كيف نتعامل مع تأثير الإنترنت على أولادنا؟

 

الاعتراف بأننا لا نستطيع إلغاء الهواتف أو فصل أطفالنا عن التواصل الاجتماعي اعترافٌ واقعيّ، لكن قدرتنا على الحدّ من الإدمان، وتقديم بدائل ذكية، لا تزال ممكنة.

كلُّ ما يدور من حولنا اكتسب سرعةً تفوق قدرتنا على اللحاق بها، فخطوةٌ واحدة، أو كلمةٌ عابرة، أو حتى تصرّفٌ بسيط، بات كفيلاً بأن ينتزع منّا أنفاسنا قبل أن نلتقطها.

حتى مكالماتنا ورسائلنا الصوتية لم تسلم من موجة “التسريع”. وسط هذا الزحام الهائل، يبرز سؤال مُلحّ: أين نحن من كلّ هذا؟ وما أثره على نفوسنا وحياتنا؟

جيل اليوم يعيش في قلب معركة متشابكة، تلتقي فيها الصراعات التربوية بالهواجس النفسية. جيلٌ وُلد على بوابة عالم مفتوح على مصراعيه، عالم تتصارع فيه الأصالة مع الحداثة، والقيم مع التجارب، والحزم مع الانفلات، والحاجة إلى السلام الداخلي مع شهوة الركض خلف ضجيج الحياة.

رزمة من التناقضات تنهش عقول الآباء وقلوب الأبناء، وتربك البوصلة حتى صار التمييز بين الحقيقة والوهم تحدّياً بحدّ ذاته. أليس في هذا كلّه ما يكفي لارتفاع منسوب الأزمات النفسية في بيوتنا؟

الطلاب يتعلّمون الفوضى من الشاشات

أمّا الطالب اليوم، فبات بارعاً في الحديث، ضعيفاً في مهارة الإصغاء. يتعلّم من الشاشات والألعاب ضجيجاً من الفوضى، ويحفظ عبارات لا يفرّق فيها بين المزاح والإيذاء. نراه متمرّداً، غاضباً، أو منطوياً يبحث بين ركام الذكريات والصور عن حقيقة نفسه.

ومع هذا الضجيج المتواصل، أصبح كثير من أطفالنا عاجزين عن رؤية ذواتهم كما هي. يقلّدون عالم التفاهة، ويقيسون قيمتهم بعدد المتابعين، ويلومون أنفسهم لأنهم ليسوا “نسخاً” من مشاهير منصّات التواصل.

وقد يصل بهم الأمر إلى كراهية الذات وفقدان تقديرها، وهي أزمة خطيرة قد تقود المراهقين إلى حافة الهاوية، أو تدفعهم لبناء شخصيات مشوّهة.

الأهل في قلب صراعٍ مُنهِك

وفجأة يجد الأهل أنفسهم في قلب صراعٍ مُنهِك، يتسرّب إلى بيوتهم ويقلق راحتهم ويهدّد دفء الحبّ الفطري بين الآباء والأبناء. فيتأرجحون بين تربية حديثة وتربية تقليدية، فلا هذه تُجدي، ولا تلك تنفع.

وحين يشتدّ الضياع، يتشبّثون بخيط أمل: معالج نفسي، أو مختصّ تربوي، أو مستشار أسري.. تتعدّد الأسماء وتتزايد الحاجة، ثم تأتي “صدمة التكلفة” لتسقط على كاهلهم عبئاً فوق طاقتهم، فيفقدون هم أيضاً جزءاً من سلامهم النفسي.

الحدّ من إدمان الإنترنت

ينبغي لكلّ أمّ وأب أن يوازنوا.. فلا يسمحوا لهذا العالم الصاخب أن يبتلع أطفالهم. الاعتراف بأننا لا نستطيع إلغاء الهواتف أو فصلهم عن التواصل الاجتماعي اعترافٌ واقعيّ، لكن قدرتنا على الحدّ من الإدمان، وتقديم بدائل ذكية، لا تزال ممكنة.

راقبوا أحاديثهم من بعيد، انتبهوا لمصطلحاتهم الجديدة، واحذروا العبارات المهينة التي يتداولونها على أنها “مزحة”. فالكلمة قد تكسر قيمة، وتهدّد جيلاً، وتشوّه مفهوماً، وتفتح الباب للكذب ليتسلل إلى لغتنا وقناعاتنا.

ويبقى أقوى سلاح نملكه اليوم: الأهل. لا كسلطة تُخيف، بل كقادة داعمين، مراقبين، مرشدين، يبتكرون طرقاً تربوية تُقرّبهم من أبنائهم، وتغرس فيهم ثقة لا تزعزعها عواصف الحياة ولا براكينها.

وطبعا، لن نُصلح مجتمعاً إذا لم تتظافر جهود المدارس بأنظمتها وطرق تدريسها مع التربويين والأهل، فنحن قوّة في اتّحادنا وعلّها القوّة الوحيدة القادرة على التغيير الإيجابي، وخلق بيئة آمنة وحاضنة لأجيال اليوم.

قد يعجبك ايضا