اتخذ العدوان السعودي الأمريكي على اليمن صوراٍ وأساليب شتى بهدف كسر إرادة اليمنين وإعادتهم إلى “بيت الطاعة” مستنفراٍ كل الإمكانات المتاحة لتحالف قوى العدوان بما في ذلك الآلة الإعلامية التي بلغت الذروة في التحشيد ضد اليمن والقوى الوطنية ضمن خطة ممنهجة اتكأت إلى تنويعات غير مسبوقة من التضليل والدجل وخلط الأوراق..
وإذ تتناول هذه الورقة الحرب الإعلامية التي رافقت يوميات العدوان على اليمن فإنها اكتفت بإجلاء الإطار العام لصورة الحرب العدوانية التي تضمنت التضليل الممنهج والتعتيم شبه المحكم على الأحداث في اليمن بالموازاة مع الصمت المريب الذي هيمن على إعلام ما يسمى بالعالم الحر تجاه الجرائم البشعة التي ارتكبتها قوات التحالف بحق اليمن واليمنيين على مدى ما يقارب خمسة أشهر. مع الإشارة إلى الدور الكبير الذي لعبه الإعلام المقاوم (الوطني والعربي) في التصدي للحظر الإعلامي وتقديم الحقيقة كما هي في الواقع اليمني.
التضليل الإعلامي الممنهج
منذ لحظة إنطلاق أول غارة جوية عدوانية على اليمن كانت فضائية العربية الحدث جاهزة للتغطية والمتابعة المباشرة وفق سيناريو إعلامي تضليلي تجاوز الحد الذي كان معروفاٍ ومألوفاٍ من قبل. وطوال الشهر الأول من يوميات العدوان كان المؤتمر الصحفي للناطق باسم تحالف العدوان أحمد العسيري بمثابة البوصلة التي توجه أداء مختلف الفضائيات العربية المرتبطة بالسعودية والدول العشر المتحالفة معها في العدوان على اليمن. ولذا فقد ساد الفضاء العربي حجم كبير من التضليل الإعلامي الذي امتد تأثيره ليشمل فضائيات ناطقة بالعربية ومعبرة عن سياسة الدول المنحازة والمؤيدة لتحالف الشر.
فاقت (العربية وأخواتها) سحرة فرعون في التضليل وتزييف الحقائق وصنعت من اليوم الأول انتصارات وهمية انخدع بها مرتزقة الرياض فظنوا أن ساعة الخلاص بالنسبة لهم قد أزفت فتمادوا أكثر وأكثر في عمالتهم للرياض وفي التأييد المطلق للغارات الجوية التي كانت تخلف يومياٍ عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين – جلهم نساء وأطفال- وغدا الكثير منهم واجهات سياسية وإعلامية يتناوبون الحضور على نشرات وبرامج الدجل ليصنعوا تضليلا إعلاميا مضافاٍ انخدع به ضعاف النفوس في الداخل والخارج.
وبالإضافة إلى الماكنة الإعلامية المرئية التي تفرغت للحدث اليمني فقد ارتبطت عشرات الصحف اليومية والمواقع الإليكترونية بترسانة التضليل الإعلامي فأضافت المزيد من المتابعات الإخبارية ومقالات الرأي التحليلية ذات الطابع العدواني غير المنسجم مع الحقائق والوقائع الميدانية.
كذلك كان لمواقع التواصل الاجتماعي ( فيس بوك تويتر يوتيوب جوجل بلس انستغرام واتس آب..وغيرها) دور كبير في الحرب الإعلامية التي استهدفت الرأي العام العربي والدولي وأسهمت في خلق انقسام بالداخل اليمني تجلت في الرؤى والمواقف التي سجلها كثيرون لم يتورعوا عن تأييد العدوان وإزجاء الشكر للسفاح سلمان..وصولاٍ إلى التهليل لغزو عدن من قبل تحالف الشر.
إضافة فإن الناطق باسم التحالف لم يتورع عن تهديد الإعلاميين والمنشآت الإعلامية المناهضة للعدوان وقد ترجمت قوات التحالف هذا التهديد إلى واقع فاعتدت لأكثر من مرة على مكتب قناة المسيرة بمحافظة صعدة ووصلت آثار العدوان إلى مكتب قناتي اليمن اليوم والمسيرة بالعاصمة صنعاء واستشهد أحد المصورين لقناة اليمن اليوم إثر مذبحة عطان الشهيرة كما توقف إرسال إذاعة يمن إف إم لفترة معينة وتعرض البث الإذاعي لقناة المسيرة للتشويش على الدوام وكذلك تأثر مستوى البث بالنسبة لإذاعة صنعاء الرسمية.
الحظر والتعتيم الإعلامي
لم يكتف تحالف العدوان بحملة التضليل التي جندت لها ترسانة ضخمة من مختلف وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والإليكترونية بل اتخذت الحرب الإعلامية صورة أخرى تمثلت في الحظر والتشويش على الإعلام اليمني الوطني الذي وقف في وجه العدوان فأقدم العدوان كخطوة أولى على حظر الفضائيات اليمنية الرسمية ( اليمن- عدن- سبأ- الإيمان) ثم أوعز إلى (حكومة هادي) بتشغيل فضائية تلفزيونية باسم اليمن على نفس التردد الأصلي لفضائية اليمن الرسمية على النايل سات وكذلك قام العدوان باستنساخ قناة المسيرة وتشغيل موقع جديد باسم وكالة سبأ الرسمية. وتعرضت الصحف والمواقع الإليكترونية اليمنية المناهضة للعدوان للحجب عن التصفح داخل الحدود السعودية.
ولما لم تجد هذه الأساليب الشيطانية نفعاٍ انتقل العدوان إلى خطوة أخرى من الحظر والتعتيم الإعلامي فأجبر شركة نايل سات على وقف بث ثلاث فضائيات يمنية ( المسيرة اليمن اليوم الساحات) وأطلق حملة تشويش استهدفت فضائيات عربية كالميادين وأخرى ناطقة بالعربية كالعالم. وتعرضت أيضاٍ صحيفة الأخبار اللبنانية للتهديد من قبل النظام السعودي وجرى حجب موقعها الإليكتروني عن التصفح داخل الأراضي السعودية.
ثم أن التداعيات الكارثية للعدوان قد أجبرت عدداٍ من الصحف والوسائل الإعلامية الوطنية على التوقف نظراٍ لانقطاع التيار الكهربائي عن البلاد وانقطاع مادة الديزل المشغلة للمولدات الكهربائية وتفاقم أزمة التنقل والمواصلات بالنسبة للصحفيين وغيرهم.
وهكذا أصبحت أخبار اليمن والعدوان على شعبه في فترة معينة أشبه ما تكون حكراٍ على وسائل الإعلام التضليلية خاصة بالنسبة للمتابع من الداخل.
صمت مريب.. وصحوة متأخرة
في المقابل فإن وسائل إعلام ما يسمى بالعالم الحر ظلت تقارب الحدث اليمني من موقع المتفرج غير المبالي بما يحدث من عدوان استهدف الأرض والإنسان وأفضى إلى مقتل وإصابة الآلاف من اليمنيين والبنية التحتية للبلاد وتجويع شعب بأكمله من خلال الحصار الجائر والشامل الذي فرضه العدوان السعودي الأمريكي على اليمن.
وضاعف من حالة التعتيم هذه أن العدوان منع دخول صحفيين أجانب إلى اليمن ما ساعد على إطالة أمد العدوان الذي بات اليوم في شهره الخامس وهو لم يرعو بعد عن غيه اللامتناهي وإمعانه اللامحدود في التنكيل بشعب يرفض الرضوخ للوصاية الأجنبية معتمداٍ في ثباته على قدراته الذاتية المحدودة من العتاد العسكري لكن الغنية بالإرادة والصمود وبالصبر الاستراتيجي.
مع ذلك فإن تزايد معدلات جرائم العدوان دفعت بالكثير من وسائل الإعلام الغربية إلى الالتفات للوضع الإنساني في اليمن والتحذير من مغبة استمرار الحرب الداخلية ومن العدوان والحصار الخارجي وكان لتقارير المنظمات الأممية والحقوقية دور مباشر في كسر الحظر الإعلامي المضروب على اليمن خاصة منذ مطلع شهر يوليو الفائت حين قرعت الأمم المتحدة جرس الإنذار معلنة أن الوضع الإنساني في اليمن مبلغ منتهى الخطر.
وخلال الأسابيع الأخيرة اتسع هامش تناول كبريات الصحف الغربية للحدث اليمني وخاصة بعد مذبحة العدوان في مدينة المخا التي بدأ الإعلام الغربي يتحدث عنها كجريمة حرب وسط مناشدة المنظمات بضرورة التحقيق الدولي في هذه الجريمة وما سبقها من جرائم خلال يوميات العدوان على اليمن.
الإعلام المقاوم .. وجه آخر للصمود
قدمت وسائل الإعلام الوطنية صورة جلية للتصدي والصمود في وجه الآلة الإعلامية العدوانية وتمكنت قناة المسيرة من دحض وتعرية الكثير من تقارير الإعلام المعادي وقدمت حقيقة جرائم العدوان كما حدثت في الواقع. وكذلك فعلت وسائل الإعلام الوطنية الأخرى المرئية والمسموعة والمكتوبة كقناة وصحيفة اليمن اليوم وقناة الساحات ووكالة سبأ الرسمية وصحيفة الثورة الرسمية وصحيفة الأولى (قبل أن تتوقف) وإذاعة صنعاء وإذاعة سام إف إم وإذاعة يمن إف إم والصحف الأسبوعية: 26 سبتمبر الوحدة صدى المسيرة الميثاق الوسط الهوية ونبض المسار وعدد من المواقع الإليكترونية: المساء برس وكالة خبر المؤتمرنت شهارة نت يمني برس الرابط يمانون الحق نت وكالة يقين…وغيرها.
وشكلت هذه الوسائل ما يشبه الجبهة الإعلامية التي تكفلت بتتبع جرائم العدوان ونقل حقيقة الأحداث في اليمن بالصوت وبالصورة وبالتقارير الميدانية ومن خلال المقالات والرؤى التحليلية وغيرها. ووفر الإعلام الحربي مادة دسمة عن مجريات المواجهات في مختلف الجبهات وخاصة على الحدود مع السعودية. كما كان لمواقع التواصل الاجتماعي دور كبير في مضمار كشف الحقيقة وتفنيد ادعاءات ومزاعم الإعلام المعادي.
بالإضافة فقد اضطلع لإعلام العربي المقاوم بدور أصيل ومواكب للأحداث في اليمن فكان لفضائيات الميادين المنار العالم آسيا الاتجاه الحدث المصرية..وغيرها بصمات جلية في مساندة الشعب اليمني وفضح قوى التحالف العدوانية.
ولعبت عدد من الصحف والمواقع الإليكترونية العربية دوراٍ كبيراٍ في إجلاء الصورة عن حقيقة الوقائع في اليمن وفي المقدمة منها صحيفة الأخبار اللبنانية وموقع رأي اليوم الإليكتروني وصحيفة السفير اللبنانية وصحيفة البديل المصرية وصحيفة الثورة السوية وصحف ومواقع إليكترونية عربية لبنانية كالمنار والبناء والديار والعهد الإخباري.. وغيرها.
• ورقة مقدمة إلى ندوة الإعلام الوطني في مرمى الاستهداف التي نظمها اتحاد الإعلاميين اليمنيين بصنعاء الثلاثاء 11/ 8/ 2015م.