أحمد قاسم ومحمد سعد والآنسي.. ورحيل العمالقة في ابريل


أمين درهم –
في مثل هذا الشهر الربيعي (إبريل) انتقـــل ثلاثة من أبرز رواد الأغنيــــة اليمنية إلى جوار ربهـم وهـــم: الموسيقار أحمد بن أحمد قاسم في 1/4/1993م والفنـــان محمد سعد عبد الله في 16/4/2002م والفنان علي بن علي الآنسي في 1/4/1981م
كانت علاقتي بهؤلاء الفنانين مليئة وزاخرة بالذكريات الأخوية والفنية والإنسانية التي لا تنسى..
الموسيقار أحمد قاسم.. مبدع استثنائي
> كان إعجابي بالفنان أحمد قاسم منذ عام 1954م عندما افتتحت إذاعة عدن وأيضاٍ عندما كان يظهر على مسرح نادي التنس أو مسرح البادري في كريتر -عدن مع الفرقة الموسيقية موحدة الملبس وجمال المظهر أول أغنية كانت من ألحانه ومن كلمات الشاعر علي لقمان (تذكر وتنساني) وبعدها شكل ثنائيا مع الشاعر احمد الجابري وكانت الحصيلة (يامركب البندر) و(عدن عدن والمي والرملة) وبعدها التقى بالمبدع المرحوم لطفي جعفر أمان وهناك ظهرت روائعهم التي لا تنسى مثل (صدفة التقينا)( ياعيباه)( مش مصدق) وكثير من هذه الروائع. وعندما سافر إلى القاهرة لدراسة الموسيقى التقى بمبدع آخر وهو الدكتور سعيد الشيباني وكانت أغنيات (حقول البن) (من العدين )( واليوم يا لله واليوم دايم) وغيرها من الأغاني الرائعة التي شكلت وجدان الأغنية العدنية الحديثة .
في عام 1967م عندما زار الفنان أحمد قاسم صنعاء مع زوجته الفنانة فتحية الصغيرة ليقضيا شهر العسل كان لي لقاء معه واتفقنا على تسجيل ثمان أغنيات له ولزوجته في اسطوانات لصالح شركة أهازيج وأغاريد صنعاء التي كنت أديرها وقد تم تسجيل الأغنيات الثمان التي كان أغلبها من كلمات الدكتور الشيباني مثل:( بنت الجنوب) (كلما طرق طارق قفزت للباب)(شلوا الحجاب) (من العدين) وغيرها..
استمرت علاقتي بهذا الفنان المبدع متواصلة وخاصة بعد توحيد اليمن عام 1990م حتى وافته المنية في 1/4/1993م رحمة الله عليه.
بن سعد .. محبوب الجماهير
> فنان متعدد المواهب.. هو المؤلف والملحن والمطرب في وقت واحد .ترعرع في بيت فن وكان والده سعد عبد الله أحد فناني لحج الخضيرة. بدأ حياته الفنية كعازف إيقاع مع كبار فناني عصر الخمسينيات ثم انطلق واشتهر حتى ذاع صيته كفنان من الدرجة الأولى.
محمد سعد يطربك في أغانيه الصباحية مثل: (من الصبح لو مر) وفي فترة ما قبل الظهر بأغانيه الرائعة مثل أنا ما طيف الصبر طيب مشتاق.. وهناك الأغاني الصنعانية التي يجيدها أحسن من كثير من مطربي صنعاء مثل يقرب الله ياهلال الفلك في وسط صنعاء شفت ذياك الغزال وغيرها من الأغاني التراثية .
أما أغاني السهرة فهناك طبق من الفواكه المشكلة فاختر ما تريد مثل: يوم الأحد كلمة ولو جبر خاطر يا ناس ردوا حبيبي أنا اقدر أنساك وكثير من روائع محمد سعد عبد الله.
بداية معرفتي بالفنان محمد سعد عبد الله كانت بعد الثورة مباشرة عندما أتى من عدن إلى تعز وعندما كنت مسئولاٍ عن اللجنة الفنية بعد الثورة.. كان وصول محمد سعد لغرض المساهمة بتقديم أناشيد بهذه المناسبة وقمنا ببعض الحفلات في ميدان الشهداء ومن ثم رتبت سفره إلى صنعاء وهناك سجل بعض أغانيه الحماسية والعاطفية في إذاعة صنعاء.
في عام 1966م التقينا في بيروت حينها كان محمد سعد يسجل بعض أغانيه الجميلة وكان للفنانة هيام يونس نصيب كبير من هذه الأغاني. وكان بيننا اتفاق بأن نطبع له ست أغانُ من كلماته وألحانه في اسطوانات لغرض تسويقها في اليمن لصالح شركة أهازيج وأغاريد صنعاء إلا أنه لم يتم تسجيل الأغاني إلا في أواخر عام 1969م وعندما تراجع سوق الاسطوانات استبدلت بمسجلات الكاسيت..
كان محمد سعد عبد الله كريماٍ ذا مشاعر فياضة.. غنى للثورة وللحب وللزراعة وكل الألوان وقد مات وليس لديه أي رصيد مادي وإنما رصيده الجمهور فقط وهو الذي كان دائما يردد هذه المقولة أن حب الجمهور أعز من أي كنز في الدنيا.
استمرت علاقتي بهذا الفنان العملاق حتى وافته المنية في 16/4/2002م في مدينة الشيخ عثمان- محافظة عدن.
علي الآنسي.. علاقة متميزة
> الفنان علي بن علي الآنسي كان صديقاٍ عزيزاٍ ووفياٍربطتني به علاقة فنية وأخوية حميمة حتى وافته المنية في 18 – 4 – /1981م.
علاقتي مع الفنان علي الآنسي كذلك مليئة بالذكريات الجميلة حيث كان لقائي به في أواخر عام 1960م في مدينة تعز بواسطة صديقي وزميلي الأستاذ/ علي الخضر وذلك بجلسة فنية نالت إعجابي بشخصه كإنسان وعشقي لفنه البديع وخاصة الأغاني الصنعانية التي شدتني كثيراٍ لأنني قبل هذا اللقاء كان ميولي للأغاني العدنية واللحجية والحضرمية بسبب علاقتي بالفنانين: محمد مرشد ناجي أحمد قاسم أبو بكر سالم بالفقيه والمرحوم أحمد يوسف الزبيدي ومحمد صالح حمدون وعبد الكريم توفيق وغيرهم كثيرين.
محطات عديدة جمعتني بالفنان علي الآنسي طيلة علاقتنا التي امتدت لأكثر من 15 عاماٍ..
إحدى هذه المحطات التي لا تنسى هي اصطحابي له إلى مدينة عدن في أول زيارة له إلى مدينة عدن عام 1961م حيث عرفته ببعض الفنانين المشهورين في ذلك الوقت أمثال محمد مرشد ناجي وفضل محمد اللحجي وأبو بكر بالفقيه وأحمد يوسف الزبيدي وحسن فقيه ومحمد صالح همشري وغيرهم من الفنانين في عدن ولحج وهناك اشترك مع بعض الفنانين المذكورين في جلسات طرب وتم تبادل الآراء حول الألوان الفنية في ربوع اليمن الأمر الذي ساعده في إثراء تجربته الفنية وتعميق معرفته بأصول الفن اليمني في الشمال والجنوب.
خلال هذه الزيارة خرج الآنسي بأغنية عدنية للفنان محمد صالح همشري (اشهدوا لي على الأخضر شل عقلي مني وأنكر) وكان دائماٍ يتغنى بهذه الأغنية ومن ناحية أخرى غنى له الفنان أبو بكر بالفقيه (يا ليل هل أشكي) وفي عام 1962م سجلها في بيروت بالفرقة الموسيقية واشتهرت كثيراٍ وتعتبر هذه الأغنية أول أغنية للفنان أبو بكر باللون الصنعاني.
في عام 1964م كان لنا لقاء جديدا في منزل المرحوم أحمد عبده سعيد بتعز الذي حاول لم شمل الفنانين لذلك أسسنا معاٍ فرقة موسيقية تضم الفنانين علي الآنسي وفضل محمد اللحجي وعلي السمة ومحمد قلالة وعبدالرحمن الآنسي ومحمد العوامي.
وتم شـراء آلات موسيقية من أسمرة -اريتريا على نفقة هيئة التعاون الأهلي بتعز الذي كان يرأسه الأستاذ/ أحمد عبده سعيد.. كان عمر هذه الفرقة قصيراٍ لأن الأخ علي الآنسي انتقل إلى صنعاء وكذلك الفنان فضل محمد اللحجي انتقل إلى لحج ثم استشهد في طريق عدن- لحج على يد جنود المستعمر الإنجليزي في عام 1967م وكان يرأس هذه الفرقة المرحوم فضل محمد اللحجي .
محطة أخرى جمعتني بالفنان الآنسي في مدينة الحديدة عام 1966م حيث تم الاتفاق على تأسيس شركة مساهمة محدودة ترعى الفن والفنانين وعلى رأسهم الفنان علي الآنسي وتم تأسيس الشركة تحت اسم شركة أهازيج وأغاريد صنعاء المحدودة برأس مال قدره عشرون ألف ريال وانتخبت رئيساٍ لمجلس الإدارة فيها.
كان أهم ما حققته هذه الشركة هو توثيق أغاني الفنان الآنسي وطبع اسطـواناته للاستثمـار ومنـحه أسهماٍ من رأس مال الشركة وتعيينه مديراٍ فنياٍ لها. وبعدها تم تسجيل عشر أغان في بيروت مع فرقة الأخوين الرحباني .
ظلت علاقتي بالفنان والصديق العزيز علي الآنسي حتى وافته المنية بتاريخ 17/4/1981م رحمه الله رحم الله هذا الثلاثي العملاق الذي ملأ الساحة اليمنية فناٍ وحباٍ خالداٍ لن يمحى من ذاكرة الأجيال القادمة فلم تكن إسهاماتهم في إثراء الحركة الفنية فقط بل ساهم إنتاجهم الفني في إثراء العمل الوطني أيضاٍ.

قد يعجبك ايضا