تقرير /أحمد الطيار –
كشف الخبير الاقتصادي عبد المجيد البطلي خبير التخطيط والسياسات التنموية بوحدة السياسات في وزارة التخطيط والتعاون الدولي أن النفقات الاستثمارية في الموازنة العامة للدولة وجهت أوضاعاٍ حرجة خلال عام 2011م حيث وصل الحد إلى تجميد معظم مشاريع البرنامج الاستثماري العام للدولة الأمر الذي أثر تأثيراٍ سلبياٍ عميقاٍ على وضع التنمية والتخفيف من الفقر.
وبين البطلي في دراسة حديثة خص نسخة منها لـ”الثورة “أن النفقات الرأسمالية والاستثمارية وصلت ذروتها إلى 1.6 مليار دولار عام 2007م وبما يمثل 17.7% من النفقات العامة إلا أنها استمرت في الانخفاض التدريجي سنة بعد أخرى حيث تراجعت إلى 1.2 مليار دولار عام 2010م وبما يمثل 12.6% من إجمالي النفقات العامة وتباعاٍ لذلك واجهت النفقات الاستثمارية أوضاعاٍ حرجة عام 2011م حيث وصل الحد إلى تجميد معظم مشاريع البرنامج الاستثماري العام للدولة. الأمر الذي يؤثر تأثيراٍ سلبياٍ عميقاٍ على وضع التنمية والتخفيف من الفقر.
كاشفا عن وجود فجوة واضحة بين اتجاهات الإنفاق التنموي في الموازنة وبين استهدافات خطط واستراتيجيات التنمية الوطنية التي تسعى نحو زيادة المكون الاستثمار في الموازنة لتحقيق أهداف وغايات الخطة ففي عام 2008م بلغ البرنامج الاستثماري 202% من الموازنة الرأسمالية. وتعود الفجوة بين الموازنة السنوية والبرنامج الاستثماري لخطة التنمية إلى أن خطة التنمية تعد على أساس منهجية متفائلة وتعكس الاحتياجات في حين تعد الموازنة على منهجية متحفظة ووفي ضوء الموارد المتوفرة وهذا يحتاج إلى تقريب التفاوت في توقع العائدات وتطوير الإطار المالي متوسط المدى.
وتعكس نسبة النفقات الرأسمالية والاستثمارية إلى الناتج المحلي الإجمالي مستوى الدور الإنمائي للموازنة العامة للدولة وباعتماد ذلك المعيار تشير البيانات إلى انخفاض نسبة الإنفاق الرأسمالي والاستثماري تدريجياٍ من 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2006م إلى 3.8% عام 2010م. وهذا يدل على ضعف وتراجع دور الموازنة العامة في دعم النمو الاقتصادي.
ويقول الخبير البطلي :إن سياسات الإنفاق الاستثماري العام للموازنة اتسمت بجمودها وبالتالي تعارضها مع اتجاهات المتغيرات الكلية فخلال الفترة 2006م-2010م تعرض الاقتصاد الوطني لصدمات عدة ومنها أزمة الغذاء العالمي ثم الأزمة المالية العالمية وتلهما كارثة السيول في محافظتي المهرة وحضرموت.
منوها بأن تلك الصدمات الكثير نجم عنها العديد من الآثار السلبية على المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الكلية ومن أهمها ارتفاع مستويات البطالة والفقر وتفاقم ظاهرة انعدام الأمن الغذائي. ومع ذلك لم تستجب السياسة المالية الانفاقية واتخذت مساراٍ عكسياٍ وكأن الأمر لا يعنيها. ففي الوقت الذي عملت فيه معظم دول العالم على تقديم حزم الحوافز المالية للحد من آثار الأزمة المالية فقد كان الوضع مختلفا في اليمن حيث استمر خفض الإنفاق الاستثماري في الموازنة مع أنه أفضل وسيلة لحفز النمو وحماية السكان من الانزلاق تحت خط الفقر.
وأضاف :لقد أفضى تشوه واختلال هيكل الإنفاق العام بسبب هيمنة الإنفاق الجاري الحتمي وضعف الاستدامة المالية إلى إخراج السياسة الانفاقية للموازنة عن مسار السيطرة وعقد إمكانية الاستفادة منها كإحدى أدوات السياسة الاقتصادية الكلية الهادفة.
ويرى البطلي انه رغم أهمية النفقات الاستثمارية في توفير فرص العمل وتحسين الحياة المعيشة للمواطنين ومن ثم تعزيز دور الموازنة الاجتماعي والتنموي إلا أنه يتم التعامل معها كمتغير تابع لوضع الإيرادات النفطية وموقف عجز الموازنة. وما يثير الدهشة أن العكس ليس بصحيح. أي أنه يتم تمويل عجز الموازنة بتخفيض الإنفاق الاستثماري العام في حين لا يتم زيادة الإنفاق الاستثماري في حالة الفائض.
ولا يقف الأمر عند محدودية المخصصات الاستثمارية بل يتعداها إلى ضعف كفاءة ونوعية الاستثمارات المنفذة حيث يذهب معظم الإنفاق الاستثماري لجوانب غير إنتاجية مثل التركيز على إنشاء المباني وبتكاليف أكبر بكثير مما تستحق.
ويمضي بالقول :علاوة على ذلك تفتقر النفقات الاستثمارية لوجود معايير دقيقة عند تخصيصها فمشاريع البرنامج الاستثماري العام لا توزع بناءٍ على مؤشرات الحرمان الاجتماعي والفجوات التنموية بين المحافظات ويؤكد ذلك عدم وجود توزيع جغرافي لمشاريع البرنامج الاستثماري العام حتى الآن واعتماده لجاهزية الدراسات والتصاميم الخاصة بالمشروع كأحد المعايير لإعطائه الأولوية في التمويل. فضلاٍ عن أن تخصيص تلك النفقات ينقصه الشفافية وعدم إخضاعها للنقاش والحوار المفتوح بين المعنيين. وهذا يظهر الحاجة لتبني إصلاحات جادة من أجل الوفاء بمبادئ اقتصاد السوق الاجتماعي وما يدعو إليه من عدالة في توزيع الموارد لتعزيز التنمية المتوازنة بين المناطق تفادياٍ لإشعال الصراع الاجتماعي.
وفي ظل محدودية موارد الدولة وقدرتها على التدخل فإن من المهم التركيز على إكمال المشاريع المتعثرة وقيد التنفيذ خاصة في قطاعي التعليم والصحة من أجل رفع كفاءة استخدام رأس المال وتحسين الثقة في الحكومة. إضافة إلى العمل على وضع رؤية واضحة لأولويات المشاريع الاستثمارية قطاعياٍ وجغرافياٍ. وكذلك تشجيع القطاع الخاص على الدخول في مشاريع البنية التحتية عالية التكلفة.