أي عقبات ستواجه تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي بشأن غزة
ألغام إسرائيل لا تزال قائمة في طريق الحل الشامل:
بمصادقة مجلس الأمن الدولي على القرار 2803 بشأن ترتيبات ما بعد وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ستكون خطة ترامب لوقف الحرب قد تحولت إلى قرار دولي ملزم، يمنح القوى الدولية المشاركة تفويضا لتنفيذ ما تبقى من مراحل خطة إنهاء الحرب، وسط معارضة من فصائل المقاومة التي أعلنت رفض القرار الأممي بما منحه من تفويض لإدارة دولية في قطاع غزة تقصي السلطة الفلسطينية وتستبدل السيطرة الإسرائيلية على القطاع بـسيطرة دولية تدار من تل أبيب تحت إشراف البيت الأبيض.
تحليل / أبو بكر عبدالله
استند قرار مجلس الأمن 2803 بشأن استحقاقات ما بعد وقف النار في قطاع غزة، على خطة من 20 بندا قادها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أكتوبر الماضي والتي أفلحت في مرحلتها الأولى بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وتوقفت في المرحلة الثانية أمام عقبات سياسية وقانونية وأمنية كبيرة حالت دون تنفيذ استحقاقاتها.
جاء القرار الأممي لكي يوجد أرضية قانونية تتجاوز هذه العقبات بعد تعديلات جوهرية لخطة ترامب لوقف الحرب، ولا سيما في قضايا تشكيل «مجلس السلام» كهيئة حكم دولية انتقالية تشرف على «قوة استقرار» دولية مخولة بتنفيذ الخطوات الصعبة ومنع تجدد الحرب وتشكيل إدارة فلسطينية من التكنوقراط لإدارة الشأن المحلي في القطاع وصولا إلى إرساء السلام وإعادة الإعمار.
أبرز ما تضمنه القرار الأممي منحه الأذن بتشكيل «مجلس السلام» كهيئة إدارية انتقالية ذات شخصية قانونية دولية، تتولى خلال عامين إدارة الترتيبات اللازمة لتحقيق أهداف الخطة الشاملة والإشراف على إعادة الإعمار والإدارة المدنية بما في ذلك الإشراف والدعم للجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية من الكفاءات من سكان القطاع تتولى مسؤولية التسيير اليومي للخدمة المدنية والإدارة حتى إتمام برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية في ولاية تستمر عامين تنتهي عام 2027م مع إمكانية التمديد بقرار من مجلس الأمن.
ومنح القرار الأذن للدول المشاركة في «مجلس السلام» المقرر أن يتولى رئاسته الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنشاء «قوة استقرار» دولية تنتشر في غزة تحت قيادة موحدة مقبولة من «مجلس السلام» تكون بمثابة قوة مؤقتة مُفوضة باستخدام «جميع التدابير اللازمة» تفكيك البنى التحتية العسكرية وتأمين الحدود بين غزة ومصر وبين غزة ودولة الكيان.
واسند القرار لـ « القوة الدولية» مهام تدريب الشرطة الفلسطينية وتأمين الممرات الإنسانية في قطاع غزة وحماية المدنيين وتسهيل المساعدات الإنسانية لفترة انتقالية مدتها عامين قابلة للتجديد وتنتهي مع انتهاء ولاية الوجود الدولي المدني والأمني في قطاع غزة.
وقد حدد القرار آليات لانسحاب قوات جيش الاحتلال من قطاع غزة بعد إحكام «قوة الاستقرار» الدولية سيطرتها وإرسائها الاستقرار على أن يكون الانسحاب وفق معايير ومحطات زمنية، يجري الاتفاق عليها بين جيش الاحتلال الإسرائيلي و»قوة الاستقرار» وكذلك الولايات المتحدة التي ستلعب دور الضامن، باستثناء استمرار التواجد في محيط أمني سيظل قائماً إلى حين تأمين غزة على نحو كاف من أي تهديد متجدد.
وفي جانب إعادة الإعمار نص القرار على استئناف المساعدات لغزة بالتعاون مع «مجلس السلام» وضمان استخدامها لأغراض سلمية ودعا البنك الدولي والمؤسسات المالية إلى دعم إعادة إعمار غزة وإنشاء صندوق لهذا الغرض.
وقد منح القرار «مجلس السلام» صلاحيات بوضع إطار العمل وتنسيق التمويل لإعادة تنمية غزة وفقا للخطة الشاملة إلى حين استكمال السلطة الفلسطينية برنامجها الإصلاحي بشكل مرضٍ، بما في ذلك خطة السلام التي قدمها الرئيس ترامب عام 2020م والمقترح السعودي – الفرنسي، ويكون بمقدورها استعادة زمام السيطرة على غزة بشكل آمن وفعال».
وتضمن القرار إشارة إلى مسار لتقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية، لكنه رهن ذلك بتنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية على نحو أمين، على أن تتولى الولايات المتحدة إدارة حوار بين إسرائيل والفلسطينيين، للاتفاق على أفق سياسي للتعايش السلمي والمزدهر.
تحفظات فلسطينية
لم تخف فصائل المقاومة الفلسطينية تحفظاتها تجاه القرار الأممي خصوصا وهو لبى مطالب الكيان الإسرائيلي بإسناد مهمة تجريد غزة من السلاح، لـ «قوة الاستقرار» التي خولها اتخاذ كافة الترتيبات للازمة لإنجاز هذه الخطوة بالتزامن مع انسحاب مرحلي لجيش الاحتلال الإسرائيلي من غزة، ناهيك عن منحه «مجلس السلام» صلاحيات تحديد هوية الدول التي ستشارك ضمن قوام «قوة الاستقرار» استجابة لمطالب حكومة الكيان بمشاركة دول صديقة لإسرائيل واستبعاد من ترى استبعاده.
وعلى أن القرار لبى مطالب المجموعة العربية والإسلامية بتحديد فترة انتقالية لهياكل الحكم والقوات الدولية، والنص على مسار سياسي يقود إلى دولة فلسطينية، إلا أن هذه الخطوة لم تكن مقبولة من فصائل المقاومة وبعض النخب السياسية الفلسطينية كونها لا تزال محاطة بقدر هائل من الغموض في ظل عدم تحديد آليات يمكنها التعامل مع التزمت الإسرائيلي الرافض لقيام دولة فلسطينية.
ولم يلتفت القرار لمطالب فصائل المقاومة الفلسطينية في العديد من القضايا الرئيسية بدء من آليات نزع السلاح ومسار المساعدات الإنسانية، والوجود المستقبلي لفصائل المقاومة ومشاركتها السياسية والأمنية، ودور السلطة الوطنية الفلسطينية في استحقاقات المرحلة الثانية وصولا إلى إعادة إعمار القطاع.
والتحفظات والمواقف الفلسطينية الرافضة للقرار انطلقت من قضايا رئيسية تبدأ بالغياب لكامل للسلطة الفلسطينية من ترتيبات تثبيت وقف النار وإسناد عمليات نزع سلاح فصائل المقاومة وتفكيك بينتها التحتية إلى «قوة الاستقرار الدولية» ولا تنتهي عند الترتيبات العامة للخطة التي وضعت فلسطين تحت الوصاية الأمريكية والدولية لفترة طويلة.
أكثر من ذلك تجاهل القرار الأممي كل التحولات الدولية التي حدثت تجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية وذهب للاكتفاء بإشارة صغيرة إلى قضية تقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية، وربطها بشروط استكمال برنامج الإصلاحات للسلطة الفلسطينية متحدثا عن إمكان توفر ظروف لمسار موثوق نحو تقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية بعد تنفيذ إصلاحات السلطة الفلسطينية وتقدّم إعادة الإعمار.
ويمكن القول إن أهداف القرار الأممي لم تختلف عن أهداف خطة ترامب التي رفضت فصائل المقاومة الفلسطينية التوقيع عليها لاحتوائها على ترتيبات إنشاء هياكل حكم دولية ووضع غزة تحت سلطة «قوة استقرار» دولية، فيما بدا لكثيرين إعادة هندسة لمعادلة غزة، تستبدل الاحتلال الإسرائيلي المباشر لغزة باخر تفرضه قوات متعددة الأطراف تديرها واشنطن وتشترك إسرائيل بإدارتها.
مطالب وشروط
رغم الترحيب الدولي الواسع بالقرار الأممي، إلا أنه لم يكن كذلك من جانب الكيان الإسرائيلي ومن جانب فصائل المقاومة الفلسطينية ومنها حركة المقاومة الإسلامية «حماس» التي أعلنت بوضوح رفضها القرار الأممي.
ويمكن الإشارة إلى قضايا رئيسية تُفسر المواقف الرافضة لفصائل المقاومة الفلسطينية أبرزها يتعلق بتجاهل القرار الأممي المرجعيات الدولية للقضية الفلسطينية، وحدود سيادة القرار الفلسطيني ومقاومته وإقصاء الفلسطينيين من أي ترتيبات سياسية أو أمنية أو أداريه في قطاع غزة خلال الفترة المحددة لعمل هياكل الحكم والقوة الدولية، فضلا عما يتعلق بآليات نزع السلاح.
وقد اعتبرت حماس» تجاهل القرار الأممي للمرجعيات الدولية سيجعل تنفيذه أداة لفرض الوصاية الدولية بفرضه ترتيبات ميدانية خارج الإرادة الوطنية الفلسطينية بما يمثله ذلك من انتهاك لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة وبناء دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.
ولا تزال «حماس» ترى أن أي نقاش في ملف السلاح يجب أن يبقى في الإطار الوطني الداخلي ومرتبط بمسار سياسي يضمن إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وتقرير المصير، كما لا تزال تعتبر أن أي قوة دولية يراد نشرها في غزة بالصيغة المطروحة ستتحول إلى شكل من أشكال الاحتلال الأجنبي الجديد، في حين تعتبر أن إخضاع القطاع للإدارة الدولية وسلطة «قوة الاستقرار» الدولية التابعة لها ينزع قطاعَ غزة عن باقي الجغرافيا الفلسطينية، بعيداً عن الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته الفلسطينية.
وتطالب «حماس» نشر القوة الدولية على الحدود فقط، للفصل بين القوات، ومراقبة وقف إطلاق النار، وأن تخضع بالكامل لإشراف الأمم المتحدة، وأن تعمل حصريا بالتنسيق مع المؤسسات الفلسطينية الرسمية، من دون أن يكون للاحتلال أيّ دور فيها وأن تعمل على ضمان تدفّق المساعدات، دون أن تتحول إلى سلطة أمنية تلاحق الشعب الفلسطيني ومقاومته.
وفي حين حقق القرار الأممي مطالب الكيان الإسرائيلي في جعل التفويض الممنوح لـ «قوة الاستقرار» الدولية تحت البند السابع، وفي جعل نزع سلاح فصائل المقاومة أولوية باستخدام كافة التدابير اللازمة، إلا أن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة لسلطة الكيان التي تسعى للحصول على صلاحيات للمشاركة في هذا الملف.
وفوق المسار المشروط الذي حصلت عليه حكومة الكيان في جانب الانسحاب التدريجي من أراضي قطاع غزة، لا تزال حكومة الكيان تفرض رؤى وشروطا تتجاوز الأفق المنصوص عليه في القرار الأممي.، ما قد يجعل الانسحاب الإسرائيلي، أمرا مؤجلا إلى أجل غير مسمى، في ظل الشروط التي يفرضها جيش الاحتلال لإخضاع أي نتائج تخلص إليها مهام «قوة الاستقرار» للتقييم وما إن كانت كافية لتنفيذ انسحابات خارج الخط الأصفر، وهي ثغرة تفتح أمام جيش الاحتلال طرقا للتنصل عن التزاماته في أي وقت وتحت أي مبرر.
تحفظات ومخاوف
لا شك أن قرار مجلس الأمن 2803 مثل نقطة تحوّل استراتيجية في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، بالنظر إلى الأهداف المزدوجة التي حملها بفرض تسوية دائمة لإنهاء الحرب في غزة ومعالجة تداعياتها الإنسانية بما فيها إعادة الاعمار، وفتحه مسارا لتقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية في سياق إلغاء كل الاشتراطات الإسرائيلية وتجاوز مشروعها المعلن بمنع قيادة دولة فلسطينية مستقلة.
وقياسا بالغموض الذي اكتنف خطة ترامب، جاء القرار الأممي بتسلسل واضح لآليات تنفيذ المرحلة الثانية، بما فيها تشكيل هياكل الحكم الدولية الانتقالية ومهامها في نزع السلاح وتشكل الإدارة الفلسطينية وصولا إلى انسحاب حيش الاحتلال المرحلي من أراضي القطاع.
بالمقابل فإن القرار الأممي الذي دعا إلى تنفيذ خطة ترامب المكونة من 20 بندا بشكل كامل، لم يحدد قواعد لتشكيل «مجلس السلام» ولم يحدد للمجلس مهاما واضحة سوى في مسألة تنسيق الأنشطة الإدارية والإنسانية في غزة، بما في ذلك الإشراف على قوة الاستقرار الدولية.
وهناك ضبابية في القرار الأممي من ناحية عدم وضعه آليات قانونية للمساءلة في حال أخفقت «قوة الاستقرار « في إنجاز المهام الموكلة لها والتقديرات بمنح إسرائيل الحق ضمنيا لاستئناف العمليات العسكرية بالتنسيق مع الولايات المتحدة، مع ما تترتب على ذلك من تداعيات دولية بما في ذلك احتمال الصدام المسلح بين فصائل المقاومة والشرعية الدولية.
من جهة ثانية فإن جوهر القرار الأممي يقصي بوضوح السلطة الفلسطينية من أي دور سياسي خلال المرحلة الانتقالية، ولم يذكرها إلا في سياق اشتراط إكمالها لبرنامج إصلاحات غير محدد لكي تتمكن من تولي مسؤوليات في غزة، ما كشف عن حالة عدم ثقة تجاه السلطة الفلسطينية يقلل من احتمالات منحها أي دور خلال المرحلة الانتقالية.
تحديات متوقعة
من اليوم الأول لصدور القرار الأممي ظهرت تحفظات واعتراضات فلسطينية تجاه التوجهات التي حملها بتشكيل «مجلس السلام» والغموض الذي يكتنف المصدر القانوني لسلطته ونطاق صلاحياته، ومسار علاقاته مع السلطة الفلسطينية في ظل عدم مشاركتها في صنع القرار ومحاصرتها بشروط الإصلاحات.
هذا الأمر دعا البعض إلى اعتبار القرار الأممي شكلا جديدا من الاحتلال، يسلبان الحقوق الفلسطينية ويؤجلان بشكل غير محدد الحقوق الفلسطينية في السيادة وتقرير المصير، بعد جعلها مشروطة بإصلاحات يقررها أطراف خارجيون.
ومن جانب آخر لا يزال هناك حالة من عدم اليقين حيال مشاركة بعض الدول العربية في «قوة الاستقرار» مثل المملكة الأردنية التي أعلنت عدم إرسال أي قوات إلى غزة، في حين أن معظم الدول الأوروبية باستثناء إيطاليا لا تبدو مستعدة للانخراط في مهمة قد تضع جنودها في مواجهة مباشرة مع المقاومة الفلسطينية المسلحة، كما لا تبدو مستعدة لقبول اتهامها بمساندة الاحتلال في ظل الرؤى التي تحدثت عن أن جنود «قوة الاستقرار» الدولية سيعملون جنبا إلى جنب مع جيش الاحتلال، بما في ذلك تسيير نقاط العبور، كون ذلك سيجعلهم جزءا من منظومة الاحتلال.
ورغم كل التحفظات على مهام وآليات عمل «قوة الاستقرار» فإن وجود هذه القوة لا شك سيوفر مناخات أفضل في ضمان تثبيت وقف النار وإيجاد بيئة أكثر استقرارا تسمح بجهود برنامج إعادة الإعمار وعودة النازحين في ظل ظروف حياتية مستقرة وآمنة.
