جـدل الـوحـدة الـوطـنـيـة

يمر الوطن اليمني منذ حركة الاحتجاجات الشعبية التي شهدها في 2011م وحتى اليوم بحركة موازية في البناءات المختلفة سواء الثقافية أو الاجتماعية أو السياسية فالتشابك والتداخل في البناءات في المراحل التاريخية التي سبقت الاحتجاجات كانت هي المقدمات التي أفضت إلى النتيجة المنطقية وهي حالة التفكك.
لم تستقر اليمن منذ عام 2011م إلى هذا العام الذي تحتفل فيه بالعيد الخامس والعشرين للوحدة التي تحققت في 22 مايو 90م وحالة عدم الاستقرار تعود إلى أخطاء جوهرية واكبت مسيرة الوحدة وتلك الأخطاء لم تكن إلا حلقة في سلسلة الأخطاء الثورية التي واكبت التاريخ المعاصر في اليمن في شماله وجنوبه.
واليمن التي تعيش حالة من حالات التشظي والانقسامات في حركتها الاجتماعية والثقافية والسياسية تشهد بزوغا لقوى جديدة في مقابل تشبث القوى التقليدية بوجودها وفي جدلية ذلك التدافع الذي يعتمل في البناءات المختلفة منذ عام 2011م إلى اليوم نقرأ خفوتا وتماهيا للقوى التقليدية التي تدعو إلى مبدأ تقرير المصير وفك الارتباط ولا نجد لتلك القوى نشاطا جماهيريا مقلقا كما كنا نجده في السنوات الماضية أو في السنوات التي سبقت عام 2011م وهنا لا بد لنا من التأمل قليلا فالقضية الوطنية هي قضية واحدة سواء في شمال الوطن أو في جنوبه وهي تتجاوز كل القوى التقليدية التي كانت تمثل المراحل التاريخية الثورية والوحدوية وفي ظني أن الخروج من بؤرة الصراع التراكمية التاريخية سيكون عاملا مهما في التخفيف من حدة الصراع والوصول إلى حالة الاستقرار التي ينشدها اليمن.
وإذا كانت الأحوال اليوم تتجه نحو الفرز والتمايز بعد أن تمادى الطغيان السعودي ووصل به صلفه وعمه الطغيان إلى مرحلة توحيد المشاعر الوطنية نحوه ففي هذه الحال وأمامها يصبح موضوع فك الارتباط وتقرير المصير قضية باهتة فاقدة لقيمتها الموضوعية ويصبح اليمن هو الحلم الذي يخامر النفوس لصناعة حاضره ومستقبله من خلال الاستغراق في المشروع الوطني النهضوي الذي يعيد للذات الوطنية قيمتها الحضارية والثقافية والتاريخية ويحفظ لها الهوية الكلية الجامعة والوصول إلى مثل ذلك يتطلب وعيا به وشعورا من الضمير الثقافي والضمير السياسي لاستثماره وبما يعزر النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية ويبدو أن الصراع وما تركه في أذهان الناس وفي تصوراتهم الذهنية والوجدانية من ظلال قد بدد حالة الضبابية بعد أن لمس الناس الفرق بين الأحوال المختلفة من حيث الأبعاد الأخلاقية وفلسفات التعامل والتعاطي والفروق التي يلمسها الناس في التعامل في خضم الأحداث والصراعات في الجنوب قد تعيد صياغة المنطلقات والمبادئ وتعيد ترتيب الأهداف وثمة إشارات يمكننا التأمل فيها ترد على ألسنة الناس في الوسائط الإعلامية أو في شبكة التواصل الاجتماعي.
لقد ارتبط مشروع الوحدة اليمنية بمشروع نهضة وظل التلازم بين المشروعين قائما ولن ينفصلا ولذلك فالعودة إلى حالة التلازم بين المشروعين سيكون هو العامل الأهم والأبرز في توحيد المشاعر وتوفير بيئة الاستقرار كما أن التأكيد على الهويات المحلية وتجاوز أخطاء المراحل التاريخية وأخص بالذكر أخطاء العقدين الماضيين من حيث إدارة التوازنات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتحقيق العدل من خلال التوزيع للثروة الوطنية وإعادة صياغة الأهداف الاقتصادية بحيث تتجاوز آليتها القديمة والتي تقوم على أسس إدارة التناقضات إلى أهداف جديدة تبعث الأمن النفسي والاجتماعي وتحقق القدر الكافي من الشعور بالشراكة الوطنية في الثروة والسلطة إذ أصبح إعادة تعريف البنية الاقتصادية وفلسفة المنطلقات والغايات والطرق والآليات ضرورة مرحلة وغاية مستقبل فالتضاد والتنافر بين النظم وطرائقها وأساليبها في الواقع وبين حاجات المجتمع وضروراته يفرض قراءة تلك الحالة قراءة علمية ومنهجية وواقعية نحدد من خلالها ونعي جوهر المشكل الاجتماعي والسياسي حتى نتمكن من وضع الحلول العلمية التي تكون نتائجها الاستقرار والتنمية والنهضة في عموم اليمن.
ما لا يمكن نكرانه أن الوحدة في عيدها الخامس والعشرين تمر بحالة من حالات الدمار والاحتراب الداخلي والخارجي والحقيقة أن ما يحدث كارثة بكل المقاييس لكن تلك الكارثة لا تخلو من فائدة إذ أنها وحدت المشاعر الوطنية وعززت من روح الانتماء وعملت على ترميم ما تصدع في جدار الهوية الوطنية وتساوى الناس في الجوع والخوف والقتل والدمار في شمال اليمن أو جنوبه ومثل ذلك الحال قد يجعلنا نبدأ من جديد في الاشتغال على مشروع النهضة ولكن بدون أخطاء الماضي فالوحدة التي عانت من تدافع الواقع وجدله هي الآن أقدر على استعادة زمام المبادرة والبدء في النهوض .. فتحية لها في عيدها الـ25 .

قد يعجبك ايضا