ ‬صنعاء الشهيد أحمد بن أحمد المطاع وفي‮ ‬ذبحان أحمد محمد نعمان الذي‮ ‬سجن في‮ ‬تعز‮».. ‬كما اغتيل الشهيد أحمد عبدالوهاب الوريث مسموماٍ‮ ‬عام‮ ‬1939م على‮ ‬يد أحد أبناء الإمام‮ ‬يحيى‮.‬
‮ ‬المرحلة بطابعها العنيف هذا الذي‮ ‬فرضه الإمام‮ ‬يحيى على الوطنيين الأحرار شهدت نزوحا لبعض العناصر المتنورة إلى عدن حيث قاموا هناك بتكوين‮ (‬نوادُ‮ ‬شعبية‮).. ‬يذكر الكاتب والمناضل سعيد أحمد الجناحي‮ ‬إن الهدف منها كان‮ «‬لتسهيل استقبال الواصلين لإيوائهم‮».. ‬كما أنها شكلت‮ «‬مراكز نشاط اجتماعي‮ ‬وثقافي‮» ‬كان‮ ‬يتم فيها اللقاء والنقاش وتناقل‮ «‬الأخبار والأحداث في‮ ‬شمال اليمن وما‮ ‬يقوم به نظام الإمام‮».. ‬وفي‮ ‬مثل هذه الأندية وتحديدا في‮ «‬نادي‮ ‬الاتحاد الاغبري‮» ‬و»نادي‮ ‬الاتحاد الذبحاني‮» ‬في‮ ‬التواهي‮ ‬كان المناضلان أحمد محمد النعمان ومحمد محمود الزبيري‮ ‬يلتقيان العديد من الشباب فيلقيان عليهم محاضرات تهدف إلى‮ «‬التوعية وإثارة الحماس الوطني‮».‬
نزوح الأحرار هربا بفكرهم الإصلاحي‮ ‬المستنير من بطش الإمام‮ ‬يحيى حميد الدين ضدهم لم‮ ‬يمنع الإمام‮ ‬يحيى من ملاحقتهم والاتصال بسلطات الاحتلال البريطاني‮ ‬في‮ ‬عدن وإغرائها من اجل‮ «‬الضغط على قوى المعارضة‮ ‬وقد استجاب الإنجليز لذلك‮».. ‬غير أن ذلك لم‮ ‬يثن قوى المعارضة من الاستمرار في‮ ‬كشف عيوب النظام الإمامي‮ ‬البدائي‮ ‬وفضح ممارساته‮..‬ليصلوا في‮ ‬العام‮ ‬1943م إلى مواجهة تهديد الإمام أحمد وكان حينها ولياٍ‮ ‬للعهد‮ «‬بأنه سيسفك دماءهم ما داموا‮ ‬يحملون الأفكار‮ «‬العصرية‮»».. ‬ليكون ذلك بمثابة الإنذار للأحرار الذين تحركوا بشكل أسرع منه مشكلين‮ (‬حزب الأحرار اليمنيين‮).‬

حركة المعارضة
يقول أستاذ علم الاجتماع الدكتور أحمـد القصـير‮: «‬تبنى رجال حركة المعارضة أهدافا إصلاحية في‮ ‬إطار نظام الإمامة‮. ‬وظلوا ما بين‮ ‬1944م ومنتصف‮ ‬1947م‮ ‬يدعون إلى إلغاء المظالم وإلى إصلاحات دستورية‮ ‬بل وتم تسميتهم بالإصلاحيين الدستوريين‮. ‬وكان نشاطهم‮ ‬يتركز أساسا في‮ ‬مطالبة الإمام‮ ‬يحى وولي‮ ‬عهده الأمير أحمد بالإصلاح وإقامة الشورى والتخفيف من المظالم والضرائب‮».‬
يعتبر تكوين حزب الأحرار خطوة هامة في‮ ‬مسار الحركة الوطنية ونضال الأحرار ضد نظام الحكم الإمامي‮.. ‬ورغم عمره القصير إلا انه نجح في‮ ‬إحداث انقلاب في‮ ‬الفكر الوطني‮ ‬المنحاز إلى التحرر والإصلاح‮.‬
نشأة الحزب الذي‮ ‬عرف أيضا بـ‮ (‬حركة الأحرار‮) ‬والإعلان عنه تم‮ (‬حسب الجناحي‮) ‬في‮ ‬منزل الحاج محمد سلام حاجب في‮ ‬عدن عام‮ ‬1944م‮.. ‬رأس الحزب أحمد محمد نعمان وتولى الشاعر محمد محمود الزبيري‮ ‬المدير العام للحزب أي‮ ‬الأمين العام‮.. ‬ومع هذا الحزب تواصلت‮ «‬المطالبة بالإصلاح في‮ ‬إطار نظام الإمامة المتوكلية‮»‬‮ ‬حيث تأسس على جملة من المبادئ الإصلاحية كانوا اتفقوا عليها في‮ ‬صيف‮ ‬1942م حسب ما‮ ‬يرد في‮ ‬كتاب‮ (‬الحركات السياسية والاجتماعية في‮ ‬اليمن‮) ‬منها‮: ‬تشكيل ميزانية للدولة‮ ‬تشكيل جيش قوي‮ ‬وتحديد الصفة الرسمية للجنود‮ ‬زيادة رواتب الجنود‮ ‬الحصول على الضرائب الحكومية دون إتباع القوة‮ ‬الحفاظ على نقاوة الشريعة‮ ‬تصفية الفساد‮.‬
وقد ساعدت وسائل الإعلام في‮ ‬عدن على نشر برنامج الحزب‮.. ‬ومن خلالها أيضا أعلن الأحرار أهداف الحزب التي‮ ‬من أبرزها حسب الدكتور علي‮ ‬مطهر العثربي‮: ‬إنقاذ الأمة من المجاعة المهلكة‮ ‬والسماح للأمة ببث شكواها والجدال عن نفسها‮ ‬الأمر بالمعروف والنهي‮ ‬عن المنكر‮ ‬وإعفاء الأمة من الضرائب مدة فقرها‮ ‬إزالة الجفاء بين العسكر والرعية‮.‬
ويذكر سعيد الجناحي‮ ‬صاحب كتاب‮ (‬الحركة الوطنية اليمنية من الثورة إلى الوحدة‮) ‬ان أول نشاط مارسته قيادة حزب الأحرار كتابة رسالة إلى الإمام‮ ‬يحيى في‮ ‬التاسع عشر من‮ ‬يونيو‮ ‬1944م تضمنت أحد عشر مطلبا لمعالجة الأوضاع والمظالم التي‮ ‬يعاني‮ ‬منها الشعب‮.‬
ولم تسر الأمور للأحرار كما أرادوا إذ سرعان ما تم تجميد نشاط الحزب في‮ ‬ابريل‮ ‬1945م من قبل السلطات البريطانية بعد تدخل من الإمام‮ ‬يحيى‮.. ‬ليعودوا مرة أخرى إلى مشهد العمل التنظيمي‮ ‬في‮ ‬4‮ ‬يناير‮ ‬1946م تحت اسم‮ (‬الجمعية اليمنية الكبرى‮) ‬التي‮ ‬نادوا من خلالها أيضا إلى إجراء‮ «‬الإصلاحات في‮ ‬سياسات الإمامة وإدخال نظام من الشورى‮»‬‮ ‬وقد انتخب القاضي‮ ‬محمد الزبيري‮ ‬رئيسا للجمعية‮ ‬والأستاذ أحمد النعمان أمينا عاما‮.. ‬فيما أصدروا جريدة‮ (‬صوت اليمن‮) ‬كوسيلة إعلامية للجمعية‮ ‬وعبرها واصلوا عملية النقد لسياسات الإمام ومطالبتهم له بالإصلاح والتغيير‮.‬
ويذكر المناضل والمؤرخ للحركة الوطنية اليمنية سعيد أحمد الجناحي‮ ‬انه‮ «‬عقب الإعلان عن تأسيس الجمعية أصدرت بيانا إلى الشعب اليمني‮ ‬والعالم حددت فيه الأهداف الوطنية ورؤية الأحرار الجديدة لمجمل الشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية منطلقين من النقاط التالية‮: ‬الحرية المطلقة في‮ ‬حدود الشريعة الإسلامية‮ ‬النظام لجميع الدوائر الحكومية‮ ‬العدالة الاجتماعية بين الطبقات‮ ‬الأمن والسلام في‮ ‬المال والسلاح‮».‬
هكذا بدا مشهد البداية في‮ ‬مكوناته الحزبية والمدنية ويورد الدكتور أحمد قايد الصائدي‮ ‬في‮ ‬كتابه‮ (‬حركة المعارضة اليمنية في‮ ‬عهد الإمام‮ ‬يحيى بن محمد حميد الدين‮) ‬أنه‮ «‬عندما اشتد الصراع بين الإمام والمعارضة بين عامي‮ ‬44و1948م كانت المعارضة تتمثل بأفراد لا منظمة لهم وبمنظمات ثلاث‮: «‬هيئة النضال‮» ‬في‮ ‬صنعاء‮ ‬‮ ‬و»جمعية الإصلاح‮» ‬في‮ ‬إب‮ ‬‮ ‬و»حزب الأحرار‮» ‬في‮ ‬عدن‮ ‬وكان الهدف الذي‮ ‬يجمع المعارضين جميعا هو القضاء على حكم الإمام‮ ‬يحيى وأسرته‮».‬
} } } }
وبعد أن ثبت للأحرار أن مسار الخطاب السياسي‮ ‬ومحاولات لفت انتباه الإمام‮ ‬يحيى إلى أن هناك امة تْطحن‮ ‬يوما بعد‮ ‬يوم بسبب سياسته‮ ‬ومقابلة ذلك من قبله بالكثير من التضييق والاعتقالات والتهديد بالويل والثبور‮.. ‬لم‮ ‬يجد الأحرار بداٍ‮ ‬من إحداث تحول في‮ ‬سياستهم لتحقيق التغيير‮.. ‬ليصلوا إلى قناعة أنه من اجل بلوغ‮ ‬طموحهم الوطني‮ ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يكن بمقدور نظام الإمام القائم استيعابه لابد من التخلص منه أي‮ ‬من الإمام‮ ‬يحيى‮.. ‬وبالفعل وجد الأحرار في‮ ‬الانشقاقات والخلافات التي‮ ‬كانت قد بدأت بالظهور حينها بين أركان الأسرة الحاكمة سبيلا إلى هدفهم‮.. ‬فكان عبدالله بن أحمد الوزير الطامح للإمامة ضالتهم‮.. ‬وأجرى ابن الوزير والأحرار اتفاقاٍ‮ ‬قضى بأن‮ ‬يعين كل فريق الآخر للوصول إلى هدفه أو‮ ‬غايته حيث وافق الوزير على مطالبهم مقابل عونهم له‮.. ‬ليصل تنفيذ الاتفاق منتهاه بتفجير ثورة‮ ‬1948م التي‮ ‬نتجت عن مقتل الإمام‮ ‬يحيى حميدالدين‮ «‬إلا أنها لم تنجح في‮ ‬الإطاحة بنظامه‮».‬
وبعيدا عن الخوض في‮ ‬أسباب فشل ثورة‮ ‬48م التي‮ ‬أحالتها الروح الانتقامية لدى الإمام الوارث أحمد إلى دماء حيث اعدم العديد من المناضلين الأحرار‮ ‬فان الشكل الذي‮ ‬صارت إليه الأحداث بعد ذلك أثرت سلبا في‮ ‬نفسيات من تبقى من الثوار‮.. ‬فكان عليهم الانتظار عامين قبل أن‮ ‬يستعيدوا نشاطهم الحزبي‮ ‬والتنظيمي‮ ‬ويتجدد طموحهم الوطني‮ ‬ولكن هذه المرة بصيغة جديدة قائمة على القناعة بأن نظام الحكم الإمامي‮ ‬لن‮ ‬يكون بمقدوره‮ ‬يوما أن‮ ‬يستوعب أن الإنصاف والعدل‮ ‬يقتضيان أن‮ ‬يعيش المجتمع وفق الناموس الطبيعي‮ ‬من التطور والتحديث والتقدم بعزة وكرامة وحرية‮.‬
وفي‮ ‬عدن الباسلة مرة أخرى حاول الأحرار عام‮ ‬1950م استعادة زخمهم وتجديد نشاطهم تحت اسم‮ (‬الرابطة اليمنية‮) ‬إلا إن سلطات الاحتلال البريطاني‮ ‬هناك رفضت تمكينهم من ذلك‮ ‬لتعود وتوافق لهم بعد ذلك على طلب تأسيس ناد اجتماعي‮ ‬وثقافي‮ ‬حمل اسم نادي‮ (‬الاتحاد اليمني‮).‬
ومن هنا فإن ركود ما بعد‮ ‬48م بالنسبة للحركة الوطنية تغير إلى تحركات أخرى عقب إنشاء‮ «‬الاتحاد اليمني‮» ‬وتحديدا عام‮ ‬1955م حيث تكررت في‮ ‬ذلك العام محاولات الأحرار للخلاص من النظام الإمامي‮ ‬بقيادة الشهيد أحمد الثلايا‮ ‬لكنها أيضا لم تنته إلى تحقيق الطموح‮.‬
وعقب حركة‮ ‬55م خلص نشاط الأحرار المعارض إلى تشكيل‮ (‬التجمعات الوطنية لليمنيين‮) ‬في‮ ‬كل من الحبشة وبريطانيا التي‮ ‬عملت على تحشيد المهاجرين إلى فكرة الجمهورية والخلاص من نظام الإمامة‮.‬
وقد ذكر محمد محمد اليازلي‮ ‬في‮ ‬كتابه‮ «‬من الثورة البكر إلى الثورة الأم‮» ‬بأن تنامي‮ ‬الحراك السياسي‮ ‬وتزايد وتيرة النضال الوطني‮ ‬في‮ ‬مدينة‮ «‬تعز‮» ‬أدى لأن تشهد تشكيل تنظيم‮ «‬أكثر سرية وأكثر حذراٍ‮ ‬وأقوى بعداٍ‮ ‬نظرياٍ‮ ‬وفكرياٍ‮ ‬ومواكباٍ‮ ‬لتطور العصر ومقتضيات المهام النضالية الماثلة أمام الحركة الوطنية اليمنية‮» ‬هو‮ «‬الجمعية الثورية الوطنية الديمقراطية‮» ‬في‮ ‬أوائل عام‮ ‬1957م‮.. ‬بقوام‮ (‬15‮) ‬عضواٍ‮ ‬من مختلف القطاعات المدنية والعسكرية ومشائخ القبائل وكبار التجار‮.. ‬ويشير اليازلي‮ ‬وهو أول رئيس تحرير لصحيفة‮ «‬الثورة‮» ‬في‮ ‬مدينة تعز إلى أن من ابرز أنشطة هذا التنظيم السري‮ ‬أي‮ «‬الجمعية الثورية‮»: ‬إعداد خطة تفصيلية مدروسة لمهاجمة قصر الإمام بمدينة تعز‮ ‬وتم توزيع المهام على كل العناصر الثورية التي‮ ‬ستقوم بعملية الهجوم‮ ‬خطة لمهاجمة الإمام في‮ ‬مطار تعز بقيادة المناضل المرحوم أمين أبو رأس‮.. ‬ولكن لم‮ ‬يكتب النجاح‮ ‬حيث إن الإمام لم‮ ‬يصل إلى‮ «‬تعز‮» ‬بل توجه من الحديدة إلى السخنة حسب اليازلي‮.‬
وبعدها بعام عادت الأحزاب السياسية إلى الظهور مرة أخرى عبر المكونات السياسية التي‮ ‬أتيح لها حيز من الظهور في‮ ‬الجنوب المحتل من خلال توجيه تفاعلها مع هدف الاستقلال الوطني‮ ‬من النظام الإمامي‮ ‬والحكم الاستعماري‮ ‬إلى تحرك عملي‮ ‬يعكس واحدية النضال والهاجس الوحدوي‮ ‬لدى مكونات المجتمع شمالا وجنوبا‮.. ‬فبدأ فرع‮ (‬الاتحاد الشعبي‮ ‬الديمقراطي‮) ‬ذو الاتجاه الماركسي‮ ‬بالتشكل في‮ ‬الشمال عام‮ ‬1958م‮ ‬وهو الذي‮ ‬تأسست خلاياه الأولى في‮ ‬عدن عام‮ ‬1953م‮.. ‬ليعزز هذا التحرك من ثابتية الإيمان بأن بوابة الاستقلال من الحكم الاستعماري‮ ‬في‮ ‬الجنوب‮ ‬يبدأ من استقلال الشمال من النظام الإمامي‮ ‬وهو أمر أكدت عليه مختلف التنظيمات والقوى السياسية في‮ ‬مناطق الاستعمار البريطاني‮ ‬حيث‮ ‬يْذكر أن برنامج‮ (‬الاتحاد الشعبي‮ ‬الديمقراطي‮) ‬قد أكد على الوحدة اليمنية من خلال‮: ‬الدفاع عن استقلال الشمال اليمني‮ ‬في‮ ‬مواجهة الاستعمار والامبريالية وخاصة الأمريكية لأن الحفاظ على استقلال الشمال هو ضرورة من اجل استمرارية ونجاح النضال الشعبي‮ ‬في‮ ‬الجنوب‮ ‬والعمل على قيام حكم ديمقراطي‮ ‬شعبي‮ ‬في‮ ‬الشمال اليمني‮ ‬ويمر ذلك عبر ضغوط تمارسها القوى الوطنية على الحكومة في‮ ‬الشمال من اجل اقامة حكم دستوري‮ ‬ديمقراطي‮ ‬والعمل على منع وقوع الشمال فريسة الاستعمار الأمريكي‮ ‬من خلال شركاته الاحتكارية‮.. ‬حسب إلهام محمد مانع في‮ ‬دراستها بشأن الأحزاب والتنظيمات السياسية في‮ ‬اليمن‮.‬

التيار القومي
‮❊ ‬وتأسيسا على قناعة الأحزاب والتنظيمات السياسية التي‮ ‬تواجدت في‮ ‬اليمن وخاصة جنوبا كامتداد لأحزاب موجودة في‮ ‬دول عربية أخرى بأن القضية الوطنية هي‮ ‬قضية واحدة في‮ ‬الشمال أو الجنوب‮.. ‬كان من الطبيعي‮ ‬أن‮ ‬يأخذ التحرك المصادق على هذه القناعة بعدا آخر‮ ‬يتجاوز الخطابات السياسية والأفكار الأيدلوجية‮.. ‬ظهر ذلك بدايةٍ‮ ‬في‮ ‬فترة الخمسينات من القرن الماضي‮ ‬إذ شهدت تلك الفترة وما تلاها حراكا ساهم في‮ ‬بلوغ‮ ‬طموح الإنعتاق ذروته وصولا إلى الثورة ثم حمايتها من الهجمات الارتدادية التي‮ ‬قام بها فلول النظام الإمامي‮.. ‬وأيضا حمايتها من أهواء الطامحين إلى المكاسب كأثمان لدور لهم في‮ ‬سياق النضال الوطني‮.. ‬وفي‮ ‬هذا السياق تشير الوثائق إلى انه عشية إسقاط الإمامة‮ ‬وإعلان الجمهورية كانت القوى السياسية الحديثة المتواجدة تتمثل في‮ ‬الاتحاد الديمقراطي‮ ‬الشعبي‮ ‬‮ ‬وحزب البعث‮ ‬و»حركة القوميين العرب‮»..‬
فعقب الظهور في‮ ‬منطقة النظام الإمامي‮ ‬لهذه الكيانات الحزبية سنرى كيف أنها أسهمت وبشكل كبير في‮ ‬القيام بالثورة كما في‮ ‬حمايتها أثناء حصار السبعين‮.‬
وتأسست‮ «‬حركة القوميين العرب‮» ‬ذات الارتباط بالنهج الناصري‮ ‬في‮ ‬اليمن مع بداية عام‮ ‬1959م على‮ ‬يد خلية من الطلبة اليمنيين الدارسين في‮ ‬القاهرة هم‮: ‬فيصل عبداللطيف الشعبي‮ ‬سلطان أحمد عمر‮ ‬يحيىى عبدالرحمن الإرياني‮ ‬عبدالكريم الإرياني‮ ‬عبدالملك إسماعيل‮ ‬عبدالحافظ قائد‮.. ‬وتذكر أوراق ندوة الثورة اليمنية في‮ ‬جزئها الخامس وهي‮ ‬التي‮ ‬نظمتها دائرة التوجيه المعنوي‮ ‬بأنه‮ (‬تم اختيار عدن وتعز مدينتين للبدء‮ ‬وكلف فيصل عبداللطيف بالتفرغ‮ ‬لتأسيس النواة الأولى في‮ ‬عدن‮ ‬كما كلف‮ ‬يحيىى عبدالرحمن الإرياني‮ ‬بالتفرغ‮ ‬لتأسيس النواة الأولى في‮ ‬تعز‮ ‬وكلف سلطان أحمد عمر بمساعدتهما‮).. ‬واستنادا إلى نفس المرجع فقد صاغت حركة القوميين العرب برنامجاٍ‮ ‬سياسياٍ‮ (‬قام على أساس إسقاط الحكم الإمامي‮ ‬في‮ ‬الشمال‮ ‬ومن ثم اتخاذ الشمال قاعدة لخوض حرب شعبية مسلحة لتحرير جنوب الوطن اليمني‮.)‬‮ ‬وهو ما ضمنه أيضا قحطان محمد الشعبي‮ ‬في‮ ‬كتابه‮ «‬الاستعمار البريطاني‮ ‬ومعركتنا في‮ ‬جنوب اليمن‮» ‬حيث اشترط تغيير الأوضاع أولاٍ‮ ‬في‮ ‬شمال اليمن لتغييرها جنوبا‮.. ‬وكما تذكر المراجع فإن دور أعضاء الحركة في‮ ‬الإطار المدني‮ – ‬العمال والطلاب‮ ‬في‮ ‬اللحظات التي‮ ‬سبقت لحظة التحرك في‮ ‬اتجاه الثورة تمثل بالدعم المباشر لدور العسكريين‮ ‬من خلال التبشير بقيام الثورة‮ ‬عبر المكبرات اذ كان من المهم‮ (‬إشعار الجماهير بقيام الثورة‮ ‬وتحريضهم بتأييدها‮ ‬وفي‮ ‬نفس الوقت توعية الجماهير بمساوئ النظام الإمامي‮ ‬من جهة‮ ‬والتبشير بمستقبل أفضل في‮ ‬ظل النظام الوطني‮ ‬الجمهوري‮).‬
} } } }

حزب البعث
‮❊ ‬الحال‮ ‬ينسحب أيضا على‮ «‬حزب البعث العربي‮ ‬الاشتراكي‮» ‬الذي‮ ‬بدأ انتشاره في‮ ‬اليمن كفكر‮.. ‬فيما بدأ نشاطه التنظيمي‮ ‬على‮ ‬يد‮ «‬الطلبة اليمنيين الذين‮ ‬يدرسون في‮ ‬الخارج وخاصة في‮ ‬سوريا‮ ‬والعراق‮ ‬ومصر‮ ‬فيما بين عام‮ ‬1957و1959م وامتد تأثيره إلى الساحة اليمنية‮».‬
حزب‮ «‬البعث‮» ‬هو أيضا كان قد رفع شعار إسقاط النظام الإمامي‮ ‬في‮ ‬شمال الوطن اليمني‮ ‬وإقامة نظام جمهوري‮ ‬وتحرير جنوب الوطن من السيطرة الاستعمارية البريطانية وتحقيق الوحدة اليمنية‮».. ‬ويذكر الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر في‮ ‬مذكراته بأنه في‮ ‬فترة حكم القاضي‮ ‬الارياني‮ ‬التي‮ ‬شهدت البلاد أوضاعا‮ ‬غير مستقرة لم‮ ‬يكن هناك تكتلات حزبية معلنه وان الحزب الوحيد الذي‮ ‬كان له كوادر من الجيش والمثقفين هو حزب‮ «‬البعث‮» ‬الذي‮ ‬كان له أدوار مشرفة في‮ ‬بداية الثورة وفي‮ ‬حصار السبعين حسب المناضل الراحل الشيخ الأحمر‮.‬
وقد مثل حزب‮ «‬البعث العربي‮ ‬الاشتراكي‮»‬‮ ‬و»حركة القوميين العرب‮» ‬التيار القومي‮ ‬المنطلق من القضية الوطنية‮.‬
والى ذلك‮ ‬يذكر سعيد أحمد الجناحي‮ ‬في‮ ‬كتابه التوثيقي‮ (‬الحركة الوطنية اليمنية من الثورة إلى الوحدة‮) ‬أن الحركة الناصرية التصقت‮ «‬بثورة السادس والعشرين من سبتمبر من خلال الدعم العسكري‮ ‬والمالي‮ ‬والفني‮ ‬وتواجد مئات الخبراء والمدرسين من أبناء مصر‮».. ‬وحسب الجناحي‮ ‬فإن إيجاد تنظيم ناصري‮ ‬جرى على‮ ‬يد بعض الشباب‮.. ‬وكان الدكتور محمد قائد اغبري‮ ‬عيسى محمد سيف من مؤسسي‮ ‬ذلك التنظيم لتظهر بعد ذلك العديد من الأسماء أمثال‮: ‬عبدالسلام مقبل‮ ‬ومحمد العفيفي‮ ‬وعبدالله عبدالعالم‮ ‬وسالم السقاف‮.‬

لأن الهدف كبير
‮❊ ‬في‮ ‬هذا الوقت بل ومنذ بداية الإعداد للثورة وتوزيع الأدوار إلى حين اندحار الحصار عن صنعاء كان للفئات المجتمعية من تجار وطلاب وعمال الدور الكبير والمؤثر في‮ ‬القيام بالثورة وحمايتها والدفاع عن المتغير المتمثل بالنظام الجمهوري‮ ‬أكان في‮ ‬أطرهم الفئوية أو من خلال انخراطهم مع باقي‮ ‬الفئات الموجودة‮.‬
ففئة رجال الأعمال التجار وهي‮ ‬من الفئات التي‮ ‬بدأت نشاطها الثوري‮ ‬مبكرا كانت كغيرها من فئات المجتمع تعاني‮ ‬من ظلم الأسلوب التقليدي‮ ‬الذي‮ ‬اتبعه النظام الإمامي‮ ‬في‮ ‬تسيير‮ ‬يوميات الوطن‮.. ‬فكان التجار كما‮ ‬يذكر الدكتور صادق عبده علي‮ «‬غير راضين به بسبب احتكاره للتجارة وضيق السوق الداخلية‮».. ‬وتضمن كتاب‮ (‬حركة المعارضة اليمنية‮) ‬نقلا عن جريدة الصداقة المصرية الصادرة في‮ ‬28‮/‬10‮/‬1946م انه‮: ‬لما أراد التجار أن‮ ‬يقوموا باستيراد بعض المواد‮ … ‬وجدوا أن بعض الموظفين والأمراء قد نزلوا الميدان واستولوا على زمام التجارة وقسموا اليمن بينهم مناطق ويحتكرون فيها تجارتهم ويضايقون صغار التجار الذين لم‮ ‬يستطيعوا الثبات أمام هؤلاء التجار الجدد المؤيدين بالسلطان والصولجان‮ …. ‬أما التجار فقد قاموا بشبه مظاهرة وتوجهوا إلى قصر الجلالة الإمام وطلبوا من جلالته أن‮ ‬يجعلهم في‮ ‬عداد الموظفين ليعولوا أهاليهم وذويهم بعد أن كفت أيديهم وتعطلت أعمالهم وباتوا لا‮ ‬يجدون سبيلا إلى العيش‮.‬
ويقول الحاج علي‮ ‬محمد سعيد عضو أول مجلس قيادة للثورة وأول وزير صحة في‮ ‬أول حكومة للثورة عن دور‮ «‬الجمعية الثورية الوطنية‮» ‬التي‮ ‬تشكلت في‮ ‬تعز عام‮ ‬1958م‮: ‬منذ أن شْكلت الخلية الرئيسية في‮ ‬تعز وضع الأحرار نصب أعينهم تحطيم القيود والأغلال التي‮ ‬ظل الشعب اليمني‮ ‬يعاني‮ ‬منها طويلاٍ‮.. ‬فقد عملوا ليل نهار بعزم وثبات وكل منهم‮ ‬يعمل في‮ ‬نطاق ما كلف بها من مهام فمنهم من قام بإعداد المنشورات الثورية ومنهم من‮ ‬يتلقاها من داخل البلاد وخارجها ومنهم من‮ ‬يتولى التوزيع ومنهم من‮ ‬يجري‮ ‬الاتصالات مع الأحرار في‮ ‬صنعاء والحديدة وعدن وجميع أنحاء البلاد بشكل سري‮ ‬وكان للبعض دور هام في‮ ‬إقامة علاقات مع أعوان وأسرة الإمام المقربين ليتعرفوا على خطط ونوايا الإمام‮ ‬وعلى الرغم من كل الأخطاء المحيطة بهم فقد مضوا في‮ ‬سبيل تحقيق هدفهم الذي‮ ‬وضعوه لتحرير البلاد‮. ‬ولقد تشكلت عناصرها من فئات عدة من قطاعات المجتمع الأمر الذي‮ ‬أعطى دافعاٍ‮ ‬قوياٍ‮ ‬لجميع تلك القطاعات من مشائخ ورجال أمن وقوات مسلحة وتجار وعلماء وموظفين ومدنيين وحرس ملكي‮ ‬ليقفوا صفاٍ‮ ‬واحداٍ‮ ‬في‮ ‬وجه الإمامة ويستقوا فيما بينهم حتى‮ ‬يوم انطلاق شرارة الثورة المباركة‮.‬
وفي‮ ‬مرحلة الإعداد للثورة‮ ‬يذكر الحاج علي‮ ‬محمد سعيد وهو أحد رجال الأعمال المناضلين انه‮: ‬في‮ ‬عام‮ ‬1961م تم تشكيل تنظيم ثوري‮ ‬سري‮ ‬خاص وتم تشكيل فرع في‮ ‬تعز ضم العديد من الضباط وقد جرت التنسيقات على أن شرارة الثورة الأولى سوف تنطلق من تعز باعتبارها المقر الرئيسي‮ ‬الذي‮ ‬يقيم فيه الإمام وأفراد أسرته وأعوانه المقربون‮.. ‬وقال‮: ‬كْلفت أنا والأخ عبدالغني‮ ‬مطهر ليلة قيام الثورة بالتوجه إلى المطار ومداخل المدينة بصالة وقمنا بإجراء الترتيبات اللازمة لتشديد الحراسة وتوزيع الأدوار على الأحرار وتوزيع السلاح على الشباب الواعي‮ ‬المتحمس‮.‬
كما أن دور تجار محافظة تعز لم‮ ‬يكن محصورا في‮ ‬تقديم المال‮ ‬ولكن أيضا المساهمة في‮ ‬وضع الخطط والإشراف عليها وتنفيذها حسب الحاج علي‮ ‬محمد سعيد الذي‮ ‬يؤكد على انه‮ «‬لولا تلاحم جميع أبناء شعبنا اليمني‮ ‬بجميع فئاته لما نجحت الثورة ولما استمرت فالجميع كانوا في‮ ‬خندق واحد‮».‬

برز‮ ‬عبد الغني‮ ‬مطهر
‮❊ ‬وحسب سعيد الجناحي‮: ‬وجد التجار المتنورون فيما بينهم وبين الشخصيات الوطنية في‮ ‬تعز علاقات‮.. ‬اتسعت همومها إلى أهمية التغيير‮ ‬والتخلص من نظام إمامي‮ ‬فردي‮ ‬يفتقد إلى الأنظمة والقوانين وقواعد الحكم‮ ‬وتبلورت تلك العلاقة بتشكيل محور التجار الأحرار بقيادة المناضل عبدالغني‮ ‬مطهر‮ ‬وعلي‮ ‬محمد سعيد وأحمد ناجي‮ ‬العديني‮ ‬وعبدالقوي‮ ‬حاميم ومحمد قائد سيف وغيره‮.. ‬واضاف‮: ‬شارك محور التجار الأحرار في‮ ‬تعز في‮ ‬التمهيد للثورة وقيامها وعلى وجه الخصوص أنشطتهم‮.. ‬كما ذْكر أيضا أن المناضل العقيد حسن العمري‮ ‬برز دوره‮: ‬من خلال علاقته بمحور التجار الأحرار في‮ ‬تعز‮ ‬بزعامة عبدالغني‮ ‬مطهر‮ ‬خاصة خلال عام‮ ( ‬1961‮- ‬1962م‮) ‬فقد شكل همزة وصل مع القاضي‮ ‬عبدالسلام صبرة ولأنه موضع ثقة كان عبدالغني‮ ‬مطهر‮ ‬يسرب إليه أسلحة‮.. ‬ومبالغ‮ ‬مالية بهدف تسيير حركة النضال‮.. ‬وتتضمن إحدى أوراق ندوة الثورة اليمنية أن القيادة المصرية أوعزت إلى سفارتها في‮ ‬صنعاء‮ ‬بدعوة شخصية ذات إطلاع تام بالأوضاع تكون على بينة من حقيقة ما‮ ‬يدور في‮ ‬الساحة اليمنية لزيارة القاهرة‮ ‬وكان اختيار عبدالغني‮ ‬مطهر لهذه المهمة باعتباره الشخصية التي‮ ‬لها اتصالات واسعة مع الأطراف الوطنية‮ ‬ومركزه التجاري‮ ‬لا‮ ‬يثير حوله أية شبهة‮.. ‬وان عبدالغني‮ ‬مطهر قد أكد هذه الواقعة في‮ ‬كتابه‮ (‬يوم ولد اليمن مجده‮) ‬صدر عام‮ ‬1990م بقوله‮ (‬في‮ ‬ابريل‮ ‬1962م وصل إلى تعز الملازم علي‮ ‬عبدالمغني‮ ‬قادما من صنعاء حيث اخبرني‮ ‬أن جماعته الأحرار‮ ‬يريدون حضوري‮ ‬إلى صنعاء للتفاهم معهم حول ما اتخذوه من قرار باختياري‮ ‬للسفر إلى القاهرة‮ ‬تلبية لطلب القيادة المصرية بإرسال شخص‮ ‬يكون على ثقة من جميع التنظيمات الوطنية ليتم التفاهم معه حول دور القاهرة في‮ ‬مساندة التنظيمات الثورية في‮ ‬اليمن‮ ‬وحدد موعد لقاء في‮ ‬صنعاء‮ ) .‬
ويروي‮ ‬عبدالغني‮ ‬مطهر انه وصل إلى صنعاء ووجد الملازم علي‮ ‬عبدالمغني‮ ‬في‮ ‬انتظاره‮ ‬واصطحبه إلى السفارة المصرية حيث قابلا القائم بالأعمال‮ ‬‮ ‬محمد عبدالواحد‮ ‬وتم خلال ذلك اللقاء الإطلاع على ما ترغب القيادة في‮ ‬مصر معرفته جراء ما تصل إليها من تقارير ومعلومات مختلفة ومتناقضة كي‮ ‬تكون رؤية واضحة تهتدي‮ ‬بها لاتخاذ موقف واضح‮.. ‬بعد ذلك اللقاء‮ ‬يواصل عبدالغني‮ ‬مطهر حديثه حول لقاء آخر عقد في‮ ‬منطقة‮ (‬بوعان‮) ‬اصطحبه إليه العقيد محمد عبدالواسع نعمان‮ ‬حضره عدد من رموز الحركة الوطنية الزعيم عبدالله السلال‮ ‬العقيد حسن العمري‮ ‬القاضي‮ ‬عبدالسلام صبرة‮ ‬‮ ‬الشيخ محمد علي‮ ‬عثمان‮ ‬العقيد عبدالله الضبي‮.. ‬تم في‮ ‬ذلك اللقاء تناول الأبعاد الحقيقية للموقف داخل البلاد من جميع النواحي‮ ‬وما‮ ‬يمكن أن تقوم به الشقيقة مصر‮ ‬لمعاونة أحرار اليمن في‮ ‬الإعداد للثورة ويقول عبدالغني‮ ‬مطهر‮: (‬وبعد الانتهاء من الاجتماع‮ ‬انفردت بالزعيم عبدالله السلال لاستوضح منه مدى استعداده لقيادة الثورة‮ .. ‬وكان رده لي‮: ‬لن أتردد مهما كانت النتائج‮).‬
أما تشكل هذا البروز لدور عبدالغني‮ ‬مطهر فبدأ منذ كان في‮ ‬المهجر وقد شهدت الخمسينيات وخاصة السنوات التي‮ ‬سبقت قيام الثورة بقليل تحرك نشط له لدعم الأحرار والدفع في‮ ‬اتجاه قيام الثورة السبتمبرية‮.. ‬وبحسب وثائق ندوة الثورة اليمنية فقد عاد من الحبشة نهاية الخمسينيات وانه‮ «‬قد اختبر للعمل الوطني‮ ‬في‮ ‬المهجر مع عدد من المهاجرين التجار أمثال‮: ‬أحمد عبده ناشر‮ ‬وناشر عبدالرحمن‮ ‬وعبدالقوي‮ ‬الخرباش‮ ‬وجازم الحروي‮ ‬وغيرهم من الذين تعرف عليهم وعلى نشاطهم من خلال تبرعاتهم لحركة الأحرار وخاصة حين شكلوا صندوقاٍ‮ ‬لدعم الأحرار‮ ‬وتولى عبدالغني‮ ‬مطهر نائب أمين الصندوق‮.. ‬وبعد أن كون ثروة نقل أعماله إلى تعز عام‮ ‬1958م‮».. ‬وتذكر أوراق الندوة انه كانت لعبدالغني‮ «‬اتصالاته بالوطنيين والتفاهم معهم لإقامة تنظيم وطني‮ ‬سموه‮ (‬خلايا لإسقاط النظام الإمامي‮) ‬وكان علي‮ ‬محمد سعيد من الذين تجاوبوا معه‮ ‬مثل عبدالغني‮ ‬مطهر الواجهة واتسم دور علي‮ ‬محمد سعيد بالجندي‮ ‬المجهول بالسرية الشديدة‮».‬
وتواصل إسهام التجار ورجال الأعمال من أبناء اليمن التواقة للحرية والاستقلال‮.. ‬فمع قيام الثورة وإطلاق إعلان الدفاع عنها من قبل المتطوعين بذل رجال الأعمال تبرعاتهم من اجل توفير إمكانيات نقل المتطوعين وكان الحاج هائل سعيد انعم في‮ ‬مقدمتهم‮.‬

المقاومة الشعبية فئات أكثر
‮❊ ‬قامت الثورة لكنها ومنذ الأيام الأولى لقيامها واجهت التآمر والعداء وهنا انطلق نداء حماية الثورة السبتمبرية من قبل قيادة الثورة‮.. ‬فتداعى الناس تكوينات ومنظمات وفئات مختلفة من شمال الوطن وجنوبه للمساهمة والتطوع لتشكيل حرس وطني‮ ‬من اجل الدفاع عن الثورة وحماية النظام الجمهوري‮ ‬الوليد‮.. ‬فكان الالتفاف كبيرا‮ ‬وكان الشعار‮ (‬الجمهورية أو الموت‮) ‬في‮ ‬صورة سيتبين لاحقا كيف عكست تلك الرغبة الجامحة والعزيمة والإصرار على تحقيق التغيير وانتشال واقع اليمن من براثن التخلف الإمامي‮ ‬الاستبداد الاستعماري‮ ‬والتوق إلى الاستقلال بالقرار الوطني‮ ‬في‮ ‬ظل‮ ‬يمن واحد‮.‬
ويقول الاستاذ المناضل سعيد أحمد الجناحي‮ ‬انه‮ «‬ما ان أعلن نداء الثورة الداعي‮ ‬للتطوع دفاعاٍ‮ ‬عن الثورة الوليدة حتى تدفقت من عدن في‮ ‬الأسبوع الأول أفواج من المتطوعين بلغ‮ ‬عددهم خمسة آلاف ثم ارتفع هذا العدد إلى عشرين ألفاٍ‮ ‬حيث كانت قيادة الثورة قد فتحت معسكرات في‮ ‬تعز لتدريب المتطوعين وأطلقت عليهم اسم الحرس الوطني‮. ‬كما لبى النداء آلاف من المقاتلين من أبناء ريف الجنوب وخاصة من أبناء ردفان والضالع ومن جميع أنحاء الوطن اليمني‮».. «‬وأعلنت إذاعة صنعاء بدء تدريب المتطوعين الذين تدفقوا إلى تعز حيث فتح معسكر لتدريب الحرس الوطني‮ ‬وكان‮ ‬يتم تدريب المتطوعين بشكل سريع‮ ‬وتشكل منهم فرق تتحرك إلى صنعاء ومنها إلى مناطق شمال الشمال حيث تمردت بعض القبائل‮».‬
ويذكر المناضل أحمد مهدي‮ ‬منتصر في‮ ‬شهادته عن مسار الثورة والحفاظ عليها انه منذ اليوم الأول لنداء الدفاع عن الثورة‮: ‬هب الشباب بل والشيوخ إلى مكاتب التطوع للحرس الوطني‮ ‬وكلهم كوادر إدارية ومثقفون وعمال بل وتجار‮. ‬وكان‮ ‬يشرف على ذلك حزب الشعب الاشتراكي‮ ‬والمؤتمر العمالي‮ ‬بحماس بالغ‮ ‬من خلال قادته الذين عاشوا حالة طوارئ طيلة فترات التسجيل وكان على رأسهم ذكراٍ‮ ‬وليس حصراٍ‮ ‬الأستاذ‮/ ‬عبدالله عبدالمجيد الأصنج‮. ‬الأستاذ‮ / ‬محمد علي‮ ‬الأسودي‮ ‬لاحقاٍ‮ ‬وزير شؤون الجنوب اليمني‮. ‬الأستاذ‮/ ‬محمد سالم باسندوة‮ ‬‮ ‬الأستاذ محمد أحمد شعلان‮.. ‬ويضيف‮: ‬خلال فترة إمداد جبهات القتال ضد فلول الملكية بالرجال قتل الآلاف من المتطوعين بسبب قصر فترة التدريب وعدم تعود المتطوعين على حمل السلاح الرديء والمسمى الشيكي‮ ‬والشوميزر وهو من بقايا الحرب العالمية الثانية‮ ‬واصفا تلبية قبائل الجنوب من المحميات الغربية وحضرموت بأنها كانت‮ «‬تلقائية ودون واسطة اللهم إلا إذاعة صوت العرب وإذاعة صنعاء‮».. ‬وقال‮: «‬قدمت إلى صنعاء جموع‮ ‬غفيرة من القبائل وكان لأبناء ردفان والحواشب والصبيحة ويافع والضالع وآل مفضل والعواذل ودثينة والعوالق وبيحان دور كبير في‮ ‬رفد الثورة والدفاع عنها‮. ‬وكم كان رائعاٍ‮ ‬دور أبناء الأطراف الذين كانوا‮ ‬يقدمون المؤن والوجبات الغذائية والإيواء والإرشاد لهؤلاء المتطوعين‮».. ‬هذه الجموع كان‮ ‬يتم توزيعها على مجموعات‮.. ‬ويشير إلى انه‮ «‬كان الاتفاق على بقاء كل مجموعة أربعة أشهر تحل محلها مجموعة أخرى لتشارك المجموعات العائدة بعد تأدية الواجب في‮ ‬الدفاع عن الثورة في‮ ‬الكفاح المسلح الذي‮ ‬بدأ‮ ‬يشتعل في‮ ‬14‮ ‬أكتوبر‮ ‬63م في‮ ‬ردفان‮».‬
كما تذكر المراجع انه في‮ ‬24‮ ‬مارس‮ ‬1963م عقد في‮ ‬صنعاء لقاء حضره أكثر من ألف شخص ضم عدداٍ‮ ‬من ممثلي‮ ‬حركة القوميين العرب وحزب الشعب الاشتراكي‮ ‬والجنود والضباط الأحرار من الذين تركوا الخدمة العسكرية في‮ ‬الجنوب والمقاتلين من القبائل والعمال والموظفين الذين تركوا مناطقهم في‮ ‬الجنوب ونزحو إلى الشمال مستجيبين لنداء حماية الثورة السبتمبرية‮.‬

السبعين‮.. ‬المحاولة البائسة
‮❊ ‬كما ان الالتفاف حول الثورة زاد مع حدث الحصار والذي‮ ‬عرف بحرب السبعين‮ ‬يوما الذي‮ ‬انقض فيه أعداء الثورة بكل قواهم في‮ ‬محاولة لاسترجاع الحكم المدحور ودام ذلك من بداية ديسمبر‮ ‬67‮ ‬وحتى‮ ‬8‮ ‬فبراير‮ ‬68م‮.‬
وانسحبت القوات المصرية الداعمة لثورة سبتمبر والنظام الجمهوري‮ ‬إثر نكسة‮ ‬يونيو‮/ ‬حزيران1967م‮.. ‬الوطن دخل مفترقا من التناقضات والمواقف المتعارضة‮.. ‬وفلول للنظام الملكي‮ ‬بدأت ترى في‮ ‬الظروف المهيأة فرصة لاستعادة الحكم‮.‬
زحف أعداء الثورة على صنعاء وسط دعم الأنظمة الملكية في‮ ‬المنطقة‮.. ‬وأحكمت خناقها على صنعاء‮.. ‬ولحظتها كان الخوف‮ ‬يسيطر من فقدان التحول الذي‮ ‬تحقق مع قيام الثورة السبتمبرية‮.. ‬يقول المناضل الحاج علي‮ ‬محمد سعيد‮ «‬يعتبر حصار صنعاء من ابرز المنعطفات الخطيرة التي‮ ‬واجهت مسيرة الثورة إلا‮ ‬أن التفاف الشعب حول الجمهورية استطاع أن‮ ‬ينتصر ويثبت دعائم الثورة والجمهورية‮».. ‬ويقول‮ «‬تطورات الأحداث إثر نكسة‮ ‬يونيو‮/ ‬حزيران1967م‮ ‬وانسحاب القوات المصرية من اليمن‮ ‬جعل الحالمين بعودة الإمامة‮ ‬يقدمون بأمل خادع على التخطيط الماكر‮ ‬فحشدوا جموع البغي‮ ‬والعدوان وأجمعوا أمرهم بينهم‮ ‬وراهنوا وفق حساباتهم الخاسرة أنهم بما سيضربونه من حصار على العاصمة صنعاء‮ ‬سيسقطون النظام الجمهوري‮ ‬ومكروا مكراٍ‮ ‬ومكرنا مكراٍ‮ ‬والله خير الماكرين‮»..‬

التجار في‮ ‬الحصار
‮❊ ‬أما عن دوره المباشر في‮ ‬الدفاع عن الثورة وفك الحصار فيقول‮ «‬مع بدايات الحشد الآثم لحصار صنعاء كنت حينها في‮ ‬مهمة في‮ ‬القاهرة‮ ‬ولم‮ ‬يكن بوسعي‮ ‬وغيري‮ ‬من الوطنيين التأخر لحظة واحدة‮ ‬وكان علي‮ ‬أن استقل أول طائرة‮ ‬والتي‮ ‬ما إن حطت في‮ ‬مطار الحديدة حتى سارعتْ‮ ‬للانضمام إلى جموع المدافعين عن الثورة‮ ‬والتقيت فور وصولي‮ ‬بالقاضي‮ ‬عبدالرحمن الإرياني‮ ‬رئيس المجلس الجمهوري‮ ‬الذي‮ ‬انتقل بحكومته إلى الحديدة‮ ‬ليشكل خلفية دفاعية وجسراٍ‮ ‬تموينياٍ‮ ‬لقيادة المقاومة الباسلة في‮ ‬صنعاء‮».. ‬ويضيف‮: ‬وكنتْ‮ ‬قد وضعت نفسي‮ ‬وما أملك في‮ ‬خدمة الدفاع عن الثورة وطلبت منه تحديد الدور الذي‮ ‬اضطلع به في‮ ‬سياق العمل الوطني‮ ‬المنظم‮ ‬فطلب مني‮ ‬القيام بدور التمويل بالمواد الغذائية لدعم المجهود الحربي‮ ‬وحشد همم التجار‮ ‬والتواصل معهم في‮ ‬عموم محافظات الجمهورية‮ ‬فأسرعت للاتصال بالتجار‮ ‬وطلبتْ‮ ‬من العم هائل سعيد أنعم في‮ ‬عدن‮ ‬أن‮ ‬يرسل على وجه السرعة أقصى ما‮ ‬يستطيع شحنه من المواد الغذائية‮ ‬والتواصل مع التجار ورجال الأعمال هناك لبذل ما‮ ‬يمكن تقديمه للمجهود الحربي‮.‬
وقد استجاب الجميع‮ ‬وهبِوا لتقديم ما لديهم من الإمكانيات‮ ‬إيماناٍ‮ ‬منهم أن ما‮ ‬يسهمون به إنما هو دفاع عن أنفسهم وعن كرامتهم وعن وطن الثورة والجمهورية ومستقبل الأجيال‮ ‬وأخذت شحنات المواد الغذائية تصل تباعاٍ‮ ‬عبر البر إلى تعز‮ ‬وعبر البحر إلى الحديدة‮ ‬وقد أشرفتْ‮ ‬مع فريق العمل من التجار‮ ‬ورجال الأعمال‮ ‬والمقاومة الشعبية في‮ ‬الحديدة على شحن المواد التموينية إلى صنعاء جواٍ‮.. ‬ويشير الحاج علي‮ ‬محمد سعيد الى ما كان‮ ‬يقوم به حينها عبدالغني‮ ‬مطهر من تعبئة وحشد وتفويج للمتطوعين في‮ ‬الحرس الوطني‮ « ‬ونقلهم بالطيران المدني‮ ‬من تعز إلى مطار الجراف بصنعاء‮ ‬ليقفوا إلى جانب القوات الشعبية والمسلحة دفاعاٍ‮ ‬عن العاصمة ودحراٍ‮ ‬للحصار‮».‬
الحاج عبدالواحد محمد نعمان أحد رجال الأعمال المناضلين الذين أسهموا بإمكانياتهم في‮ ‬دعم المقاومة الشعبية ضد الحصار‮ ‬يقول في‮ ‬مذكراته‮: ‬وقال الحاج عبدالواحد محمد نعمان‮: ‬أْبلغت بتكليفي‮ ‬ضمن اللجنة الفرعية للتواهي‮ ‬والمعلا بقرار من اللجنة العليا لدعم المقاومة الشعبية‮ ‬وعندما بدأنا الاتصال بالتجار وجدنا تفاعلا كبيرا وواسعاٍ‮ ‬من قبلهم فلم‮ ‬يبخلوا في‮ ‬تقديم التبرعات المالية السخية والمساعدات العينية‮. ‬وكان تأكيد كل الذين قمنا بالاتصال بهم واستلام تبرعاتهم إن ما‮ ‬يقدمونه من مال ومساعدات هو أقل ما‮ ‬يمكن أن‮ ‬يساهموا فيه دعماٍ‮ ‬لثورة‮ ‬26‮ ‬سبتمبر وأهدافها‮ ‬ودعماٍ‮ ‬للمقاومة الشعبية الباسلة التي‮ ‬تواجه المؤامرة الخارجية لإجهاض الثورة وأماني‮ ‬الشعب في‮ ‬الحرية‮.‬
وأضاف الحاج نعمان‮: ‬كان هناك كثير من التجار هم الذين‮ ‬يتصلون بنا قبل أن نتصل بهم لغرض أن‮ ‬يقدموا تبرعاتهم ومساعداتهم‮.‬

دعم المناطق الجنوبية
‮❊ ‬ويذكر هشام محسن السقاف في‮ ‬مساهمته في‮ «‬ندوة الثورة اليمنية‮ (‬الانطلاق‮.. ‬التطور‮.. ‬آفاق المستقبل‮): ‬الدور الذي‮ ‬قام به مقاتلو التنظيم الشعبي‮ ‬وجبهة التحرير لفك الحصار عن صنعاء بدأ فور نزوحهم إلى شمال الوطن بعد انكسارهم في‮ ‬الحرب الأهلية الثانية في‮ ‬عدن مع الجبهة القومية التي‮ ‬تسلمت السلطة ابتداء من الثلاثين من نوفمبر‮ ‬1967م‮ ‬وقد سقط العشرات منهم شهداء وهم‮ ‬يحاولون خرق الحصار المفروض على صنعاء من قبل الملكيين‮.‬
من جهته‮ ‬يقول المناضل الوطني‮ ‬سعيد عبدالوارث الابي‮: «‬لقد حرصنا داخل الجبهة القومية على تحقيق الهدف المنشود وهو وحدة الوطن اليمني‮ ‬وكانت إحدى أبرز الصور التي‮ ‬تجسد هذا الهدف ما كان صبيحة الاستقلال للجنوب مباشرة عندما كانت صنعاء محاصرة حيت تم اتخاذ قرار بتشكيل لجنة عليا لجمع التبرعات والعتاد للمقاومة الشعبية التي‮ ‬كانت تناضل من أجل فك الحصار عن صنعاء حيت كلفت بترؤس هذه اللجان وعملنا مع مختلف قطاعات الشعب لتحقيق ذلك‮».‬
وفي‮ ‬ندوة عن حصار صنعاء نظمها مركز الدراسات والبحوث اليمني‮ ‬قال الأديب المناضل الأستاذ عمر الجاوي‮ ‬في‮ ‬هذا الشأن‮: «‬كان بعض الأخوان الذين طردوا من عدن باعتبارهم تنظيماٍ‮ ‬شعبياٍ‮ ‬أو جبهة تحرير‮ ‬كانوا‮ ‬يتمركزون في‮ ‬تعز أو في‮ ‬المناطق الغربية من عدن‮ ‬عندما جاء الحصار دخل هؤلاء ضمن من دخلوا كفريق لوحدهم بقيادة هاشم عمر وكان معهم النعمان ـ محمد عبده نعمان ـ ودخلوا مرتين في‮ ‬الحملة التي‮ ‬أرادت أن تشق طريق تعز إلى‮ «‬نقيل‮ ‬يسلح‮» ‬وتحتل النقيل وباعتبارها جبهة تحرير وتنظيم شعبي‮ ‬وليس باعتبارها جزءاٍ‮ ‬من المقاومة الشعبية أو جزءاٍ‮ ‬من الجيش أو‮ ‬غيره‮ ‬وللأسف قتل منهم‮ (‬45‮) ‬وجرح أغلبهم وفي‮ ‬المرة الثانية‮ (‬50‮) ‬وجرح أغلبهم ونقلوا إلى مستشفى إب‮».‬
إلى ذلك تكونت أيضا في‮ ‬عدن عدد من اللجنة الهادفة إلى تسهيل انتقال المتطوعين وتقديم الدعم بأي‮ ‬أوجه كانت‮..‬فتشكلت لجنة عليا لدعم المقاومة الشعبية في‮ ‬الشمال برئاسة المناضل سعيد عبدالوارث الأبي‮ ‬وينوبه المناضل عبدالرزاق شائف‮ ‬وكان ضمن اللجنة العليا أيضا المناضل حسن أحمد باعوم‮.. ‬وقامت اللجنة العليا بتشكيل لجان فرعية في‮ ‬محافظات الجمهورية‮.. ‬وقد وزعت وحددت المهام للجان الفرعية حسب التالي‮: ‬جمع التبرعات النقدية والعينية لصالح المقاومة‮ ‬عقد المؤتمرات الشعبية لشجب التدخل الامبريالي‮ – ‬الرجعي‮ ‬في‮ ‬شؤون الجمهورية العربية اليمنية‮ -‬سابقا‮-‬‮ ‬التأكيد على المنطلقات الرئيسية للمصير المشترك لقضية الثورة اليمنية شمالاِ‮ ‬وجنوباِ‮.‬

دعم الفنانين
‮❊ ‬ويصف الجناحي‮ ‬مرحلة الدفاع عن الثورة والجمهورية بأنها‮ «‬أصعب مراحل النضال وخاصة أثناء حصار العاصمة صنعاء والتي‮ ‬تميزت بقيام تحالف جبهوي‮ ‬ضم كل القوى الوطنية من المثقفين والضباط والجنود والعمال والنساء والحرفيين والمشائخ والطلبة والتجار سواء أولئك المنضوين في‮ ‬أطر حزبية أو مستقلة‮».‬
دعم الفئات الشعبي‮ ‬في‮ ‬المناطق الجنوبية للمقاومة الشعبية تجسد بكثير من المظاهر إضافة لما تم ذكره تم تنظيم عدد من الحفلات لكبار الفنانين وكان ريعها لصالح المقاومة أقيمت الحفلات الفنية في‮ ‬الشيخ عثمان‮ ‬دار سعد‮ ‬كريتر‮ ‬ميدان الحبيشي‮ ‬بعدن‮ ‬التواهي‮ ‬شارك فيها الفنانون‮: ‬أحمد بن أحمد قاسم‮ ‬أبوبكر سالم بالفقيه‮ ‬فرسان خليفة‮ ‬محمد مرشد ناجي‮ ‬وعددَ‮ ‬كبير من الفنانين‮.‬
ويذكر الدبلوماسي‮ ‬الصيني‮ (‬شي‮ ‬يان تشون‮) ‬في‮ ‬حينها أن القوى الملكية ظلت تعد عدتها لتزحف إلى صنعاء في‮ ‬محاولة للإطاحة بالنظام الجمهوري‮ ‬وإعادة الحكم الملكي‮ ‬وجمعت أكثر من أربعين ألف من المسلحين والمرتزقة احتلت مناطق كبيرة وقطعت طريق الحديدة‮ – ‬صنعاء ثم تقدمت إلى صنعاء وحاصرت صنعاء من الغرب والجنوب الشرقي‮ ‬والجنوب الغربي‮ ‬ابتداء من‮ ‬يوم‮ ‬28‮ ‬نوفمبر عام‮ ‬1967م وبدأت القوى المعارضة الهجوم على صنعاء‮. ‬رأينا القنابل تتساقط‮ ‬يوميا في‮ ‬المدينة وسمعنا أزيز الرصاص حينا بعد آخر‮. ‬وأصبحت صنعاء في‮ ‬خطر وأصبح الحكم الجمهوري‮ ‬في‮ ‬خطر‮.‬
‮ ‬إلا أن الشعب اليمني‮ ‬حسب‮ (‬شي‮ ‬يان تشون‮) «‬صمد الشعب بكل فئاته من العمال والفلاحين والموظفين والمثقفين والطلبة والتجار الذين كونوا المقاومة الشعبية ووقفوا جميعا من المدنيين أو العسكريين‮ ‬وقفة الأبطال وأظهروا روحا معنوية كفاحية عالية‮».‬
ويذكر المناضل الراحل الدكتور عبدالله حسين بركات في‮ ‬شهادة للثورة اليمنية‮ ‬26سبتمر أن مهمة القوات الجمهورية كانت في‮ ‬المرحلة الأولى هي‮ ‬الدفاع فقط‮ ‬والحفاظ علي‮ ‬المواقع التي‮ ‬هم بها‮.. ‬وبعد فترة تمكن المدافعون من اختراق الحصار ومهاجمة أكثر من موقع للحصول على السلاح والأسرى‮ ‬وقطع طرق إمداد المهاجمين والعودة إلى المواقع السابقة نفسها‮ ‬أما في‮ ‬المرحلة الثالثة فكان هدف الجمهوريين هو الهجوم على مواقع الملكيين والسيطرة عليها‮ ‬وحرمان الجانب الملكي‮ ‬من استمرار احتلال المواقع المرتفعة التي‮ ‬تسيطر على الطرق‮ ‬وتكون مواقع مناسبة لحمايتها وحماية العاصمة صنعاء‮.‬
‮ ‬وقد مثلت‮ «‬ملحمة السبعين‮» ‬كما‮ ‬يرى الدكتور بركات اقوي‮ ‬برهان على الالتفاف والتأييد الشعبي‮ ‬لثورة‮ ‬26سبتمبر وتثبيت النظام الجمهوري‮.. ‬وليمثل‮ ‬يوم الانتصار على الفلول الإمامية‮ ‬يوما فاصلا‮ «‬استحق أن‮ ‬يسمى‮ ‬يوم انتصار الجمهوريين على فلول الملكيين والمرتزقة‮»‬‮ ‬و»الفضل‮ ‬يعود للشعب بكل فئاته ومن مختلف مناطق الجمهورية‮».‬
} } } }

المقاومة الشعبية ودور العمال
‮❊ ‬ومع هذا التحرك الذي‮ ‬أبداه الملكيون بحصار صنعاء تأكد لكل الثوار أن الثورة اليمنية التي‮ ‬انتفضت على النظام الإمامي‮ ‬في‮ ‬الـ26‮ ‬من سبتمبر‮ ‬62م‮ ‬وعلى النظام الاستعماري‮ ‬في‮ ‬الـ‮ ‬14‮ ‬أكتوبر‮ ‬63م لا تزال في‮ ‬وضع الخطر‮.. ‬ما‮ ‬يفرض مقاومة كل المحاولات لاستعادة الماضي‮ ‬ودحره إلى الأبد‮.. ‬ومن هنا جاء ذاك الالتفاف حول الثورة والثوار ليعكس إدراك الجميع بأن الوضع‮ ‬يتطلب الوقوف بحسم للحفاظ على المكسب الجمهوري‮.. ‬الالتفاف عكسه ذلك الحضور الشعبي‮ ‬الكبير في‮ ‬مشهد الدفاع ومقاومة الحصار‮.. ‬حد أن جرى تنظيم الجموع بصورة نظامية‮.. ‬ويْذكر أن الحديث حول تشكيل مقاومة شعبية بدا قبيل الحصار استشعارا بأن خروج الجيش المصري‮ ‬الداعم للثورة من المشهد اليمني‮ ‬سيولد رغبة لدى بقايا النظام الإمامي‮ ‬في‮ ‬العودة واستعادة الحكم‮.. ‬وكان ذلك‮ ‬يجري‮ ‬حسب الوثائق‮ «‬من خلال اللقاءات التي‮ ‬كانت تعقدها بعض تنظيمات وتيارات القوى الوطنية التي‮ ‬تدافع عن الثورة والنظام الجمهوري‮ ‬وكانت هذه التنظيمات على الأغلب تعمل عن طريق العمل السياسي‮ ‬السري‮ «‬البعث‮ ‬حركة القوميين العرب والمستقلين وبعض التيارات اليسارية الأخرى‮».. ‬بينما‮ ‬يذكر سعيد الجناحي‮ ‬في‮ ‬هذا السياق انه في‮ ‬ديسمبر‮ ‬67‮ ‬تبلور مفهوم قيام المقاومة الشعبية و»تم اجتماع موسع في‮ ‬مبنى مجلس الشورى وتم الاتفاق على تشكيل المقاومة الشعبية وتم تشكيل أول قيادة للمقاومة الشعبية بالانتخاب‮» ‬وفي‮ ‬اليوم التالي‮ ‬جرى انتخاب قيادة عسكرية للمقاومة من تسعة أعضاء‮.. ‬بلغ‮ ‬عدد أعضاء المقاومة الشعبية في‮ ‬صنعاء حسب الجناحي‮ (‬12‮) ‬ألف عضو منهم جميع عمال وعاملات وموظفي‮ ‬مصنع الغزل والنسيج‮.‬
وتشكلت المقاومة الشعبية‮ «‬في‮ ‬العاصمة وبعض المناطق والمدن الأخرى من جموع المزارعين والعمال والطلاب والتجار والموظفين والمثقفين والمشايخ‮».. ‬ولم تأت أواخر ديسمبر‮ ‬67م إلا وقد تشكلت فصائل المقاومة الشعبية في‮ ‬تعز والحديدة وإب ورداع والمحويت ودمت وحجة وجبن وعمران والبيضاء ويريم حسب سعيد أحمد الجناحي‮.‬
يقول العميد محمد محمد قائد حاتم في‮ ‬شهادته حول الروح المعنوية أثناء الحصار‮: ‬جاءت بداية حرب السبعين‮ ‬يوماٍ‮ ‬التي‮ ‬فرضت الحصار الكامل على العاصمة صنعاء من مداخلها الرئيسية بإغلاق خط طريق الحديدة‮ – ‬صنعاء وخط طريق تعز‮ – ‬صنعاء وخط طريق صعدة‮ – ‬صنعاء في‮ ‬محاولة لعزل العاصمة عن بقية محافظات ومناطق الجمهورية تمهيداٍ‮ ‬لضرب البنية الأساسية وإسقاط النظام الجمهوري‮ ‬الذي‮ ‬راهنوا عليه بعد خروج القوات المصرية من اليمن‮.‬
ومع الحصار لصنعاء وضعت استراتيجية موحدة للقيادة السياسية والعسكرية والمقاومة الشعبية‮.. «‬ركزت هذه الإستراتيجية على وضع تصورات تقود قوى الثورة نحو الصمود والدفاع عن الثورة ويضمن العمل على تحقيق وحدة القوى الوطنية والتقدمية والجمهورية‮ ‬والاعتماد على الذات وتحقيق ذاتية الثورة اليمنية ومشاركة الجماهير في‮ ‬الدفاع عن الثورة‮ ‬تشكيل المقاومة الشعبية في‮ ‬صنعاء وفي‮ ‬مختلف المدن اليمنية‮».‬

دور الطلاب
‮❊ ‬مما سبق سبق‮ ‬يتبين كيف كان للطلاب من دور فاعل وهام جدا ومؤثر في‮ ‬مسار الحركة الوطنية‮ ‬فمنهم تشكلت التكوينات السياسية والنضالية ومن تطلعاتهم تكون الحافز لتحقيق التغيير في‮ ‬الواقع اليمني‮.. ‬الدكتور صادق عبده علي‮: ‬لعب الشباب من الطلاب والمثقفين دورا فعالا ومباشرا في‮ ‬القضية الوطنية اليمنية حيث كان الطلاب وهم نواة التنظيمات السياسية في‮ ‬مستهل الستينات قد نظموا المظاهرات الحاشدة عند كل نداء وطني‮ ‬فقد تظاهر طلاب تعز احتجاجا على أساليب العنف التي‮ ‬تعرض لها عبدالله اللقية عام61م‮.. ‬وحسب الشاعر الراحل عبدالله البردوني‮ ‬في‮ ‬كتابه‮ (‬اليمن الجمهوري‮) ‬اصطخبت المدن اليمنية في‮ ‬مايو62‮ ‬بأعنف مظاهرة ثورية قاد طلائعها الطلاب والخريجون محليا وخارجيا‮.. ‬وفي‮ ‬النصف الأول من خمسينيات القرن العشرين‮ «‬نشأة الحركة الطلابية اليمنية وتنظيماتها في‮ ‬مصر ومطالبتها بإقامة‮ «‬يمن ديمقراطي‮ ‬موحد‮» ‬بعد التخلص من الاستبداد في‮ ‬الشمال والاستعمار في‮ ‬الجنوب‮».‬

مراحل المعارضة في‮ ‬مسار النضال
‮❊ ‬هكذا بدت المكونات السياسية والمدنية وعلى النحو الذي‮ ‬تضمنته وثائق الثورة جرى النضال‮.. ‬وتذهب المعطيات الوطنية في‮ ‬حركة نضال الأحرار ضد الحكم الإمامي‮ ‬إلى مذاهب تحولية جديدة تشير في‮ ‬جوهرها لحيوية تجدد الأمل مع ما تعرضت له الحركة الوطنية من نكسات خلال الفترة السابقة‮.. ‬وقد كشفت تلك التحولات عن نسق مرحلي‮ ‬التقطه البعض ورصدوه بأكثر من وجهة‮.. ‬كانت دائما تنتهي‮ ‬جميعها إلى مصب واحد هو ذلك النضال البطولي‮ ‬الذي‮ ‬جابه به الأحرار سيف الجلاد‮.‬
الدكتور أحمد قايد الصائدي‮ ‬يحدد ما مرت به المعارضة بأربع مراحل رئيسة‮: ‬الاولى مرحلة المعارضة الدينية والقبيلة‮ ‬والأسرية المعزولة عن بعضها والمحدودة‮ ………‬‮ ‬الثانية‮: ‬مرحلة المعارضة الوطنية التنويرية التي‮ ‬تبلورت في‮ ‬الثلاثينات ممهدة لظهور المعارضة كحركة شبه منظمة ومترابطة إلى حد كبير‮ ‬الثالثة‮: ‬مرحلة المعارضة السياسية العلنية الشبه منظمة التي‮ ‬بدأت عام‮ ‬1944م بتأسيس حزب الأحرار اليمنيين متخذة من مستعمرة عدن قاعدة لنشاطها‮ ‬اما الرابعة فعدها مرحلة الانقلاب التي‮ ‬بدأت باغتيال الإمام‮ ‬يحيى حميد الدين في‮ ‬17‮ ‬فبراير‮ ‬1948م وانتهت بفشل الانقلاب وسقوط صنعاء بيد القبائل الموالية للامام أحمد في‮ ‬12‮ ‬مارس من نفس العام‮.‬
بينما حددها عبدالوهاب محسن جلبوب في‮ ‬رصده لحركة المعارضة اليمنية في‮ ‬عهد الإمام أحمد هذه المراحل في‮: ‬مرحلة المعارضة التنويرية التي‮ ‬بدأت في‮ ‬منتصف الثلاثينيات والتي‮ ‬مهدت لقيام حركة شبه منظمة‮ ‬مرحلة المعارضة السياسية المنظمة التي‮ ‬بدأت بتأسيس حزب الأحرار‮ ‬وإصدار جريدة صوت اليمن في‮ ‬عدن برئاسة الزبيري‮ ‬مرحلة ثورة‮ ‬1948م التي‮ ‬أدت إلى اغتيال الإمام‮ ‬يحيى‮ ‬وانتهت بفشل الثورة وسقوط صنعاء بيد الإمام أحمد والقبائل الموالية له‮ ‬مرحلة نشاط المعارضة بعد ثورة‮ ‬1948م رغم ما أصاب المعارضة من قتل وسجن وتشريد وتمثل ذلك في‮ ‬تأسيس الاتحاد اليمني‮ ‬في‮ ‬القاهرة وعدن‮ ‬مرحلة استفادة الأحرار من الخلاف بين أفراد الأسرة الحاكمة مما أدى إلى اندلاع حركة‮ ‬1955م‮ ‬مرحلة‮ ‬غياب التنسيق السياسي‮ ‬والعسكري‮ ‬وتفكك الجبهة الداخلية لعناصر المعارضة ومحاولة إعادة ترتيب صفوفها‮ ‬بعد الضربات الموجعة أثناء حركة‮ ‬1955م‮ ‬مرحلة نشاط المعارضة بعد تأسيس تنظيم الضباط الأحرار الذي‮ ‬استطاعت به المعارضة أن تسقط الحكم الإمامي‮ ‬وتعلن قيام النظام الجمهوري‮.‬

استفزتهم سياساته‮.. ‬فتداعوا للثورة

‬الإمامة في‮ ‬مواجهة مكونات النضال قراءة في‮ ‬نشأة المعارضة

كونوا‮ (‬أول جمعية للأمر بالمعروف‮) ‬فانتفض الأب وهددهم الابن بالدم فردوا بتشكيل‮ (‬حزب الأحرار‮)‬

عدم استيعابه لطموحهم الوطني‮ ‬أوصلهم لقناعة بضرورة الخلاص منه

‬> تفاصيل مثيرة عن خلايا‮ (‬التجار الأحرار‮) ‬وأدوار عبدالغني‮ ‬مطهر وبيت هائل
‬> ‬إبان حصار صنعاء أعلن نداء التطوع‮ .. ‬فهب ‮٠٢ ‬ألفا من عدن والضالع وردفان وحضرموت
‬> ‬كبار فناني‮ ‬عدن تبرعوا بحفلات لصالح صنعاء‮ ‬والعمال والطلاب وقود المقاومة الشعبية

‮❊ .. ‬صحيح أن هزائم الإمام‮ ‬يحيى حميد الدين عام‮ ‬1934م وعجزه عن حماية الوطن من النهش والامتهان مثل عامل استفزاز قوي‮ ‬للمتنورين‮.. ‬إلا أن تحركهم إلى فعل المواجهة وبذاك الشكل الواعي‮ ‬لمتطلبات هذا التحرك دلل على وجود اشتغال مكتوم ظل ملازما لنفسيات هؤلاء المتنورين من اليمنيين منذ ما قبل ذلك‮.‬
في‮ ‬ذلك الحين تشكلت لحظة الانفجار الأولى على الذات رفضا للقبول والاستكانة دون القيام بأي‮ ‬دور‮.. ‬وليصير الفعل بعدها إلى صيغة مختلفة هزت أركان النظام الإمامي‮.. ‬حين ظهرت أول محاولة للاشتغال على العمل المعارض المنظم ضد الإمام‮ ‬وبدء خطوات مسار الحركة الوطنية النضالية ضد ديكتاتوريته‮ ‬وإقصائه للآخرين‮.‬
جمع الهم الوطني‮ ‬أعدادا من الأحرار‮.. ‬فساروا بهدفهم خطوات طويلة من النضال اتسمت بالكثير من التحولات‮.. ‬رافعين في‮ ‬البداية شعار الإصلاح‮.‬

حينها كانت عوامل النهوض بالمجتمع عند درجة الصفر‮.. ‬مستوىٍ‮ ‬بائس للنظام التعليمي‮ ‬ومواقف متزمتة من الأفكار العصرية ومن المطالب الإصلاحية المتواضعة واتهام أصحابها بالكفر والعمالة وممارسة الإرهاب ضدهم جعلهم‮ ‬يقفون معه على طرفي‮ ‬نقيض حسب الدكتور أحمد قايد الصائدي‮ ‬في‮ ‬كتابه‮ (‬حركة المعارضة اليمنية في‮ ‬عهد الإمام‮ ‬يحيى بن محمد حميد الدين‮) ‬والذي‮ ‬يضيف أن الظروف المحيطة بهم التي‮ ‬جعلتهم‮ ‬يعيشون‮ – ‬بأفكارهم وطموحاتهم‮ – ‬في‮ ‬غربة وتناقض مع القيم السائدة وعدم قدرتهم على تصحيح تلك القيم بما‮ ‬ينسجم مع أفكارهم بسبب وقوف النظام القائم إلى جانبها مما جعلهم‮ ‬يرون في‮ ‬ذلك النظام‮ – ‬المتمثل في‮ ‬شخص الإمام‮ ‬يحيى وأولاده‮ -‬العقبة الرئيسية التي‮ ‬لو زالت لانفتحت الطريق أمام عملية الإصلاح ولتمكنوا من تحقيق ذواتهم‮ ‬مشاهد الظلم التي‮ ‬يرونها أثناء حياتهم اليومية والتي‮ ‬يلحقها النظام بالمواطنين البؤساء‮ ‬كما أن‮ «‬إحساسهم بركاكة النظام أمام الأعداء الخارجيين وعجزه عن حماية التراب الوطني‮ ‬على رغم ما‮ ‬يبديه من قوة وعنف في‮ ‬إسكات معارضيه في‮ ‬الداخل‮».. ‬وكلها أسباب ولدت حالة من التذمر لدى المتنورين ضد الإمام‮.‬
يقول عبدالوهاب محسن صالح جلبوب وهو أكاديمي‮ ‬أنجز في‮ ‬العام‮ ‬2008م بحثا حول حركة المعارضة اليمنية في‮ ‬عهد الإمام أحمد‮ ‬1948‮-‬1962م‮: «‬بدأت نزعات المعارضة ضد الحكم الإمامي‮ ‬تأخذ طابعاٍ‮ ‬علنيٍا نسبيٍا في‮ ‬بداية الثلاثينيات حيث كانت هزائم الإمام‮ ‬يحيىى سنة‮ ‬1934م سببٍا مباشرٍا لبروز المعارضة‮ ‬فتعالت أصوات القوى المستنيرة في‮ ‬المجتمع منتقدة ومستنكرة ما حدث‮ ‬وتحول الانتقام والاستنكار إلى حركة معارضة‮».‬
} } } }
عمد مجموعة المتنورين الأحرار إلى ممارسة النقد أملا في‮ ‬أن وصوله إلى الإمام‮ ‬يمكن أن‮ ‬يدفعه إلى تغيير أسلوبه في‮ ‬الحكم‮.. ‬ووجدوا في‮ ‬خلق التكوينات الحاضنة لهم والمنظم لنشاطهم المتنفس الموضوعي‮ ‬بالتزامن مع إيجاد وسائل إعلامية‮ ‬ينشرون من خلالها آراءهم النقدية‮.. ‬ويذكر الدكتور صادق عبده علي‮ ‬في‮ ‬كتابه‮ (‬الحركات السياسية والاجتماعية في‮ ‬اليمن‮) ‬إن المعارضة لحكم‮ ‬يحيى حميد الدين بدأت عن طرق تأسيس‮ «‬جمعية الأمر بالمعروف والنهي‮ ‬عن المنكر‮» ‬بالحجرية في‮ ‬نادي‮ ‬الثقافة عام‮ ‬1934م‮»‬‮ «‬وفي‮ ‬عام‮ ‬1936م تشكلت‮ «‬الجمعية الأدبية‮» ‬بصنعاء ثم تشكلت في‮ ‬التربة الجنوبية جماعة‮ «‬أنصار الأدب‮».‬
كان هدف رواد هذه الجماعات تطوير الأدب في‮ ‬البداية إلا انهم ما لبثوا أن بدأوا في‮ ‬الكتابات السياسية فانتقدوا السلطة المطلقة للإمام ونظام الضرائب‮.. ‬قبل ذلك بعام كانت قد ظهرت في‮ ‬تعز‮ «‬جمعية المشايخ متزامنة مع‮ «‬هيئة النضال‮» ‬التي‮ ‬أسسها أحمد المطاع في‮ ‬صنعاء‮…» ‬حسب الدكتور علي‮ ‬مطهر العثربي‮.. ‬ويعتبر عبدالوهاب محسن صالح جلبوب‮. ‬هيئة النضال أول الجمعيات ظهورا في‮ ‬صنعاء سنة‮ ‬1935م‮.‬
وعلى الرغم من أن تلك المرحلة من الحركة الوطنية اقتصرت على المطالبة بالإصلاح ثم التحول إلى التوعية والتنوير في‮ ‬أوساط الوطنيين إلا أن ذلك لم‮ ‬يحل دون قيام الإمام‮ ‬يحيى بممارسة رغبته في‮ ‬إسكات أي‮ ‬صوت‮ ‬يتضمن رأياٍ‮ ‬معارضاٍ‮ ‬أو ناقد لحضرة الإمام‮.. &#8236

قد يعجبك ايضا