عدن ولحج بين تدمير القباب والأضرحة الإسلامية وعبث يطال الكنائس والمقابر المسيحية

تتوارد الأنباء تباعا من محافظتي عدن ولحج تتحدث عن تلك الاعتداءات المتكررة التي تنفذها عناصر تابعة للعدوان السعودي بحق تراث هاتين المدينتين العريقتين , حيث نقلت عدد من الوكالات والواقع الإخبارية عن إقدام عدد من العناصر المسلحة بالاعتداء على مقابر وكنائس مسيحية في عدن ولحج يعود تاريخها إلى ما قبل عقود عديدة بالإضافة إلى بعض القباب والمآثر الإسلامية التاريخية في خطوة تماثل تماما ما أقدمت عليه عناصر داعش من هدم وتدمير للمآثر الدينية في كل من سوريا والعراق .

هاهي عدن مدينة التسامح والتعايش بين الأديان منذ مئات السنين تواجه المصير ذاته حيث عمدت عناصر مسلحة يعتقد أنها تتبع تنظيم القاعدة مطلع الأسبوع الجاري بتفجير قبة الإمام عمر بن عبدالعزير السقاف في منطقة الوهط محافظة لحج وهذا المعلم يزيد عمره عن 800 عام بحسب المصادر التاريخية وهذه الحادثة ليست الأولى فقد سبق وإن تم تخريب أضرحة وقباب أخرى في عدن وخاصة في منطقة الحمراء بالإضافة إلى ضريح العيدروس وغيرها , كما قامت تلك العناصر أواخر الأسبوع الماضي بحسب ما تناقلته بعض المواقع الإخبارية نقلا عن سكان محليين باقتحام كنيسة تاريخية في كريتر واقتحام كنيسة البنجسار الكاثوليكية في التواهي وقاموا بأعمال نهب وعبث وتخريب لمحتويات الكنيستين ,بالإضافة إلى قيامها بتدمير مقبرتين للمسيحيين الأولى في منطقة القلوعة بالتواهي والثانية في المعلاء .
كما نقلت إحدى وكالات الأخبار عن وكالة فيديس المسيحية ومقرها في الفاتيكان أن كنيسة الحبل بلاد دنس في عدن تعرضت لقصف من قبل التحالف الذي تقوده السعودية وأدى هذا القصف إلى تدمير أجزاء من الكنيسة وإلحاق أضرار بالغة فيها إلا أنها لم تدمر بشكل كامل .
المتابع لسير الأحداث خاصة فيما يتعلق بتدمير التراث يلاحظ تشابه العدوان السعودي مع عناصر داعش سواء في اليمن أو سوريا والعراق وهذا يدل على مدى الترابط الفكري والأيدلوجي بين الجانبين وكأنهما ينهلان من فكر واحد .
8 كنائس في عدن
ولمزيد من الإيضاح حول جرائم تدمير القباب الإسلامية والمقابر والكنائس المسيحية التقينا بعدد من المختصين والمسؤولين عن الآثار اليمنية.
حيث يؤكد المعنيون بآثار عدن أن الكنائس التاريخية في عدن تبلغ عددها (8) كنائس موزعة على عدد من المديريات (المعلاء – التواهي- كريتر- الشيخ عثمان – البريقة ) .
المعلومات غير كافية
وهنا يقول الأخ مهند السياني رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف :إن الهيئة لم تتمكن من عمل بيان حول هذه الأحداث التي جرت في عدن ولحج قبل أيام بسبب عدم توفر المعلومات الكافية حولها ففروع الهيئة في هاتين المحافظتين لم يستطع فيها الموظفون ممارسة أعمالهم بسبب الأوضاع فمعظمهم نزحوا إلى أماكن آمنة .
وأضاف : وصلت إلينا أخبار عن اعتداءات بحق بعض المعالم الدينية أسلامية ومسيحية في عدن ولحج ومنها الكنائس والمقابر المسيحية بالإضافة إلى تدمير قبة الإمام عمر السقاف في الوهط لحج فضلا عن كنيسة أخرى تم استهدافها من قبل طائرات التحالف ولكن لا نستطيع حتى الآن حصر وتوثيق الأضرار التي لحقت بهذه المعالم جراء الأعمال الإجرامية التي قامت بها بعض العناصر ولا يمكننا التأكد من صحة هذه الاعتداءات بسبب الأوضاع التي لازالت متوترة في عدن ولحج وهناك معالم أثرية أخرى لحقت بها الأضرار جراء العدوان مثل قلعة صيرة والصهاريج والمتحف وهذه أيضا لم يستطع فرعنا بعدن حصرها وتوثيقها ومعرفة حجم الأضرار وهذا كله سيتم بعد أن تهدأ الأوضاع وقد شكلت لجنة من وزارة الثقافة والآثار وفروع الهيئة بالمحافظات لحصر وتوثيق الأضرار التي لحقت بالمواقع والمعالم الأثرية .
فروع الآثار والأوضاع الصعبة
وحول ما تمثله هذه الأعمال من أضرار بتراث بلد وحضارة مدينة مثل عدن وأخرى مثل لحج تفقد جزءاٍ من ماضيها العريق ,أوضح السياني أن استهداف أي معلم أثري سواء كان إسلامياٍ أو أطلالاٍ أو مسيحياٍ جريمة تمس التراث وكان لدينا في الهيئة مقترح بأن تقوم الهيئة ووزارتا الثقافة والأوقاف بإصدار بيان مشترك يتم فيه إدانة واستنكار مثل هذه الأعمال والاعتداءات وتجريم مرتكبيها وحث المواطنين على حمايتها والحفاظ عليها كل في محافظته .
وأشار إلى أن فروع الهيئة في بعض المحافظات ومنها عدن ولحج تعيش أوضاعا صعبة نتيجة للأحداث التي تشهدها تلك المحافظات حتى أن مرتبات وأجور الموظفين في الفروع لم تصل اليهم ولم تتمكن الهيئة حتى الآن من إرسالها إليهم بسبب الأحداث فكيف نطالبهم بالعمل في مثل هذه الظروف ونطلب منهم معلومات دقيقة هي بحاجة إلى إمكانيات مادية ناهيك عن زيارات ميدانية إلى المواقع والمعالم المتضررة الأمر الذي يعرضهم للأخطار .
الآثار في عدن ولحج دكت بشكل كبير
والتقينا الأخ عبدالكريم البركاني نائب مدير عام حماية المواقع والمعالم الأثرية في ديوان الهيئة والذي أوضح أن المعالم والمواقع الأثرية في محافظتي عدن ولحج دكت إلى درجة كبيرة , فالكثير من المعالم الأثرية في هاتين المحافظتين لم تسلم من القصف بشتى أنواعه من الأرض أو من السماء وإن كان السماء اشد وأكثر تدميرا , والجديد المؤلم هو تفجير قبة السقاف(عمر بن عبدالعزيز السقاف) في منطقة الوهط بلحج من قبل متطرفي تنظيم القاعدة وهذه القبة التي تحوي ضريحاٍ واحداٍ من أهم علماء اليمن قبل (800) عام وهي أيضا أي القبة من ابرز المعالم الأثرية الإسلامية في لحج .
وأضاف :  الأنباء التي وصلتنا من عدن مؤخرا أن عددا من الكنائس والمقابر المسيحية تم الاعتداء عليها بالتخريب والعبث والنهب من قبل جماعات القاعدة فهذه الأعمال ليست مستبعدة عليهم فهم حاقدون على كل المقدسات الدينية حتى طائرات العدوان السعودي جعلت من الكنائس أهدافا لها وكذا تعرضت الكنائس لقذائف القوى المتحاربة على الأرض .
وقال البركاني : فرع الهيئة في عدن وكذا الفرع في لحج مغلقان منذ بداية الأحداث ولهذا ليس لدى الهيئة معلومات دقيقة حول حجم الأضرار التي لحقت بالكنائس والمساجد والأضرحة والقباب أو حتى بالمعالم الأثرية الأخرى التي أصدرت فيها الهيئة بيانات بتعرضها للاعتداءات والقصف وذلك بسبب ظروف الحرب والعدوان وبالتالي لا زالت الأضرار وحجمها سواء في الكنائس أو بقية المعالم الأثرية غير واضحة ولن يتضح ذلك إلا بعد تنفيذ قرار نائب وزير الثقافة الأخت هدى أبلان بالنزول الميداني إلى تلك المعالم عبر لجنة متخصصة شكلت لهذا الغرض مهمتها حصر وتوثيق الأضرار ومستواها وخطورتها .
قد نفقد الأضرحة قريباٍ
وحول نظرتهم لمثل هذه الأعمال التي قامت بها عناصر القاعدة واستهدفت تراث البلد وحضارته أجاب البركاني قائلا : بالنسبة لنا كآثاريين ننظر إلى هذه الأعمال بأنها تتنافى مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف كذلك تضر بموروثنا الثقافي وخاصة الإسلامي وسوف نفقد مع الأيام احد أهم عناصر العمارة الإسلامية والمتمثلة بالقباب والأضرحة كإحدى العناصر المعمارية المستقلة بطابعها المعماري والزخر في والدور الوظيفي لها .
وإذا كان المعنيون في هيئة الآثار الديوان العام ليست لديهم معلومات دقيقة حول الاعتداءات على الكنائس والقباب في عدن ولحج فهل لدى مدراء الفروع معلومات كافية .
دمار ممنهج بدأ في 94م
يقول الأخ محمد سالم السقاف مدير عام الآثار والمتاحف بعدن : الكثير من الدمار لحق بعدن البشر والحجر والبناء التحتية والمعالم الأثرية والتاريخية جزء من هذا الدمار الممنهج الذي استهدف عدن وهويتها التاريخية والثقافية منذ العام 1994م إلى الآن من قبل قوى حاقدة على هذه المدينة وأهلها ومقدار الدمار الذي لحق بآثار عدن لا نستطيع حصره بسبب الظروف الصعبة التي تعاني منها المدينة فضلا عن غياب الإمكانات البشرية والمادية للآثار حاليا وربما في الأيام المقبلة بعد أن تهدأ الأوضاع بعدن نستطيع وبشكل دقيق أن نضع تقييما واقعيا لما حل من تدمير لمعالم ومواقع الآثار في المدينة .
وحول ما حدث للكنائس والقباب التاريخية قبل أيام في عدن أوضح السقاف أن الذي حدث ليس جديداٍ بل هو امتداد للمشروع الذي بدأ في العام 1994م حيث تم استهداف القباب الاثرية وتكرار هذا الأمر الآن يحمل مشروعا سياسيا بدرجة أساسية يحاول إظهار التطرف الديني الذي لا ينسجم أبدا مع ثقافة المدينة التسامحية التي عرفت بها عدن منذ مئات السنين .
موظفو الآثار نازحون
وأضاف : ليس لدينا معلومات دقيقة حول ما حدث للكنائس والقباب في عدن ذلك لأننا في الفرع وكافة الموظفين لم نستطع الدوام منذ بداية الأحداث والكثير من الموظفين وأنا منهم نزحنا إلى خارج عدن ولا زلنا إلى الآن نازحين ولكن بمجرد أن وصلت إلينا الأخبار بهذه الاعتداءات تواصلنا مباشرة مع بعض الأهالي في عدن وبدورهم أكدوا انه بالفعل حصلت محاولات من قبل بعض ضعفاء النفوس نجحوا في بعضها وأخفقوا في البعض الآخر خاصة في محافظة لحج ولم نستطع حتى الآن الحصول على معلومات بهوية من قاموا بهذه الأعمال هل هم قاعدة أم دواعش .
وأشار السقاف إلى أن القباب والأضرحة ليست حالة خاصة في عدن وإنما موجودة في كل المحافظات وحتى في الدول العربية والإسلامية وتكتسب أهميتها من الجانب المعماري الهندسي أو من قدم بنائها أو الوظيفة الدينية التي تدلل عليها , أن الكنائس الثمان الموجودة في عدن تكمن أهميتها في رمزيتها من خلال التجانس المجتمعي والثقافي الذي تميزت به عدن عن غيرها من المدن والمحافظات اليمنية .
حاولنا مرات عديدة التواصل مع مدير فرع الآثار بلحج ولكن لم تفلح محاولاتنا وحتى هواتفه مغلقة وبدورنا نلتمس العذر للأخ مدير فرع الآثار بلحج الأخ عارف ناشر بحجم ما تمر به المحافظة من ظروف استثنائية بالغة التعقيد .

قد يعجبك ايضا