حكايات موت تتكرر كل شتاء.. سببها غياب الوعي

كيف تهدد وسائل التدفئة التقليدية حياة الأسر اليمنية ؟

الأسرة/خاص

لا يكاد يمر شتاء في المناطق شديدة البرودة في بلادنا إلا ونسمع أخبارًا عن وفيات وإصابات بين أفراد الأسر والعائلات اليمنية بسبب التعامل الخاطئ مع وسائل التدفئة.

وبصورة سنوية تتجدد معاناة الأسر في مواجهة البرد القارس، خصوصًا في المناطق المرتفعة مثل صنعاء وذمار وإب. وفي ظل غياب الكهرباء وارتفاع أسعار الغاز المنزلي، يلجأ الكثيرون إلى وسائل تدفئة تقليدية مثل الفحم والحطب والديزل. ورغم أنها متاحة ورخيصة نسبيًا، إلا أنها تحمل في طياتها مخاطر صحية وبيئية جسيمة، في وقت يظل فيه الوعي المجتمعي بمخاطرها محدودًا للغاية، بينما تغيب الرسالة التوعوية والإرشادية الفاعلة في مختلف وسائل الإعلام الجماهيري.

أخطاء قاتلة

يلجأ الكثيرون إلى الاعتماد على المواقد التقليدية التي تعتمد على الفحم أو الحطب، وتوضع غالبًا داخل المنازل المغلقة، فيما يعتمد آخرون على الديزل ويستخدمونه في مواقد معدنية صغيرة، ولا يدركون أن ذلك يطلق أبخرة شديدة السمية قد تؤدي بحياة الأشخاص.

ومن الأخطاء القاتلة التي يلجأ إليها البعض بحثًا عن التدفئة حرق البلاستيك والمواد المستعملة أو الملابس القديمة، ما يزيد من خطورة الانبعاثات.

ومن أبرز المخاطر الصحية الناجمة عن تلك الممارسات الخاطئة – كما يقول مختصون – الاختناق بغاز أول أكسيد الكربون، ويتعاظم الخطر مع قيام كثير من الأسر بإغلاق النوافذ لضمان دفء المكان، مما يؤدي إلى تراكم الغاز القاتل الذي لا لون له ولا رائحة.

ويؤكد أطباء أن وسائل التدفئة التقليدية والأخطاء في استعمالها تعد سببًا رئيسيًا للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي؛ إذ إن الدخان الناتج عن الحطب والفحم يفاقم أمراض الربو والحساسية ويؤثر بشكل خاص على الأطفال وكبار السن.

كما أن استخدام المواقد داخل غرف النوم أو بالقرب من الأثاث يزيد من احتمالية اندلاع الحرائق. إضافة إلى أن الاعتماد على الحطب يؤدي إلى قطع الأشجار، ما يفاقم مشكلة التصحر ويهدد الغطاء النباتي.

قلة الوعي

رغم تكرار الحوادث سنويًا، يظل الوعي المجتمعي ضعيفًا؛ فكثير من الأسر ما زالت تعتبر هذه الوسائل جزءًا من العادات الشتوية، ولا تدرك خطورة استخدامها في أماكن مغلقة، دون إدراك المخاطر الجمة. كما أن غياب الحملات التوعوية المستمرة يمكن أن يغير السلوكيات ويتلافى الكثير من النتائج الكارثية.

ونظرًا لغياب الوعي الكافي، لا تزال الظاهرة في تنامٍ؛ حيث سجلت مستشفيات أمانة العاصمة – وفقًا للطبيبة ليلى العوامي في حديثها لـ”الأسرة” – خلال شتاء العام الماضي عشرات الحالات من الاختناق بسبب الفحم داخل المنازل. ولم تتوقف الحوادث في صنعاء، بل امتدت إلى العديد من المحافظات، فقد سجلت في محافظة إب وذمار اندلاع حرائق في منازل نتيجة استخدام مواقد الحطب، ما أدى إلى خسائر بشرية ومادية. وهذه الحوادث تتكرر كل عام لكنها لا تترك أثرًا كافيًا لتغيير السلوكيات.

معالجات ملحّة

تبقى هذه الظاهرة ذات مخاطر محققة، ولمعالجتها – وفقًا لمختصين – يجب تنفيذ حملات توعية إعلامية مستمرة عبر التلفزيون والإذاعة ووسائل التواصل الاجتماعي.

وكذلك العمل على توفير بدائل آمنة عبر دعم استخدام المدافئ الكهربائية أو الغازية عند توفر الكهرباء والغاز بأسعار معقولة، كما يتطلب الأمر تشجيع المبادرات المجتمعية مثل:

– توزيع أجهزة كشف أول أكسيد الكربون

– نشر كتيبات إرشادية

– إطلاق برامج لإعادة التشجير والحد من قطع الأشجار

وفي الأخير يجب التأكيد على أن وسائل التدفئة التقليدية تهدد حياة الناس وصحتهم، ومع استمرار ضعف الوعي المجتمعي تظل المخاطر قائمة وتتكرر المآسي كل شتاء. ويجب البحث عن حلول عملية فاعلة تبدأ من الجمع بين التوعية المستمرة وتوفير بدائل آمنة، حتى لا يبقى الدفء في الشتاء ثمنًا باهظًا تدفعه الأسر اليمنية من حياتها وصحة وسلامة أبنائها.

قد يعجبك ايضا