حقوق ذوي الإعاقة وتكييف البيئة لتلائم احتياجاتهم
إعداد الدكتورة/ فوزية بنت محمد أخضر –
قضية الإعاقة ليست قضية فردية بل هي قضية مجتمع بأكمله وتحتاج إلى استنفار تام من جميع المؤسسات والقطاعات العامة والخاصة للتقليل والحد من آثار الإعاقة السلبية كما إن تأهيل وتعليم وتدريب الطفل ذي الحاجة الخاصة للتكيف مع مجتمعه يعتبر غير كاف في ميدان التربية الخاصة الحديثة حيث إنه يجب تكييف البيئة الطبيعية لتلبي احتياجاته ومتطلباته حتى يكون هناك تفاعل مستمر بين الطرفين لذلك نالت البيئة الطبيعية الاهتمام وولدت فكرة البيئة المحررة من العوائق والتي تقوم على واقع أن هناك عوائق يصنعها الإنسان في البيئة أو قد تكون موجودة ويجب تعديلها في كل من المباني والمنشآت والمرور والإسكان والمواصلات وغيرها من الأجهزة الخاصة والعامة لتصبح مناسبة لهذه الفئات للتفاعل مع المجتمع والبيئة المحيطة بهم بكل حرية و ليسهل دمجهم في المجتمع بعد القيام بتعليمهم وتأهيلهم وتدريبهم ووضع البرامج الإعلامية المتكاملة والتعليمية لإزالة الشوائب العالقة في بعض الممارسات تجاههم وتسهيل إشراكهم في العمل والحياة الطبيعية .
وتعالج هذه الورقة عدداٍ من المواضيع الخاصة بتوفير خدمات خاصة لهذه الفئات في كل من النقل البري والبحري والجوي والمباني الجاهزة والأماكن المقترحة وتخلص إلى عدد من التوصيات لتطوير بعض الخدمات الأساسية لنقل ذوي الاحتياجات الخاصة .
وأود أن أنوه أن ما كتبته في هذه الورقة لم اعتمد فيه على المراجع المكتوبة فقط وإنما هو نتاج خبرة ميدانية طويلة ومعايشة فعلية مع هذه الفئات وأسرهم بحكم إنني أم لأحد هذه الفئات إضافة إلى الدراسات النظرية والتخصص في هذا المجال لذلك سوف لا يكون تركيزي على المراجع بقدر ما يكون على الخبرة العملية الميدانية الفعلية .
وبما إن مملكتنا الرشيدة قد خطت خطوات واسعة في هذا المجال وقدمت الخدمات اللازمة لهذه الفئات باعتبارهم جزءاٍ من المجتمع لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات لهذا فإن التطلعات كبيرة إلى تغطية النواقص جميعها في مجال الخدمات وحيث إن سياسة التعليم في المملكة والتي صدرت عام 1390هـ قد أكدت على حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم والتدريب والرعاية مثلهم مثل غيرهم دون تمييز أو اختلاف كما أخذت الدولة حباها الله على عاتقها مسؤولية رعايتهم تربوياٍ وصحياٍ ونفسياٍ واقتصاديا واجتماعيا وفي جميع المجالات بحسب ما تسمح به قدراتهم المتبقية وركزت على تلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم وإعطائهم جميع حقوقهم وسنت القوانين الخاصة التي تتضمن ذلك منذ فترة طويلة جداٍ تماشياٍ مع متطلبات ديننا الحنيف الذي يحث على المساواة والعدل وعدم التفرقة بين الضعيف والقوي أو الفقير والغني أو الصحيح والمريض وجعل معيار التمييز بين البشر هو التقوى . كما حث ديننا على رعايتهم والاهتمام بشئونهم ودعا إلى الرفق بهم وعدم إرهاقهم بالطلب منهم ما يفوق قدراتهم وحسن معاملتهم والتلطف بهم وأكبر دليل على ذلك العتاب الإلهي للرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى :
(عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى) والذي يعتبر دستوراٍ للعمل الاجتماعي مع هذه الفئات ويؤكد الله سبحانه وتعالى أهمية العناية بالأشخاص ذوي الإعاقة بقوله تعالى (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ).
ونظرة الإسلام مبنية على حفظ الكرامة والمساواة والعدل والموازنة بين الحقوق والواجبات بينهم وبين العاديين و حقهم في العمل والتعليم والتأهيل والتشغيل .
كما عنى الخلفاء الراشدون بأمورهم وبلغ من اهتمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحرصه على المقعدين أن بادر إلى سن أول شريعة اجتماعية في العالم لحماية المستضعفين والمقعدين والطفولة بإنشاء ديوان للطفولة والمستضعفين وفرضت للمفطوم والمسن والمعاق فريضة إضافية من بيت المال كذلك أكد عبدالله بن مروان رضي الله عنه حرصه على فئات المعاقين بسياسة أعطت لكل مقعد خادم ولكل ضرير قائد ومنعت المعاقين من سؤال الناس و بلغ من اهتمام الوليد بن عبدالملك رضي الله عنه ان أنشأ لذوي العاهات داراٍ خاصة للعناية بهم وأجرى عليهم الأرزاق.
ومن هذا المنطلق الإسلامي ركز ولاة الأمر في هذا البلد المعطاء على إعطائهم كافة حقوقهم حيث صدرت الموافقة السامية في عام 1406هـ بتيسير الخدمات اللازمة لهم وتخفيض أجور النقل جواٍ وبحراٍ وبراٍ بواقع 50٪ لهم ولمرافقيهم أيضاٍ وصدرت الموافقة السامية على النظام الوطني للمعاقين والذي تشرفت بأن أكون أحد أعضاء فريق العمل به والذي كان من أهم توصياته إنشاء مجلس أعلى لشئون المعاقين والذي توج بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير / عبدالله بن عبدالعزيز رئيساٍ لهذا المجلس.
ويجب إدراج قضية الأشخاص ذوي الإعاقة ضمن برامج دعم الطفولة في العالم العربي وضمان حصوله على كافة الحقوق التي يتمتع بها غير المعاق والحد من التمييز بينه وبين بقية الأطفال في الأسرة والمجتمع و عدم إطلاق المسميات التي قد تؤثر على نفسيته مثل كلمة معوق وأبله ومعتوه وأبكم وأخرس وشاذ وعاجز الخ….
والتي كانت من أهم آثارها السلبية هي :
ـ الوصمة الاجتماعية لهؤلاء بالقصور والعجز أكثر من الإشارة إلى مظاهر الكفاءة والمساواة والإيجابية مع إغفال قدراتهم كالعاديين .
ـ إعطائهم الشعور بالدونية و بأنهم أقل قيمة وقدرة من غيرهم .
ـ الشعور بالإحباط وعدم تقديرهم لذاتهم وإحساسهم بالألم النفسي والشعور بالخجل والعار نحو ذاتهم.
ـ شعور أسرهم نحوهم بهذه المسميات السلبية واستبدالها بمسميات بديلة قد تكون أكثر إيجابية مثل الفئات الخاصة وذوي الاحتياجات الخاصة والتي تتميز بالاتساع والشمول كما تنطوي على نظرة أكثر إيجابية من حيث أنهم فئات خاصة يمكن أن يصبح أداؤهم عادياٍ أو على الأقل قريباٍ من العادي .
هذا ويعتبر المجتمع هو العائق أو العاجز لأنه لم يستطع توفير الخدمات الخاصة بهم وهو الذي أعاقهم .
و يهدف النظام الوطني للمعاقين إلى توفير الرعاية الصحية والتربوية والتأهيلية والنفسية والاجتماعية الشاملة مع توفير المعينات التعويضية المساعدة وإدخال قضيتهم في المناهج التربوية العامة كمادة تدرس في المدارس والاهتمام بتدريب أسرهم ومعلميهم على الطرق المثلى للتعامل معهم وحمايتهم من الإيذاء والإساءة وتغيير الاتجاهات السلبية عن طريق تأهيل المجتمع لتغيير النظرة السلبية نحوهم. لو ألقينا نظرة على حقوقهم في المجتمعات المتقدمة ومتى بدأت لوجدنا أنها بدأت منذ أن تم عقد هيئة الأمم المتحدة لمشاركة العجزة والمعوقين في الحياة العملية عام 1982م ليكون هذا العقد منطلقاٍ للدول والهيئات التي نظمت برامج لخدمة هذه الشريحة من المجتمع لتواصل عطائها وإنجازاتها وللدول التي لم تنطلق بعد في تحقيق المتطلبات اللازمة لخدمتهم لكي تبدأ برامجها وتستفيد من خبرات جميع الهيئات والمنظمات والحكومات التي سبقتها. كما هدف هذا العقد إلى تشجيع القطاعات الأهلية والحكومية لتوفير الحد الأدنى من الخدمات على الأقل وأن تعمل على رفع المستوى التعليمي والاقتصادي المعيشي والوظيفي لجميع الفئات الخاصة والأهم من كل ذلك هدف إلى توجيه الرأي العام إلى الاهتمام بقضايا هذه الفئات وإعدادهم إعداداٍ سليماٍ للاعتماد على النفس ومشاركتهم مشاركة فعلية هم وأسرهم في جميع ما يخص قضاياهم.
وحقوقهم لا تقتصر فقط على تقديم الخدمات التربوية والتدريبية والتأهيلية والصحية والمقدمة لهم عن طريق بعض المؤسسات التربوية والاجتماعية والصحية مثل كل من وزارة المعارف ووزارة العمل والشئون الاجتماعية ووزارة الصحة.
ولكن الواقع أن احتياجاتهم تفوق ذلك فهم يحتاجون إلى خدمات جميع المؤسسات وقطاعات المجتمع الخاصة والعامة مثل خدمات وزارة الخدمة المدنية ووزارة المالية ووزارة الداخلية ووزارة الخارجية ومجلس الشورى ووزارة البلدية والقروية وغيرها من مختلف مؤسسات المجتمع .
وفي ضوء الأدبيات المعاصرة المتعلقة بالإعاقة تم تحديد أنواعهم وتصنيفاتهم حسب تصنيفات التربية الخاصة ويختلف كل تصنيف عن الآخر من حيث الخدمات والاحتياجات والمتطلبات والرعاية. التصنيفات هي :
1ـ المعاقون جسدياٍ ( من مقعدين وأقزام ومبتوري الأطراف والمصابين بشلل الأطفال والشلل الدماغي وغيرهم ).
2ـ المعاقون حسياٍ ( وهم المعاقون سمعياٍ والمعاقون بصرياٍ ) .
3ـ المعاقون ذهنياٍ ( ممن لديهم نقص في الذكاء عن المستوى الطبيعي من متخلفين عقلياٍ وبطيئي التعلم ).
4ـ المعاقون أكاديمياٍ ( ذوي صعوبات التعلم والتأخر الدراسي ) .
5ـ المعاقون تواصلياٍ ( ذوي عيوب النطق والتخاطب والكلام ) .
6ـ المعاقون سلوكياٍ ( ممن لديهم تشتت في الانتباه ونشاط زائد وتوحد وأحداث وغيرهم) .
7ـ متعددو العوق ( الذين لديهم أكثر من إعاقة ).
> عضو مجلس إدارة جمعية الأطفال المعاقين بالمملكة العربية السعودية