شبام موطن أول ناطحات سحاب وريم منارة العلم وحاضنة القصور
تنتشر العمارة الطينية في ربوع اليمن السعيد وتتنوع طرق وأساليب استخدام الطين في البناء فنهاك طرق القوالب الطينية المخلوطة بالحشائش وأخرى تستخدم الياجور المحروق وثالثة تستخدم البناء مباشرة ويتم وضع الطين المحشو بالحشائش فوق بعضهم وهذا ما يسمى بطريقة البناء الطيني بالمداميك ولعل أشهر المناطق وأكثرها استخداما للبناء الطيني هي حضرموت الوادي والصحراء وهي مساحة كبيرة وواسعة تحوي الكثير من المناطق والمدن المبنية من الطين وتستخدم في الغالب طريقة البناء بالقوالب المربعة وكما يقول المختصون البناء اليمني بشكل عام بناء رائع وجميل وبسيط تستخدم بحسب البيئة المحيطة به فهناك مدن قديمة بنيت من الأحجار الصلبة لأن بيئتها زاخرة بهذه الأحجار وكذلك استخدام الطين نظراٍ لتوفر التراب الصالح لذلك في البيئة التي تستخدم البناء الطيني.
وبالعودة إلى المعمار الطيني في حضرموت الوادي والصحراء فهو نمط فريد للغاية لا يخلو من الابداع الهندسي والتفنن في البناء وادخال اللمسات الجمالية البديعة وهو أمر لا يخلو منه في هذه المنطقة اليمنية الزاخرة بإبداعات معمارية مدهشة فها هو الطين يناطح السحاب في مدينة شبام حضرموت هذه المدينة التي سماها الرحالة والمستكشفون بمانهاتن الصحراء كناية عن مبانيها الشاهقة التي تضاهي مدينة الابراج مانهاتن.
ولهذا اعتبروا أن في مدينة شبام حضرموت أول ناطحات سحاب في العالم فقد أبدع المعماريون اليمانيون الأوائل معمارا أدهش العالم في الكثير من المدن والمناطق اليمنية بواسطة مادة بسيطة جدا هي الطين وأبرز ما أبدعوه مدينة شبام حضرموت بمنازلها ذات الطوابق والارتفاعات الشاهقة التي تقول المصادر التاريخية إن هذه المدينة تعود إلى القرن الثالث الهجري وإن كانت مصادر أخرى تقول إن عمر هذه المدينة يعود إلى ما قبل ذلك بكثير وإن كانت المصادر التاريخية قد اختلفت في نشأة هذه المدينة إلا إن كافة المصادر والمراجع والمعلومات تتفق على ثراء وعظمة المعمار في هذه المدينة الذي يصل إلى حد الاندهاش وهو ما جعل مدينة شبام حضرموت تشق طريقها وبواسطة بعض محبيها ممن زاروها وتعلقوا فيها من خارج اليمن أن تلج وبجدارة في قائمة التراث العالمي كتراث إنساني فريد لدى منظمة اليونسكو أوائل ثمانينيات القرن الماضي كأول مدينة يمنية في هذا القائمة العالمية وتبعتها صنعاء القديمة ومدينة زبيد.
الجمال والدهشة
وإذا كانت شبام حضرموت موطن الأبراج الطينية وأول ناطحات سحاب فهناك بالقرب منها وليس ببعيد عنها تقع مدينة أخرى لا تقل عنها جمالا ودهشة عنوانها العريض كما في شبام حضرموت المعمار الطيني تلك هي مدينة تريم هذه المدينة التي توجت في العام 2010م عاصمة للثقافة الإسلامية باعتبارها واحدة من قلاع العلم على مستوى الوطن الإسلامي الكبير ومنارة هامة من منارات الثقافة الإسلامية التي يمثل فيها التراث والمعمار أبرز العناوين فإذا كانت شبام مدينة الأبراج فتريم مدينة القصور الطينية الضخمة والفخمة بلا منازع فلا توجد مدينة على مستوى اليمن وحتى على مستوى الإقليم تضاهيها ثراء ومكانة في هذا المجال هذه القصور الضخمة التي تحتاج معظمها إلى عناية وصيانة وأن كانت وزارة الثقافة قد قامت بترميم وصيانة عدد من هذه القصور خلال تتويجها عاصمة للثقافة الإسلامية إلا أنها لازالت تحتاج إلى المزيد بحسب مدير فرع الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية الأخ حسن عيديد الذي أوضح أن مدينة تريم تمثل قيمة تاريخية وجمالية كبيرة هذه القيمة تتجسد من خلال قصورها التي تنتشر في أنحاء مختلفة من المدينة زادها جمالاٍ وقيمة تلك المبانى والمعالم التي تزخر بها تريم لعل ابرزها الاربطة التي كانت ومازالت ومنذ قرون مكانا للعلم ومقصدا لطلابه الذين يأتون إليها من كل حدب وصوب من داخل اليمن وخارجة لاسيما من اندونيسا وماليزيا الذين لا زالوا يقصدونها حتى الآن.
وأشار إلى أن منارة جامع المحضار الطينية التي تعد أطول منارة طينية في المنطقة مربعة الشكل على غير ما جرت عليه المآذن أو المنارات في المساجد القديمة والتي كانت تستخدم البناء الدائري.
عبث وإهمال
وما يؤسف له ويدعو للحزن أن هذه القصور باتت عرضة للعبث والإهمال بفعل عوامل عديدة منها كثرة ملاكها واختلافهم الأمر الذي يجعلهم إما يهجرون هذه القصور أو يهملونها أو يلجأون إلى بيعها وتوزيع ثمنها ليتركوها ومصيرها المجهول مع مالك يجهل قيمة المكان ولا يجمعه به ذكريات أو روابط تاريخية الأمر الذي قد يؤدي به إلى هدمه والبناء على أنقاضه وربما هذا ما حدث مع قصر الرياض التاريخي كان من أجمل وأروع قصور مدينة تريم الغناء الذي استيقظ الاهالي ذات يوم على أصوات الشيول ينخر في هذا القصر ولم تستفق الجهات المعنية إلا بعد أن التهم هذا الشيول نصف هذا القصر إن لم يكن معظمة وبالفعل خسارة فادحة لتريم ولليمن بشكل عام سببها الجهل وعدم الاهتمام وكانت النتيجة شطب عنوان عريض من مجلد المعمار الطيني ضمن قاموس كبير اسمه الحضارة اليمنية.
معمار طيني ممتع وفريد
حيثما تتجه في وادي حضرموت أو تولي في الوادي والصحراء يكون المعمار الطيني خير رفيق لك وأجمل صديق يمتعك في ترحالك ولا ننسى هنا أن نذكر ذلك القصر الشامخ والكبير المنتصب وسط مدينة سيئون قصر سيئون أو بمعنى أصح قصر الكثيري هذا القصر الطيني الضخم ذو البناء الواسع والذي يحتوي على عشرات الغرف والقاعات فقد كان مقرا وسكناٍ للسلطان الكثيري الذي حكم الكثير من مناطق وادي حضرموت سنوات عديدة من الزمن خلف لنا واحدا من أجمل القصور الطينية على الاطلاق وإذا عدنا قليلا إلى الوراء وتجولنا في واحد من أجمل الأودية اليمنية لوجدناه زاخرا بفنيات وابداعات معمارية طينية تمتد على جنبات هذا الوادي وبمسافات طويلة فوادي دوعن الشهير يحوي كنوزا معمارية طينية لا تحصى ولا زالت الابداعات الطينية مستمرة في هذا الوادي باستثناء بعض التشويهات الإسمنتية هنا وهناك وابرز المناطق الطينية التاريخية مدينة الهجرين وهي مدينة تاريخية جل منازلها ومساجدها تاريخية مبنية من الطين وهذه المدينة وبحسب نائب رئيس الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية المهندس نبيل منصر كافة مقوماتها التراثية والحضارية تؤهلها وبجدارة أن تكون ضمن قائمة التراث العالمي حيث يمتلك اليمن عشرة مواقع ومدنة تاريخية في قائمة الإنتظار لدى منظمة اليونسكو تنتظر أن يتم إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي ومدينة الهجرين واحدة من تلك المواقع.
الهجرين
ويقول مدير فرع هيئة الحفاظ على المدن التاريخية بوادي حضرموت وصحرائها حسن عيديد أن الهجرين كانت تواجه مشكلة كبيرة تتمثل بعدم وجود شبكة صرف صحي للمدينة الأمر الذي كان يهددها ويهدد مبانيها جراء تسريبات مياه المجاري وهو الأمر الذي تم التغلب عليه وتم إكمال العمل بهذا المشروع الهام.
وبدوره يقول الدكتور عبدالله زيد عيسى رئيس الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية السابق واستاذ العمارة اليمنية بجامعة صنعاء إن مدينة الهجرين تمثل واحدة من أجمل المدن التاريخية اليمنية يتجلى فيها روعة البناء الطيني الخاص بوادي حضرموت وكانت بمنآى عن السيول والفيضانات التي اجتاحت محافظتي حضرموت والمهرة تقريبا في العام 2008م نظرا لارتفاعها عن مستوى الوادي الأمر الذي شكل لها حصننا ودرعا وقاها من هجمة السيول الجارفة.
وأشار إلى أن وادي دوعن بكامله يعد موطن العمارة الطينية وما يشوه هذا المنظر البديع لعمارة طينية فريدة تزخر بالزخارف والنقوش البديعة تلك المباني الاسمنتية التي تنتشر هنا وهناك واستخدام مادة البلك في البناء وهذا يؤثر على وحدة النسيج العمراني ويشوهه وهنا ينبغي أن يتم منع البناء بالاسمنت وأن يكون البناء بالطين بحسب المعمول به لاسيما وأن المواد متوفرة وبخصوص المباني الإسمنتية أوضح بأنه يمكن معالجتها بأن يتم طلاؤها بالطين وإخفاء البلك أو الإسمنت بشكل عامل.
قصور فخمة
ولابد أن نذكر تلك القصور الضخمة ذات الألوان والزخارف البديعة والمتنوعة الموجودة في غيلة بقشان والتي تدل على رفاهية ورقي الإنسان اليمني الذي أبدع وعاش في هذه القصور الراقية التي تزخر بكل مقومات الجمال من زخارف وألوان خارجها وداخلها وجدرانها ونوافذها وأسطحها وسلالمها تزينها أشجار النخيل المنتشرة في ربوع هذا الوادي الواسع والطويل ولا يفوتنا أن نذكر تلك القرية المعلقة فوق صخرة كبيرة ومبانيها الطينية التي تشمخ فوقها على ارتفاعات شاهقة في تحد واضح للطبيعة لها الاستغلال الأمثل لمقوماتها وتضاريسها المختلفة فقرية (حيد الجزيل) بحق واحدة من عجائب المعمار الطيني الذي لا تنتهي عجائبه في حضرموت الوادي والصحراء.