تطالعنا ثيمة المرآة كأول شيء نجده في مونودراما ” يارا جويا ” للكاتب المسرحي عادل البطوسي والمرآة رمز يحيل إلى انقسام الوعي على ذاته إلى نصفين ويتسع أكثر من خلال المشهد الذي تطالعنا به المسرحية المونودرامية إلى أكثر من ذلك فنجد يارا من خلال هذا الحديث مع المرآة تؤكد فكرة الثنائية الجنسية للإنسان ومبدأي التعلل والانتقال ومؤداها بحسب عالم النفس النرويجي “كارل يونج ” أن هناك رجلا داخل كل أنثى وأنثى داخل كل رجل وهو ذاته قول درويش الذي سطرنا به القراءة ” انا وأنا الأنثوية ” فتصبح الأنيما التي تسكن الرجل والأنيموس التي تسكن المرأة وإشباعهما هما مايحققان للإنسان التوازن في نفسه وفي واقعه وعليه فإن الصراع بحسب المسرحية وبحسب يونج فإن الصراع بين الرجل والمرأة هو صراع عقيم لايولöد إلا المزيد من التردي والنكوص في المجتمعات كفكرة عامة تؤكدها المسرحية في بنائها وسياقها العام وهذا يؤكد لنا علة تسمية الكاتب البطوسي لمسرحيته ووصفه لها بالمونودراما المزدوجة أي أن بنائها كما يبدو لي – على الأقل – بوعي وبدون وعي كان على هذا الأساس وبناءا على مبدأي التعلل والانتقال بين شخصية يارا وجويا الذين كما يظهر في نهاية المسرحية ليسا سوى شخص واحد هو “جويا” الذي تسكنه الأنثى لكن توظيف هذه النظريات في المسرحية كان بطريقة مابعد حداثية.
الأمر ذاته تطرقت إليه الناقدة القديرة لارا حتي وأوردته في بعض صفحات المسرحية المونودرامية بطريقة ممهدة وهو أن تعدد الموضوعات في مسرحية البطوسي سمة من سمات المونودراما الحداثية ومابعدها ولابأس أن نتفق على رأي الناقدة حتي وهي المتخصصة في ذلك للانتقال من ثم إلى أمور أخرى تهتم بموضوعية المسرحية بعيدا عن بنائها والمدرسة التي ينتمي إليها فنجد في موضع آخر أن البطوسي يجسد مأساة هاملت رائعة شكسبير في شخصية جويا كامتداد للمأساة في مسرحية ” هاملت ” لشكسبير مثلما فعل ذلك الكاتب المسرحي الكبير علي أحمد باكثير في مسرحيته “شايلوك الجديد” فكانت امتدادا لمسرحية شكسبير ” تاجر البندقية ” وإظهارا وقولا لما لم يقال حينها أو يظهر في زمن شكسبير وعلى لسانه والبطوسي يفعل ذلك فتتضح لنا من قسمات الأمر ما خفي عن شكسبير مثلا في رائعته مأساة هاملت كأن هاملت مثلا كان يعاني حقا من عقدة أوديب أو كما تظهر مسرحية البطوسي عن جويا على الأقل وهذه امتدادات مشروعة في الكتابة الحداثية ومابعدها.
ثم نجد ثيمة أخرى يتكشف من خلالها نوعية الصراع الدائر في المسرحية وكذلك البناء العام لمجمل المونودراما ” يارا جويا ” وهي ثيمة التمثال الذي يصنعه جويا وهذا استعارة لهيكل اسطوري واضحة تستحضر لنا أسطورة بجماليون الذي صنع تمثالا ثم عشقه فكان ذلك التمثال الذي صنعه جويا ليارا أولا ثم عشقه تأكيدا لهذه العقدة عقدة “بجماليون ” وقد تناولها الكثير من الكتاب المسرحيين العالميين ولكن استعارتها في المونودراما “يارا جويا” من قبل البطوسي كان بطريقة حداثية شأنها في ذلك شأن باقي استعاراته.
وختاما أقول أن مسرحية البطوسي المونودرامية ” يارا جويا ” إن لم تكن قد حققت ريادة في إزدواجيتها كما يزعم عنها كاتبها فإنها قد حققت بالفعل قفزة كبيرة في فن كتابة المونودراما مابعد الحداثية واستطاع البطوسي أن يجد لنفسه بهذه المسرحية مكانا سامقا وراقيا يضعه في مصاف أهم ماوصلت إليه المونودراما في العالم بعصرها الحديث والقديم .
قد يعجبك ايضا