الجمعيات التعاونية الزراعية: لماذا يجب دعمها؟ وما هو دورها في دعم الاقتصاد والمجتمع

جميل احمد راوح

 

 

الجمعيات التعاونية الزراعية هي أداة قوية للتنمية الريفية والتنمية الاقتصادية الشاملة، لأنها لا تزيد الإنتاج فحسب بل تعيد هندسة العلاقات الاقتصادية في الريف لصالح الفئات الأكثر فقرا وتهميشا وتصحح اختلالات السوق من خلال تحويل المزارع المنعزل إلى قوة تنافسية وبالتالي تضمن توزيعا اكثر عدالة للثروة والدخل هذا ما يجعلها أداة أساسية ومهمة في مكافحة الفقر وعدم المساواة وبناء مجتمع صحي ومجتمعات ريفية اكثر قوة واستقرارا، ولكن نجاحها يعتمد على وجود حوكمه رشيدة وشفافية مالية ودعم مؤسسي من الحكومة والمنظمات المحلية ودعم مجتمعي وشعبي لضمان استدامتها.
الجمعية التعاونية: هي منظمة ينشئها ويمتلكها ويديرها مجموعة من الأفراد (يطلق عليهم الأعضاء) يتعاونون وينخرطون في الاتفاق طواعية لتلبية احتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشتركة. هدفها الأساسي ليس تحقيق الربح المالي بحد ذاته وانما خدمة أعضائها.
الجمعية التعاونية الزراعية
جوهر فكرة التعاونيات الزراعية تكمن في توحيد المزارعين (صغار المنتجين) بتجميع مواردهم وجهودهم ليكونوا قوة في السوق لتحسين وضعهم في الأسواق غالبا ذات التركيز العالي أي الاحتكارية التي تتسم غالبا بحواجز رأسمالية لدخول السوق. فبدلا من ان يعمل صغار المنتجين (المزارعين) بشكل منفرد يتحدون ليشكلوا قوة.
ملاحظة: المقصود بالحواجز الرأسمالية وهي أحد أهم وأبرز أنواع حواجز الدخول للسوق، والتي تتمثل في المتطلبات المالية الضخمة التي يحتاجها الداخل الجديد لتأسيس عمل أو نشاط وتشغيله في السوق، مما يجعل عملية الدخول محفوفة بالمخاطر ومكلفة للغاية.
الفكرة والهدف الأساسي من الانخراط وإنشاء الجمعيات التعاونية الزراعية:
١.الشراء المشترك: شراء المستلزمات الزراعية (بذور، أسمدة، مبيدات وقود، واليوم منظومات الطاقة الشمسية، والآت) بكميات كبيرة مما يتيح فرصة للتفاوض للحصول على اقل أسعار بدلا من الشراء الفردي.
٢.التسويق المشترك: وضع الخطط التسويقية المشتركة لجميع المحاصيل من الأعضاء (المنتجين)وتسويقها وبيعها بكميات كبيرة في الأسواق المحلية أو الدولية لتقاسم ولتقليل التكاليف التسويقية وتكاليف التوزيع، ويمنحهم هذا قوة تفاوضية أفضل في السوق ويمكنهم من توصيل منتجاتهم دون وسيط. وهذا يتحقق عن طريق توحيد الموارد لتحقيق هدف مشترك.
٣.اتاحة إمكانية التصنيع: وهذه الإمكانية من الصعب تحقيقها بشكل منفرد من قبل الأعضاء. العمل المشترك وتضافر الجهود وتوحيد الموارد يتيح هذه الفرصة ويجعلها فكرة قابلة للتنفيذ إنشاء وحدات لتجهيز وتغليف المنتجات الزراعية (مثل معامل معجون الطماطم، مصانع الألبان، تعليب وتغليف الخضروات) مما يضيف قيمة مضافة للمحاصيل ويزيد من دخل المزارعين الأعضاء.
٤.توفير التمويل الائتمان الذاتي: إنشاء صناديق تمويلية أو تعاونية ائتمانية داخلية تقدم قروضا ميسرة للأعضاء لشراء المستلزمات أو لأغراض التطوير والتوسع.
٥.التخزين المشترك: بناء أو تأجير مخازن أو ثلاجات تبريد أو صوامع حبوب، ما يمكن المزارع من تخفيض تكاليف التخزين فلا يضطر إلى إتلاف منتجاته، واختيار الوقت المناسب للبيع للحصول على سعر مرضي ومعقول وهذا يرفع الكفاءة ويضمن الاستدامة للمزارعين.
٦.نقل المعرفة وتبادلها وتبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا، فتبادل الخبرات وتقديم الإرشادات الزراعية والتدريب يرفع الكفاءة والإنتاجية.
٧. شبكة أمان اقتصادي واجتماعي: في أوقات الأزمات والأوقات الصعبة (مثل الجفاف أو الكوارث الطبيعية السيول وغيرها)، يمكن للتعاونية أن تكون بمثابة شبكة أمان لدعم أعضائها من خلال صناديق التضامن وتقديم المساعدات العينية والمالية.
اذن هي شراكة لعدد من كيانات مستقلة لا توجد فيها هرمية إدارية بالشكل التقليدي المعروف يغلب عليها طابع الهيكل التنظيمي، تؤسس بهدف تحسين أوضاع الأعضاء وتكون باشرف حكومي.
الجمعيات التعاونية الزراعية تجمع بين المبادرة المجتمعية والدعم والإشرف الحكومي، حيث توفر الحكومة الإطار القانوني والدعم لضمان استدامتها، بينما يكون التأسيس والإدارة من قبل الأعضاء أنفسهم.
*دور التعاونيات خصوصا التعاونيات الزراعية في الاقتصاد*
تلعب الجمعيات التعاونية الزراعية دورا حيويا ومتعدد الابعاد في الاقتصاد وتساهم في تخفيف تركز السوق وتمنع بيئة الاحتكارات وتتيح الفرصة لصعود منتجين جدداً وفتح آفاق جديدة وزيادة الإنتاج ورفع الكفاءة مما يعود بفيض من الفوائد على المجتمع والاقتصاد ككل. وهي احد الآليات لتفكيك الاحتكار (احتكار القلة) ومنع تشكله وتعمل هذه الآلية على تحسين أداء تنظيم السوق وضبط إيقاعه.
يمكن تلخيص الأدوار في بعض النقاط التالية:
١.تعزيز الأمن الغذائي: من خلال زيادة الإنتاج والإنتاجية وتحسين جودة المنتجات الزراعية وتنويعها ورفع كفاءة توزيعها وتسويقها وتسريع وصولها إلى الأسواق.
٢.تفكيك الاحتكار (احتكار القلة): تمكين صغار المنتجين والمستهلكين، الجمعيات التعاونية تمنح هذه الفئة ذات الحجم الأصغر في السوق قوة اقتصادية في مواجهة احتكارات الشركات الكبيرة وأسوق الجملة ما يصب في مصلحة الجميع، من جهة توفر لهم الوصول للسوق وتسويق منتجاتهم وبالتالي تحقيق دخولا معقوله استمرارية، ومن جهة أخرى تتيح كميات كبيرة من المنتجات الزراعية للمستهلكين بأسعار مناسبة.
٣.خلق فرص عمل: توفر الجمعيات التعاونية فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، مباشرة في هياكلها الإدارية ومزارعها ومصانعها ومتاجرها، غير مباشرة، من خلال فتح آفاق اقتصادية جديدة بناء سلاسل توريد محلية والتوزيع، وبإضافتها قيمة مضافة اقتصادية للمجتمع والاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى الاستدامة والحفاظ على استمرارية عمل الأعضاء أنفسهم والذين هم المزارعين وكياناتهم والوظائف التي أتاحتها والتي ستولدها في المستقبل مع تطورها وتوسعها.
٤.تحقيق الاستقرار في السوق: تساعد في استقرار أسعار المنتجات الزراعية من خلال التخطيط والتنظيم الكفؤ للإنتاج والتسويق الجماعي وتجنب التقلبات الحادة الناتجة عن العرض والطلب، بدلا من العمل بشكل فردي عشوائي وغير منظم، ما يعظم من تنظيم كفاءة السوق وفاعليته ويحقق استقرار الأسعار ويصب في مصلحة المنتج والمستهلك معا وتحقيق الاكتفاء الذاتي على المستوى الوطني.
٥.تنمية رأس المال البشري الوطني: تزيد وترفع من مهارات الأعضاء من خلال تبادل الخبرات والتدريب، تعزيز روح المبادرة والقيادة والتضامن والتكافل والعمل الجماعي المنتج والمثمر، وتعيد استثمار الفوائد والعوائد في المجتمع المحلي نفسه.
٦.تقليل الفقر وعدم المساواة: من خلال زيادة الإنتاج من جانب وإتاحة كميات كبيرة من المنتجات الزراعية لتلبية احتياجات السوق المحلية والنمو السكاني بأسعار تتناسب مع محدودي الدخل مما يساعد في تخفيف عبء غلاء الأسعار، والمساهمة في تصحيح اختلالات السوق (تشوهات السوق)بين العرض والطلب ما يضفي على السوق الطابع التنافسي الصحي وتوفير دخولا للمزارعين انفسهم وضمان استدامة أنشطتهم وأعمالهم، ومن جانب فتح آفاق اقتصادية جديدة خلق فرص عمل مباشرة في القطاع الزراعي كنتيجة لتوسع أنشطتهم ما يعني تحسين وضعهم المعيشي وخلق فرص عمل غير زراعية فعندما تتوسع الجمعيات التعاونية الزراعية في نشاطاتها التجارية التصنيع والتسويق والنقل فانها تولد فرص عمل جديدة في هذه المجالات أو القطاعات أي تولد دخولا، ما يعود بفيض من الفوائد على المجتمع وفي المجمل هي تساهم في تحسين القدرة الشرائية للناس/المواطن وبطبيعة الحال تساهم في ردم الفجوة الطبقية في المجتمع .
٧. تطوير سلسلة القيمة: لا يتوقف دور الجمعيات التعاونية الزراعية عند مرحلة الإنتاج الأولي، بل تمتد أنشطتها إلى التصنيع الزراعي (مثل مصانع العصائر، تعليب الخضروات، مصانع معجوم الطماطم، منتجات الألبان) كما ذكرنا سابقا. هذا يضيف قيمة للمحاصيل الخام ويخلق دخلا أعلى ويتح فرصة للتصدير للأسوق العالمية.
٨.المرونة في مواجهة الأزمات: التعاونيات هيكل يتسم بالمرونة ولديه قدرة على الصمود في أوقات الأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية وذلك بسبب طبيعتها وبفضل ما أصبحت تمتلكه من موارد مجتمعه وكذلك طبيعتها التضامنية بين أعصائها.
٩. تطوير سلاسل توزيع قصيرة تربط المنتج مباشرة بالمستهلك.
١٠. تحقيق الاكتفاء الذاتي: وذلك من خلال زيادة الإنتاج والتنمية المستدامة ويعود ذلك إلى طبيعية عملها بالأساس ومن خلال تحقيق الاستقرار في الأسواق والمقصود بالاستقرار توفير المنتجات بالكميات المطلوبة وبأسعار مناسبة.
في المجمل، يمكن القول انها تساهم في تحقق الأمن الغذائي والسيادة الغذائية من خلال تحقيق الاكتفاء الذاتي، توطين المنتجات الزراعية والصناعات التي ترتبط بالمنتجات الزراعية وإعطاء الأولوية للأسواق المحلية، ومن ثم بعد ذلك الأسواق العالمية(التصدير).كذلك تزيد من الناتج المحلي الإجمالي وتحسين الميزان التجاري بطبيعة الحال من خلال تخفيض الواردات وزيادة الصادرات.
فالسيادة الغذائية أصبحت امرا ضروريا وملحا في ظل ما نعيشه من تقلبات واضطرابات دولية، وهي مشروع استراتيجي وطني يتعلق بالاستقلال والقدرة على اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي الاستراتيجي. إنها ليست رفاهية، بل ضرورة لضمان بقاء الدول واستقرارها . جوهر مفهوم السيادة الغذائية هو “تمكن الشعب من إطعام نفسه بنفسه والاكتفاء ذاتيا”.

قد يعجبك ايضا